سامح إسماعيل
كاتب مصري
بحسب آخر تعداد سكاني تمّ إجراؤه في العام 2002، فإنّ ثلث سكان مقدونيا الشمالية مسلمون، وتشير تقارير متعددة إلى أنّ عدد السكان المسلمين هناك، الآن، يتراوح ما بين 36.6٪، و43.6٪، وتُعد الجماعة الدينية الإسلامية (IVZ)، التي تم إنشاؤها في العام 1991، واعترفت بها الحكومة في العام 1994، الممثل الرسمي للمسلمين في البلاد.
ونظراً للوزن النسبي الكبير للمسلمين، أصبحت مقدونيا الشمالية هدفاً لمحالات الاختراق من قبل جماعة الإخوان، التي نجحت في استقطاب شريحة معينة من المسلمين، عن طريق إنشاء منظمات طلابيّة وشبابيّة، ومع الوقت باتت الجماعة تهيمن على حيز ملموس في المجتمع المسلم، وفق خطة تمكين، تدور تفاصيلها في الخفاء.
اختراق المجتمع المدني
في دراسة مشتركة صدرت بالإنجليزية، بين مركز جلوبسيك (GLOBSEC) ومشروع مكافحة التطرف (CEP)، يتضح من خلال البحث الميداني الذي تمّ إجراؤه على المجتمع المقدوني، والمنظمات المرتبطة بشبكة الإخوان المسلمين، أنّ منتدى المنظمات الشبابيّة والطلابيّة الإسلاميّة الأوروبيّة (FEMYSO)، يمثل مظلّة للتنظيمات التابعة للجماعة، ويضم في عضويته أحد أبرز الأذرع الإخوانيّة، وهي منظمة المؤتمر الإسلامي للشباب (FRI)، ومقرها في تيتوفو. وهي منظمة شبابيّة غير حكوميّة، تأسّست في العام 2000، ولها حضور فعال على شبكة الإنترنت عبر موقعها الإلكتروني، وصفحات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك قناة على يوتيوب، وصفحة “فيسبوك” عليها أكثر من 5000 متابع، وأخرى على إنستغرام، عليها نحو 1700 متابع.
ويحتوي موقع منظمة المؤتمر الإسلامي للشباب، على بعض المقالات حول جماعة الإخوان المسلمين، والغالبية العظمى من هذه المقالات، حوالي 15 مقالاً، مؤرخة بين عامي 2012 و2016، تغطي الأحداث المتعلقة بالجماعة في مصر، بالإضافة إلى حوار مع ابنة راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي.
تدور أنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي، بشكل أساسي، حول الخدمات التعليميّة والمساعدات الإنسانيّة، كما يتضح من مخرجاتها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ قيامها بتنظيم دورات تدريبيّة متعددة للشباب، حول موضوعات الصحة والتعليم، وتمنح المنظمة جوائز للباحثين الشباب، خلال احتفالها السنوي بالعام الهجري الجديد، كما تقوم بجمع الأموال تحت غطاء العمل الخيري، في جميع أنحاء مقدونيا الشمالية.
جدير بالذكر أنّه في آب (أغسطس) من العام 2011، نظمت جبهة الشباب الإسلامي، مؤتمراً بعنوان: “الإسلام في أوروبا، خطر أم خلاص”، الأمر الذي أثار حالة من الجدل، خاصّة مع وجود هاني رمضان، حفيد حسن البنا، والذي ألقى محاضرة اتسمت بالتطرف والتعصب، ما دفع الجماعة الدينيّة الإسلاميّة، إلى التعبير عن مخاوفها من مشاركة المنظمات غير الحكوميّة، في تنظيم الاجتماعات والمحاضرات الدينيّة، وكذلك ممارسة أنشطة جمع التبرعات.
المشاركة الأبرز في هذا المؤتمر، كانت من خلال منظمة ليجيس Legis الإسلاميّة، والتي تربطها علاقات قوية بجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتركيا، وسبق وأن شاركت رئيستها السابقة، ياسمين ريدجيبي، في قافلة أسطول الحرية إلى غزة العام 2010، ما أثار الجدل حول وجود صلات محتملة بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نفته آنذاك، دون تقديم أدلة دامغة.
النفوذ التركي وإستراتيجية العثمانية الجديدة
للوجود التركي تأثير كبير على السياقات السياسيّة والدينيّة في مقدونيا الشمالية، خاصّة وأنّ حزب العدالة والتنمية لديه نفوذ مؤسّسي ومنهجي، يظهر دائماً في خلفية التطورات السياسيّة المهمة في البلاد، أضف إلى ذلك أنشطة منظمة تيكا (TİKA) التركية، بالإضافة إلى وجود نسبة ملحوظة من الأتراك بين السكان.
على سبيل المثال، مولت تركيا عملية إعادة بناء المساجد في مقدونيا الشمالية، مثل: مسجد علي باشا التاريخي، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر في أوهريد. بالإضافة إلى ذلك، تتبرع تركيا بالمال لشراء الأضاحي في العيد الأضحى، ويرتبط نفوذ تركيا السياسي بتأسيس حزب بيزا PESA، وهو حزب سياسي يميني، يعمل منذ العام 2014، وفاز الحزب بأربعة مقاعد في البرلمان المقدوني، في انتخابات العام 2020.
وبحسب عدة روايات، فإنّ حزب بيزا له مرجعية إسلاميّة، تقوم على منهج الإخوان المسلمين، وتقول لوائحه الداخلية إنّ الإسلام “جزء لا غنى عنه من الهوية الوطنية للمجتمع الألباني”، ويتلقى الحزب تمويلاً من تركيا وقطر، وبينما تنفي قيادات الحزب وجود روابط سياسيّة مباشرة مع أنقرة، فإنّ قيادات الحزب تتبع مباشرة الخط السياسي لأردوغان.
ويملك حزب بيزا داراً للنشر ( Logos-A )، والتي نشرت كتباً لحسن البنا، ويوسف القرضاوي، مع ترجمتها إلى الألبانية، مثل كتاب: “الحلال والحرام في الإسلام” للقرضاوي، ما دفع الأحزاب السياسية العلمانية إلى مهاجمة الحزب؛ لتبنّيه أيديولوجيا الإسلام السياسي للإخوان المسلمين.
ويشكل الألبان أكبر عدد من المسلمين في البلاد، ويتمتعون بثقل سياسي واجتماعي بارز، ما دفع تركيا إلى استخدام هذا النفوذ؛ كجزء من خططها وفق إستراتيجيّة العثمانية الجديدة، وفي السياق نفسه، أفادت التقارير أنّه بين عامي2011-2014، نظمت تركيا لقاءات سياسية للشباب المقدوني في أنقرة، في وجودأعضاء من حزب العدالة والتنمية.
وتشهد مقدونيا الشمالية نشاطاً ملحوظاً للجماعات السلفية، التي تنافس الإخوان على النفوذ داخل المجتمع المسلم، ويتركز النشاط السلفي في قرى توربيشي، من خلال الجمعيات الخيرية الإسلاميّة، مثل: منظمة الوقف الإسلامي، وقد ظهر الأصوليون لأول مرة في غرب البلقان أثناء الحروب الأهلية في التسعينيات، وازدهر وجودهم مع قيام النخب السياسية والفكرية الألبانية، بتضمين الإسلام كعامل هوياتي حاسم؛ حيث أشارت الأبحاث التي أجراها مركز كوسوفو للدراسات الأمنية، إلى أنّ هؤلاء يدعمون الإسلام؛ باعتباره العنصر الذي يحافظ على الهوية الألبانية في مقدونيا.
المصدر حفريات