عبدالستار سيف الشميري
تم ترميم اتفاق الرياض وسد فجوة الخلاف عبر توزيع المهام بديلا للتوافق غير الممكن وغير المنجز وعودة الرئاسي إلى عدن كي يخوض جولة ثانية من العمل.
تقول المصادر:
إن التوزيع تم على النحو الآتي:-
الجيش وإعادة لحمته أوكلت للمحرمي..
والأمن للرئيس العليمي مع الخارجية..
والجنوب تحت إشراف عيدروس بالإضافة إلى الملف الاقتصادي بالتنسيق مع الحكومة ومجموعة خبراء التحالف.
وتعز كاملة والساحل أوكلت لطارق صالح ومأرب وباقي الشمال لمجلي والعرادة.
وأعطي الإشراف على الوزارات الخدمية للبحسني والعليمي الصغير.
جاء ذلك بعد فترة جمود وتشتت في اتخاذ القرار وتضارب مصالح جعلت دواليب الرئاسي تتوقف مما احتاج إلى جلسات مطولة مع الشركاء في التحالف تضمنت الحديث عن ذلك وعن الوديعة والملف الاقتصادي والدعم العسكري.
في الأشهر الماضية كانت الأمور تسير على نحو معركة شد الحبل التي أشرنا إليها في مقال منذ أسبوعين وكانت تفاصيلها كالتالي:
أولا..
عيدروس الزبيدي كان الحاضر الأكبر في العمل التنفيذي ومتابعة شؤون الدولة لكنه غرق في تفاصيل الملف الاقتصادي ولم يجد صدى لصوته وتوجيهاته حتى اللحظة، لكنه حقق إنجازا في شبوة وأبين وراكم لقضيته الجنوبية وحاضنته الشعبية الكثير.
صحيح أنه لا يمتلك تراكم خبرات إدارية لكنه قائد خرج من صلب المعاناة وقلب القضية، رصيده الشعبي في الجنوب يتزايد ويعطيه غفرانا لكثير من قصوره في المهارات الفنية والإدارية والسياسية والخطابية ويحسب له أنه يعمل مع مجلسه الانتقالي بتناغم ويقال إنه متخفف من الفساد.
كل ذلك يعطيه مساحة في الحركة ربما أكثر من رئيس المجلس ويعطيه قدرة في فتح دواليب الشرعية المغلقة وقيل إنه نادرا ما يعود إلى التوافق فيما يتخذه من توجبهات.
ثانيا..
الرئيس رشاد العليمي بخبرته الأمنية والسياسية ومعرفته بالواقع وبرجماتيتة، حاول تقديم ترضيات للانتقالي صاحب الأرض والمضيف له وللحكومة، متكأ على علاقته الجيدة بالطرف الآخر حزب الإصلاح التي تحسنت خلال سنوات الحرب وهو بذلك لا يحتاج في هذه اللحظة الاقتراب من الإصلاح والعمل معه وإعطائهم المزيد من التوغل داخل الشرعية لخطورة هكذا اتجاه.
وهو تكتيك مرحلي غالبا ويبدو أنه وقع مبكرا في فخ لعبة شد الحبل ووجدها تأخذه في أكثر من اتجاه ففضل الهروب إلى الأمام بل الهروب من عدن من خلال فضاء السفر والزيارات الرسمية وغير الرسمية التي أصبح عددها كبيرا قياسا بالفترة الزمنية القصيرة للمجلس.
لكن ربما أن الرجل يجد نفسه في هذا الفضاء الخارجي الرحب المليء بالمتعة والإثارة والدهشة، وهو قطعا أجمل من ضيق المعاشيق، لا سيما والرئيس مجرد من أي كيان عسكري أو سياسي يستند عليه وتبدو مهمته صعبة لا سيما وهو لا يحسن كثيرا العمل مع فريق أو فرق مختلفة.
وهذا غالبا أحد عيوب القيادات الأمنية في كل مكان عكس القيادات السياسية المحترفة.
ورغم أنه يجيد لعب التوازنات ويعي تفاصيل سيكولوجية المكونات اليمنية جيدا ويفهم تشعباتها وهو ما يذهب به أن يكون قريبا من الأقوى كما أنه لا يجيد اختراع البدائل المتعددة لكل قضية وهي مهارة المرحوم عبدالقادر هلال.
ويمكن أن يعوضها وجود يحيى الشعيبي بحوار العليمي بشكل نسبي.
كما أن مراجعته التحالف في كل إشكالية صغيرة وكبيرة وكثرة الأسفار إليهم سيجعل الأمر مرهقا بالنسبة لهم وهم يحبذون من ينجز التفاصيل دون إزعاج، لكنه أخيرا ذهب إلى قيادة المملكة كي تضغط لإفساح مجال أوسع له كرئيس وتقليص مبدأ التوافقية الذي لم ينتج شيئا ملموسا وحاجة المرحلة إلى رأس واحد يمكنه اتخاذ قرار وتحمل مسؤولياته أمام الأعضاء والشعب وهو وما كان خلال اللقاء على وجه الاستحسان وليس الإلزام وهذا الأمر قاد إلى نظرية توزيع المهام.
