كريتر نت – متابعات
تعمدت الإدارة الأميركية توجيه رسائل تحذيرية صريحة إلى السلطة الانتقالية في السودان حول مسألة إقامة قاعدة روسية بعد ورود معلومات عن نقاشات جرت أخيرا بين الجانبين تطرقت إلى تفاصيل القاعدة وحجم القوات الموجودة فيها. وتعتبر واشنطن أن إقامة مثل هذه القاعدة مسألة لا يمكن السكوت عنها لأنها ستمنح موسكو موطئ نفوذ متقدم في المنطقة.
ووجهت الولايات المتحدة تهديدا مباشرا للسلطة الانتقالية في السودان حال سمحت لروسيا بإقامة قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر، في خطوة هدفت لتضييق الخناق على مناورات الجيش الذي يبرز ورقة القاعدة في وجه الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس جو بايدن عليه لتسليم السلطة للمدنيين.
وحذر السفير الأميركي لدى الخرطوم جون غودفري الثلاثاء الخرطوم من التداعيات حال سمحت بإقامة منشأة عسكرية روسية على البحر الأحمر شرقي البلاد، لافتا إلى أن بلاده تابعت تقارير إخبارية تكشف عن سعي موسكو لتنفيذ اتفاقية سابقة مع الرئيس السابق عمر البشير وقعت عام 2017 لإقامة منشأة بحرية في بورتسودان.
وقال في مقابلة مع صحيفة “التيار” المحلية “إذا قررت حكومة السودان المضي قدما في إقامة هذه المنشأة أو إعادة التفاوض حولها فسيكون ذلك ضارا بمصالح البلاد، ويؤدي إلى المزيد من عزلة السودان في وقت يريد الناس أن يصبحوا أكثر قربا من المجتمع الدولي”.
عبدالرحمن أبوخريس: روسيا لديها اهتمام كبير بتنفيذ الاتفاق السابق
وعلمت “العرب” من مصادر دبلوماسية سودانية أن موسكو كثفت مشاوراتها مع الخرطوم الفترة الماضية لإنشاء القاعدة العسكرية، وهناك نقاشات جرت أخيرا بين الجانبين تطرقت إلى تفاصيل القاعدة وحجم القوات الموجودة فيها، وهو ما دفع واشنطن للدخول على الخط بشكل علني ومباشر والتهديد بنبرة خشنة لأول مرة منذ فترة.
ونشرت موسكو في ديسمبر 2019 عقب سقوط نظام البشير نص اتفاقية حول إقامة قاعدة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، وتحصل الخرطوم مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية، ويسمح الاتفاق لموسكو بالاحتفاظ بالقاعدة لمدة 25 عاما مع تمديد تلقائي لمدة 10 سنوات، حال عدم اعتراض أي من الجانبين.
ولم تدخل الولايات المتحدة على خط القاعدة الروسية الفترة الماضية، وبدا أن لديها يقينا بأن التباين حول الرؤى بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي يعارض إقامتها ويرفض خسارة المعسكر الغربي وحلفائه الرئيسيين في المنطقة، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يتحمس لإقامتها، يسهم في استمرار مماطلة الخرطوم ومن غير المحتمل تمرير الصفقة.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأميركية تستخدم سياسة العصا والجزرة مع السودان منذ إجراءات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ولم تصنف ما حدث على أنه انقلاب عسكري في ذلك الوقت، ولم تفرض عقوبات على السلطة الحالية.
وكانت تدرك بأن الخشونة قد تؤدي إلى خسارة حليف منتظر، وبنت تصرفاتها على أساس عدم ترك الساحة خالية أمام تغلغل روسيا والصين في السودان، وتتدخل في التوقيت الذي تشعر فيه أن الخرطوم تتجه بشكل أكبر نحو معسكر موسكو.
وشدد السفير جون غودفري على أن مشاركة البرهان في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تعني أن الصفحة قد طويت، قائلا “وأكرر أن مفتاح تعميق العلاقات بين الحكومتين وتوسيع التعاون على مستوى الحكومات لا يمكن تحقيقه إلا في سياق حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الانتقالي في السودان”.
وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من لقاء جمع بين البرهان ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتضمنت ثناء سودانيا على مواقف موسكو الداعمة في المجالات المختلفة، وفي المقابل تأكيد روسيا على أهمية موقف السودان المحايد من الأزمة الأوكرانية.
