رشا عمار
صحفية مصرية
في خطوة قرأها مراقبون بأنّها عودة إلى إحياء تيار العنف والتنظيم المسلّح داخل جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في عدد من الدول، كشفت معلومات مسربة عن عقد مؤتمر لما يُسمّى “تيار التغيير” داخل التنظيم في 15 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وهو التيار الذي يتزعمه عدد من قيادات التنظيم المسلح داخل الجماعة، ويستهدف بحسب المعلومات المتاحة تنفيذ مخطط للفوضى والأعمال العدائية، رداً على رفض طلبات المصالحة من جانب الدولة المصرية خلال الفترة الماضية.
وكشفت معلومات، حصلت عليها “حفريات” من مصدر خاص، أنّ تيار التغيير الذي يتزعمه عدد من القيادات المتشددة داخل التنظيم، على رأسهم القيادي الهارب في تركيا رضا فهمي، قد أسس مطلع العام الجاري ما يُسمّى مؤسسة “ميدان”، وهي مؤسسة إخوانية تم الإعلان عن تأسيسها في كانون الثاني (يناير) الماضي، وتستهدف بحسب المصدر تجميع أكبر عدد من شباب التنظيم لخلق تيار ثوري يعمل على إستراتيجية تستهدف استعادة السلطة التي فقدها الإخوان في مصر والدول العربية اعتماداً على أجندة العمل المسلّح وصناعة الاضطرابات في تلك الدول.
إحياء النشاط المسلّح… لماذا الآن؟
وبحسب المصدر، فإنّ الجمعية التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها، قد تلقّت تمويلات ضخمة من بعض الدول التي تتحالف مع التنظيم الدولي للجماعة، وتعمل على جمع الشباب من مختلف التيارات الإسلامية، بالتنسيق مع قيادات الجبهة السلفية الهاربين في الخارج، أحمد مولانا ومحمد إلهامي، وكذلك القيادي في حركة حسم المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية، وتصنف بأنّها الذراع المسلحة للتنظيم الإرهابي، وقد نفذت عمليات إرهابية كثيرة في أعقاب سقوط الجماعة عن الحكم، تعمل من خلال تلك التحالفات لصياغة مشروع جديد يعتمد على العنف وحده كآليّة للتغيير.
وكان المؤسس رضا فهمي قد تحدث عن تلك المخططات صراحة خلال المؤتمر الذي عقد في كانون الثاني (يناير) الماضي في إسطنبول تحت عنوان “شباب التغيير عقد من النضال وخطوة للمستقبل”، وقد ركز المؤتمر، بحسب ما رصدته الصحف آنذاك، على عملية إحياء العمل النوعي من أجل الانطلاق نحو التغيير، على حدّ زعمهم.
وقال فهمي خلال المؤتمر، الذي حضره نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مصطفى شان: إنّ “المؤتمر يأتي في وقت خطير ظنت فيه الثورات المضادة في بعض الدول أنّها أصبحت مسيطرة، وأنّ التيار الثوري قد فقد كل أدواته”، مهدداً صراحة بالعودة إلى العمل المسلّح.
أمّا القيادي في حركة “حسم” محمد منتصر، فقد أبدى خلال المؤتمر استعداده للعودة إلى أجندة الفوضى، متوعداً، بحسب ما نقلته “العربية” بالتدخل، بالحلحلة والخلخلة، لتحريك الوضع القائم في الدول العربية، وعلى رأسها مصر.
هذه المجموعة تعمل في الوقت الراهن على تحريك المياه الراكدة داخل الجماعة، واستفزاز عناصر التنظيم في الداخل والخارج، ووضع مخططات عدائية تستهدف كيفية السيطرة على الدولة وإعادة بناء دولة الخلافة
وحول أسباب العودة في الوقت الراهن، تقول المصادر إنّها ترتبط بشكل كبير برفض الدولة المصرية للمصالحة مع عناصر التنظيم خلال الفترة المقبلة، ممّا جعله يلجأ إلى العنف، وهو ورقته البديلة دائماً.
