حسن الشامي
من القواعد المتعارف عليها في العصر الحالي أن “لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.. وذلك حسب نص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة.. وتقدّس مواثيق حقوق الإنسان العالمية ودساتير الدول الديمقراطية حق حرية التعبير.
ولكن قيد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حرية التعبير المكفولة بالمادة 19، في المادة 20 التالية لها مباشرة، والتي تحظر بالقانون «أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف».
متى يصبح الخطاب كراهية؟
تُشكل “خطابات الكراهية” مصطلحًا جامعًا يشمل ضمنه خطابات التمييز والتحريض بأنواعها، وقد وضعت المادة 19 المعنية بحرية التعبير، ستة معايير لتحديد ما إذا كان الخطاب يدخل في نطاق الكراهية المُجَرَّمة أم لا؟.
المعيار الأول :
يتعلق بالسياق حيث ينبغي أن يراعى السياق السياسي والاجتماعي خلال الخطاب من حيث وجود صراع أو سلام، ووضع الجماعة أو الفرد الذين وُجه ضدهم الخطاب هل هم أقلية وهل هناك تمييز أو تحريض قائم ضدهم أصلًا.
والمعيار الثاني :
خاص بالمتحدث بما في ذلك وضعه في المجتمع، فهناك فارق كبير بين أن يدلي مواطن عادي بخطاب كراهية، وبين أن يدلي به موظف رسمي، أو شخص ذو منصب أو مكانة سياسية أو دينية أو اجتماعية، أو ذو نفوذ أو تأثير في محيط.
أما المعيار الثالث :
فيتحدث عن نية المتحدث، من حيث قصده إلى التحريض ضد مجموعة بعينها، وإدراكه للعواقب المحتملة لهذا الخطاب.
والمعيار الرابع :
يتعلق بمحتوى التعبير من حيث الألفاظ المستخدمة، واللهجة، واستعماله لتعبيرات محددة يقصد بها عادة الدعوة إلى التمييز أو العنف.
والمعيار الخامس :
يختص بنطاق ومدى التعبير، فهو مُتعلق بالوسيلة التي قيل بها، ومدى انتشارها، والمكان الذي قيل فيه، وعدد الجمهور المتلقي وطبيعته، إضافة إلى مرات تكراره والتأكيد عليه.
بينما المعيار السادس والأخير :
يهتم باحتمال حدوث الفعل الذي يدعو له المتحدث بما في ذلك احتمال وقوعه بشكل وشيك، ويعتمد هذا المعيار على رد الفعل الذي حدث أو المتوقع حدوثه بعد الخطاب، وما إذا كان المتلقّون قد فهموه على أنه دعوة للعنف أو التمييز أو الكراهية.
وهذه المعايير المفصلة تهدف لوضع حدود بين خطاب الكراهية المُجرَّم وحرية التعبير، وضمان ألا تستخدم مواد تجريم خطاب الكراهية من قبل السلطات في التضييق على المعارضين أو من ترغب في إسكاتهم.
مصر
كيف يمكن مواجهة خطاب الكراهية؟
والكراهية تكون نابعة من الخطابات المتعصبة، سواء التعصب القومي الذي يلغي الآخر ويعتبر غير المواطنين أقل في الدرجة.. فمثلًا يشيع في الإعلام المصري خطابات التمييز ضد سكان سيناء من البدو وما يؤدي إلى ممارسات تمييزية ضدهم وإلى صمت شعبي على الانتهاكات الواقعة بحقهم، كما شاعت خطابات كراهية الأجانب واعتبارهم جواسيس وهو ما أدى إلى تعدي مواطنين على بعض الأجانب والقبض على آخرين وتسليمهم للشرطة.
والكراهية في المجتمع المصري نابعة من الخطابات المتعصبة، سواء التعصب القومي أو التعصب الديني.. الذي يحثّ على كراهية الآخر أو اعتباره أدنى في الدرجة من المؤمن، ويمارس هذا النوع المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية وبعض الأحزاب والجماعات السياسية ورجال الدين وقنوات دينية، حيث يزخر خطابها بالكراهية ضد التنويريين والقرآنيين والشيعة والبهائيين واليهود والمسيحيين والكفار والملحدين والمرتدين.
ولا يحتوي القانون المصري عقوبات ضد خطابات الكراهية، ورغم أن المادة 176 من قانون العقوبات تنص على أنه “يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام”.. لكن هذه المادة لم تُفَعَّل ولم يعاقب أحد بها وحدها من قبل.
