علي بن تميم
يمثل الموت لدى المسلمين وغيرهم موعظة وعبرة، لكن هل هو كذلك لدى جماعة الإخوان الإرهابية؟ هل يعتبرون به فعلاً، أم يتخذونه فرصة للتشفي في من يعتبرونهم أعداءهم؟ هل ينفذ الإخوان ـ الذين يدعون أنهم يحتكرون صحيح الإسلام ـ وصايا الرسول بعدم الشماتة، أم يحولون الموت لمكسب سياسي وانتقام إلهي لصالحهم؟
مناسبة كل هذه الأسئلة هي وفاة يوسف القرضاوي شيخ الفتنة ومفتي ومُنّظّر الدم للتنظيم الإرهابي، والجدل الذي ثار حولها بعد أن رفعته قواعد جماعته إلى مصاف الشهداء والقديسين والأنبياء، وحرّموا أن يُذكّر أحد بجرائمه التي ارتكبها في حق الإسلام وحق وطنه، وتحريضه على خراب جميع البلاد العربية، متهمين من يذكر تلك الحقائق بالشماتة في الموتى!
ولأن الإخوان لا دين ولا عهد لهم ويقولون ما لا يفعلون ويمارسون “التقية” في كل أفعالهم وأقوالهم، فمن الواجب التذكير بأنهم هم من يمارسون الشماتة طوال الوقت، وعرابهم القرضاوي فعلها مراراً. من الذي يردد بلا تدبر “موتانا في الجنة وقتلاهم في النار”؟ من الذي يصف موت من يطرح رأياً مختلفاً عن رأي التنظيم بأنه “نفوق” و”هلاك”؟ من الذي يُسقط الآيات القرآنية عن الكفار على معارضي الجماعة وكأنها أنزلت فيهم؟ ومن الذي يتصرف كأن الله منحه مفاتيح الجنة وأوكل إليه مهمة إدخال الناس إلى النار؟
من الذي شمت في رحيل رموز الفكر والسياسة والإعلام في مصر وتونس وسوريا والخليج، ليس إلا لأنهم دعموا أوطانهم ضد إرهاب الجماعة، مثل الرئيس التونسي السابق السبسي والمفكر جابر عصفور والمستشارة تهاني الجبالي النائبة السابقة بالمحكمة الدستورية العليا المصرية والصحفيين محمد حسنين هيكل ووائل الإبراشي وعبد الله كمال وياسر رزق والسيناريست وحيد حامد وغيرهم كثير.
القرضاوي شمت وتشفى وحرّض، أليس هو من شمت في اغتيال النائب العام المصري الأسبق هشام بركات حين قال “ها قد أفضى النائب العام إلى ما قدم، فهل أغنى عنه منصبه؟! وبم سيجيب ربه؟”، أليس هو الذي تشفى في موت الشيخ سعيد رمضان البوطي رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، حين قال بعد اغتياله في مسجده “البوطي خالف علماء سوريا عامة ووقف مع النظام ضد شعبه إلى آخر جمعة، عندما وقف يؤيد النظام ويدعو لمناصرة النظام”، أليس هو من شمت في بلده بعد تفجير كنيستي مار جرجس ومار مرقس في مصر عام 2017، وقال إن ذلك بسبب ما أسماه “الاستبداد”؟ وشواهد الشماتة كثيرة لمن يذكر ولمن يعتبر.
أكل القرضاوي على كل الموائد، فقابل القذافي وبشار الأسد وحصل على جائزة الملك فيصل من السعودية، ولما انتهى الغرض أفتى للناتو بقصف ليبيا وأحل دماء القذافي وطالب بقتله على الهواء وقال “اقتلوه ودمه في رقبتي”.
ولما انتهت المصلحة كفّر الأسد وأعلن فتح باب الجهاد في سوريا للقتال بجوار القاعدة، ولمّا انقضى الأمر هاجم السعودية والإمارات وأشعل فتنة بين دول الخليج، ولمّا عُزل الإخواني محمد مرسي بإرادة شعبية حرّض على الحرب الأهلية في مصر، وقال إن القتال “فرض عين على كل مسلم مصري قادر ومؤمن بأن يترك منزله”، وحّرض قواعد جماعته على النزول للشوارع لإحداث الفوضى وترويع المواطنين.
أطلق الإخوان الهاشتاقات لنعيه، وألبسوه عباءات الصدّيقين ووصفوه بأنه “رجل بأمة”، لكن هل يمكن أن يخبرونا أي أمة هذه؟ هل هي الأمة التي أصدر الفتاوى ليهدمها من سوريا إلى ليبيا إلى تونس؟ هل هي الأمة التي شرّد أبناءها بدعواته للجهاد، فهاموا على وجوههم في البلاد هاربين لاجئين؟ هل هي الأمة التي دعم خرابها بما أسموه “الربيع العربي”؟ هل هي الأمة التي يدعو على أطفالها وشيوخها ونسائها بالموت لأنهم يخالفون جماعته الرأي ويتمسكون بأوطانهم؟ هل هي الأمة التي حرض على الفتنة والدمار والاقتتال الأهلي فيها، بعد أن أفتى بجواز القيام بعمليات انتحارية “بشرط موافقة الجماعة”؟ أم هي “أمة الإخوان” الذين أرادوا أن ينفذوا “أستاذية العالم”، ويحولوا العالم العربي إلى “دولة خلافة” ولما ثارت الشعوب ورفضت ملؤوها بالتفجيرات والإرهاب برعاية فتاواه ومباركتها؟
لا نحتاج أجوبة عن هذه الأسئلة، فقبضة القرضاوي الملوّثة بالدم دقت باب كل عربي ومسلم وروّعته، لقد مات القرضاوي، ونحن لا نشمت في ميت لأن الموت بيد الله وحده وليس وسيلة انتقام، لكننا نذكّر بالوقائع والمآسي التي أصابت المنطقة كلها بسبب انحيازه لجماعته على حساب دوره كرجل دين. ونذكّر جماعته أيضاً بأن أفكار “عرّابهم” السوداء ماتت أيضاً، لأن الجميع وعى الدرس ورأى الحقيقة بعد أن اكتوى بنار التكفير والتطرف والإرهاب.
ليست شماتة، لكنها موعظة وعبرة. يموت العرّاب في الوقت الذي تأفل فيه جماعته بعد أن انشقت على نفسها، وتآكلت من الداخل ولفظتها جميع الشعوب، وطاردها الجميع شرقاً وغرباً، إنها لحظة الحقيقة لعلهم يفقهون.
نقلاً عن موقع “24”