وقال عضو المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السودانية عبدالرحمن أبوخريس إن السلطة الحالية قررت في أعقاب قرارات البرهان العام الماضي انتهاج سياسة انفتاحية على قوى عديدة شرقا وغربا، وهو ما لم تتحمس له الولايات المتحدة التي اعتبرت ذلك سلوكا عدائيا ضدها، فيما قرر مجلس السيادة الحالي المضي قدما في توجهاته دون أن يصل إلى مرحلة الصدام المباشر مع واشنطن.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن روسيا لديها اهتمام كبير بتنفيذ الاتفاق السابق، وأن السودان لم يحسم موقفه النهائي، وهناك إدراك بأن ذلك يشكل تهديدا للمنظومة الأمنية التي تريد الولايات المتحدة تدشينها على ساحل البحر الأحمر مع الدول المتشاطئة عليه، لكن في الوقت ذاته فإن المكون العسكري ينتظر تحسنا ملموسا من جانب الولايات المتحدة على مستوى العلاقات الثنائية.
وأشار إلى أن الخرطوم ترفض صيغة التهديدات وتنتظر الانفتاح في العلاقات مع واشنطن بشكل كامل وحقيقي، بعيدا عن الوكلاء الذين تعتمد عليهم الإدارة الأميركية ويتم توظيفهم كوسطاء مع السلطة الحالية.
ويؤكد سياسيون أن وصول السفير الأميركي الجديد إلى الخرطوم منذ حوالي شهر لم يكن على مستوى توقعات الخرطوم التي وجدت نفسها أمام ضغوط مضاعفة تدفعها نحو تسليم السلطة للمدنيين، وحينما حاولت الترويج بأن زيارة البرهان لنيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة تشي بفتح صفحة جديدة بين السودان والغرب على لسان المستشار الإعلامي للجنرال البرهان الطاهر أبوهاجة اصطدمت بتصريحات دبلوماسية أميركية أكثر إحراجا لها بعد أن نفى السفير الأميركي ذلك.
الخرطوم تلوح بورقة القاعدة العسكرية الروسية عندما تشعر أن الضغوط الأميركية تتزايد عليها وتخفيها عند الهدوء
وعمد السفير الأميركي إلى الدفاع عن بعث رسائل للداخل السوداني مفادها أن بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي وأن “جميع البلدان تتمتع بحق سيادي في اختبار البلدان الأخرى التي تنشئ شراكات معها، لكن تلك الخيارات لديها عواقب”، ما يعني أن واشنطن قد تمضي في اتجاه توقيع عقوبات واتخاذ إجراءات ضد الخرطوم حال منحت روسيا القاعدة العسكرية.
وذكرت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن الولايات المتحدة لا ترضى عن المناورات التي يمارسها السودان بشأن علاقاته مع روسيا والصين، ولاحظت أن فكرة القاعدة تراود السلطة الحالية بعد أن نجحت في منع قيامها خلال العامين الماضيين، ما يشير إلى أن البرهان يحاول اللعب على جميع الحبال.
وأوضحت في تصريحات لـ”العرب” أن استخدام الولايات المتحدة شعارات دعم الديمقراطية واستعادة الحكم المدني لا يتم التعويل عليها كثيرا في الداخل، ولا يوجد دعم حقيقي للمدنيين على الأرض وإن استخدم السفير الأميركي صيغا كلامية بليغة، وأن واشنطن تسعى للحفاظ على تماسك البرهان وتساعده على تجاوز مطبات الفترة الانتقالية لكنها ترفض أن يذهب باتجاه روسيا وينفذ أهدافها في البحر الأحمر.
وتجاهلت الخرطوم الرد الفوري على ما يمكن وصفه بالتهديدات الأميركية من خلال الجيش أو وزارة الخارجية أو مجلس السيادة، لأنها على قناعة بأن مناوراتها نجحت حتى الآن في عدم التعامل الأميركي مع قرارات أكتوبر الماضي كانقلاب عسكري.
وتلوح بورقة القاعدة العسكرية الروسية عندما تشعر أن الضغوط الأميركية تتزايد عليها وتخفيها عند الهدوء، وتبعث رسائل على أن استخدام العصا معها يذهب بها إلى الارتماء في أحضان موسكو.