وتكمن الإشكالية الكبرى في مواجهة خطابات الكراهية في أن الحكومة وبعض الجهات الرسمية شريكة في خطابات الكراهية والتمييز، ولذلك ينبغي مواجهة ذلك لوقف مثل هذه الخطابات، والضغط لمحاكمة مطلقيها، لتكون مثل هذه الأحكام رادعًا لمنع تكرارها.
كما يجب تجريم خطابات الكراهية، وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي وأن يكون ملزمًا والنص على عقوبات على من يخالفه، وإضافة مادة تجرم خطابات الكراهية وتلزم الإعلاميين بمعايير المهنيّة والحياد للحد من استخدام وسائل الإعلام كمنابر للكراهية، وكذلك دعوة الإعلاميين والشخصيات العامة إلى تبنّي أدوار إيجابية في نشر التسامح والتعددية وقبول الآخر.
وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي منبرًا للحث على استخدام لغة قاسية وعدوانية، لأن مستخدميها يستخدمون لغة أضحت تزداد عدوانية يومًا بعد يوم.. وقد يؤدي خطاب الكراهية إلى عواقب كارثية في ظروف معينة.
حرية التعبير
تعتبر حرية التعبير محمية بموجب القانون الدولي، من خلال حقوق واضحة منصوص عليها في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.. ومع ذلك، وافق المجتمع الدولي أيضًا على بعض القيود – مثل الخطاب الذي يدعو إلى “الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية” و”يشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.
ومن الأهمية بمكان أن تضع الحكومات أطرًا قانونية سليمة بشأن خطاب الكراهية لمساءلة مرتكبيه، واحترام الكرامة الإنسانية، وحماية الجماعات المهمَّشة، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير وخطاب الكراهية.
تحليل خطاب الكراهية
وخطاب الكراهية هو هجوم على التنوع وقيم التسامح والسلام والمبادئ والقيم التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، والقيم التي تقوم عليها جميع الأديان.
ولكن نلاحظ على الصعيد العالمي، يسود الخطابَ العام ووسائلَ الإعلام والخطابَ السياسي مظاهر كرهُ الأجانب والعنصريةُ وغيرُ ذلك من صور التعصب، ولاسيما معاداة السامية وكراهية النساء والإسلاموفوبيا.
وزيادة خطاب الكراهية في العالم يزيد الهاجس بأن يعود ليكون مقدمة للجرائم الوحشية التي حدثت في القرن الماضي، ومنها الإبادة الجماعية من ألمانيا إلى رواندا ومن كمبوديا إلى البوسنة.
ولذلك أطلقت الأمم المتحدة خطة عمل بشأن خطاب الكراهية في عام 2019 بهدف تعزيز الجهود الرامية إلى معالجة الأسباب الجذرية لخطاب الكراهية ودوافعه وتمكين الاستجابات الفاعلة له.. وخطاب الكراهية يتطلب استجابة منسَّقة من القيادات الدينية وصانعي السياسات والمنظمات الإعلامية وعامة الناس، فقد ظلَّ يعمل مع شركاء مثل الأمم المتحدة عبر تنظيم الأحداث وتصميم البرامج لمكافحة هذا الخطاب.
مكافحة خطاب الكراهية ومنعه
ومع أن السلطات الحكومية تتحمل المسؤولية الرئيسة عن منع التحريض وحماية أفرادها من الجرائم الوحشية، فمن واجب الجميع العمل على مكافحة خطاب الكراهية الذي يساعد على ارتكاب أعمال عنف وتشجيعها.
وهناك طرق عديدة لمكافحة خطاب الكراهية ومنعه.. ومن بينها:
ـ رفع مستوى الوعي من خلال إجراء دورات تدريبية محلية وتثقيف الأصدقاء وأفراد العائلة بشأن مخاطر التمييز والتعصب.
ـ الإبلاغ عن أية منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الشائعات أو المعلومات الخاطئة.
ـ نشر الرسائل الإيجابية الداعية إلى السلام والتسامح في وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية.
ـ دعم الأفراد أو الجماعات التي يستهدفها خطاب الكراهية وتشجيع صانعي السياسات على اتخاذ إجراءات ضد اللغة أو السياسات التمييزية.
ـ استضافة ورش عمل بشأن الصحافة المراعية لظروف النزاع من أجل مساعدة الصحفيين على تطوير القدرات الأخلاقية لتحديد مصادر النزاع، ونقل الأخبار نقلًا عادلًا ودقيقًا.
ـ تشكيل لجان للإنذار والاستجابة المبكرين على الصعيدين الوطني والمحلي لرصد خطاب الكراهية وأشكال التحريض على العنف الأخرى.
نقلاً عن “الحوار”