وتشير المصادر إلى أنّ المؤتمر الذي انعقد السبت، منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، جاء استكمالاً لما تم في كانون الثاني (يناير) الماضي، موضحة أنّ تلك المجموعات قد تلقت تمويلاً وتدريباً على مستوى عالٍ خلال الفترة الماضية، ولديها أجندة عمل ستعود من خلالها تستهدف الفوضى في المقام الأول، من أجل الضغط على الأنظمة العربية للقبول بعودة الإخوان إلى المشهد السياسي، لكنّها تؤكد في الوقت ذاته فشل تلك الرهانات؛ بسبب اليقظة الأمنية والضربات الاستباقية التي تستهدف نسف تلك المخططات من منبعها.
إحياء مشروع سيد قطب التكفيري
الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب، عمرو فاروق، قال لـ “حفريات”: إنّ الإشكالية الكبرى التي تتعلق بإعادة إحياء هذه المجموعات، وتعكس مدى خطورتها، كونها تستند إلى الأفكار الـ (4) التي أصّلت للعنف لدى سيد قطب مؤسس التنظيم ومشرّع العنف، تلك الأفكار هي: (الحاكمية، والجاهلية، وتوظيف القوة، واستعادة دولة الخلافة).
تلك الأفكار، بحسب فاروق، مثلت المرجع الشرعي والفكري لكافة تنظيمات العنف التي خرجت خلال الأعوام الماضية، وبالرغم من عدم تخلي الجماعة عن إستراتيجياتها العنيفة أبداً خلال الفترة الماضية، إلا أنّ استدعاء إستراتيجية سيد قطب القائمة أصلاً على الصدام المباشر مع رأس الدولة والتغيير باستخدام العنف المسلّح باستهداف مؤسسات الدولة، هو أمر خطير، ولا يمكن الاستهانة به، ويجب التصدي له بشكل حاسم.
مفرخة إرهابية لجيل أكثر تطرفاً
ووفق فاروق، تحاول الجماعة في الوقت الراهن صناعة جيل جديد من الإرهابيين أكثر تطرفاً وعنفاً في مواجهة الدولة المصرية، لديه كراهية مسبقة للدولة المصرية، وفكره كله موظف حول صناعة الأزمات داخل الدولة المصرية واستثمارها لصالحه، فيما يُعرف بمخطط “الإنهاك”، وهو إستراتجية قديمة لدى الإخوان تعتمد على أفكار سيد قطب كمرجعية أساسية.
ويرى فاروق أنّ هذه المجموعة تعمل في الوقت الراهن على تحريك المياه الراكدة داخل الجماعة واستفزاز عناصر التنظيم في الداخل والخارج ووضع مخططات عدائية تستهدف كيفية السيطرة على الدولة وإعادة بناء دولة الخلافة، كما يعتقدون، كما تحاول الخروج بالجماعة من نفق الصراع الدائر من الجبهتين، ولكنّه لا يستبعد أن تكون هناك تفاهمات بينها وبين جبهة القائم بأعمال المرشد والمقيم بلندن إبراهيم منير.
ويقول فاروق: إنّ عودة الحديث عن منهج سيد قطب يدحض تماماً أيّ ادعاءات للجماعة عن المراجعات الفكرية التي زعمت الجماعة إجراءها في الفترة الماضية.
وبحسب الباحث في الإسلام السياسي، هذه المجموعة قريبة جداً من الجبهة السلفية القائمة على فكر سيد قطب الذي يؤصل لاستخدام العنف كوسيلة للتغيير والوصول إلى الحكم، والتي عندما تشكّلت كانت أقرب إلى تنظيم مسلّح منه إلى تنظيم فكري.
ويشير فاروق إلى عدم تخلّي الجماعة عن منهج قطب في العنف، حتى إبّان حكمها في مصر لم تكن معترفة بالآخر، وكان هناك تكفير وتجهيل واستحواذ على السلطة، وصل بالجماعة إلى السقوط المدوّي لها، ومن ثم اتباع منهج العنف المسلّح للعودة إلى الحكم.
المصدر حفريات