ثالثا..
العرادة. السلطان والأمير..
في الضفة الشرقية كان العرادة يمارس سلطاته وسلطانه وزيادة في ما تبقى له من مارب الذي قضم الحوثيون نصفها وأكثر، ويؤسس هناك لوقائع على الأرض تسند بقاءه لسنوات مديدة.
ويبدو كأنه أمير متوج في إمارة عامرة بالمال والسلاح والرجال والحزب والقبيلة هو سلطانها الأوحد.
سلطان العرادة هو النسخة المطورة من علي محسن بزيادة مرونة ونسج علاقات متباينه مع الجميع ابتداء ب”الإخوان” الذين هو يدهم الصلبة في الشرعية حاليا وهو يحسن ضبط إيقاع علاقته بهم وبالتحالف بصورة متزنة.
حيث يحتفظ بعلاقة جيدة مع الإمارات وعلاقة مقبولة مع السعودية ويمد جسور منذ سنة مع سلطنة عمان.
وقيل إنه يكلف بعض وجهاء القبائل بنسج اتفاقيات محلية مع الحوثي وإبقاء كل الاحتمالات والخيارات هناك مفتوحة.
كما أنه لا يجاهر بخصومة الانتقالي وإن كانت قواته استخدمت أكثر من مرة لمواجهتهم، ويعطي طارق والمؤتمر وأطرافا أخرى جميل القول.
وربما أن طموحه للبقاء ولعب دور أكبر يجعله في هذا المسلك، ومما يعيبه عليه البعض الثراء الفاحش الذي اكتسبه ومن حوله من الحرب لكنه بشهادة خصومه أفضل القيادات الإخوانية وله إيجابيات يصعب تجاهلها.
ويمكن القول إنه لا زال من أفضل الخيارات لمأرب لا سيما إذا خفف من الفساد وخفف قليلا من توغل الإصلاح في مأرب الذي تتشكل جبهة لمناوءته هناك وإن كانت بطيئة.. وحسن أداء المواجهة مع الحوثي واستعادة شيء مما فقد في السنتين الأخيرة.
رابعا..
طارق صالح..
لا شك أن المخا تحديدا وبعض ضفاف الساحل تخطو بعد تعثر طويل، اتجه طارق من لحظة هجرته إلى المخا إلى التنمية في جغرافية المخا وما حولها وهي خطوة اكسبته الحاضنة التي هو من خارجها ويحاول جاهدا شفط مخزون الكراهية التي سوقها الإخوان عنه خلال ثلاث سنوات أو أكثر.
ولعله نجح مؤخرا في هذا الاتجاه التنموي الذي توج بمشروع المطار وسبقته مشاريع أخرى، عملت على توسيع قاعدته الشعبية.
يرى البعض أن طارق يعمل في جغرافيا ليست حاضنته لكنه صنعها على حد قول إخواننا المصريين “بذراعه” ويأتي القبول الشعبي الذي حازه مؤخرا من مصدرين:-
الأول..
قبح الإصلاح وممارسته في تعز المدينة والحجرية، وهو الرافد الأول الأهم، حيث يجد الناس فيه سبيلا للخلاص لا سيما بعد غياب القائد عدنان الحمادي الذي كان مظلة الجميع.
الثاني…
الاجتهاد والعمل التنموي في المخا وفي مناطق حرمت من أبسط مقومات الحياة.
ويمكن القول إن المخا تشهد ازدهارا مقارنة بما كانت عليه منذ عقود..
ولا يجب أن ننسى أن هناك رافدا ثالثا لطارق وهو نصف أعضاء المؤتمر على الأقل في تعز رغم تشتت المؤتمر بين الجماعات إلا أنه يجد في بعضهم رافدا شعبيا مضافا..
خامسا..
المحرمي..
السلفيون كانوا دائما في الظل يجنحون تحت لواء الإخوان أحيانا وأحيانا تحت جناح السلطة وقاعدة “طاعة ولي الأمر” وأحيانا تحت أجنحة أخرى.
قذفت بهم الحرب إلى الواجهة وكانوا أفضل الجميع في المهام العسكرية ولم يتسابقوا كما فعل الآخرون لاقتطاع نصيبهم من الكعكة.
أدرك التحالف ذلك فمد يده لهم بسخاء ولهم ثلاث فصائل تتباين قليلا في الرؤى لا مجال للإسهاب هنا في تفاصيلها لكن ألوية العمالقة بقيادة المحرمي أهمها وأكثرها صلابة وكان لها القول الفصل في معارك عديدة أهمها تحرير شبوة سابقا وأحداث شبوة مؤخرا وليست أبين عن ذلك ببعيد.
والمحرمي ليس سياسيا وغالبا لا يصلح السلفيون للسياسة، لكنه مستفرغ وقته وجهده في العمل العسكري الذي لا يحسن غيره وهو باب من الأهمية بمكان في هذه اللحظة ولا تزال هناك أدوار بالغة الأهمية لهذه القوات ستكشفها الشهور والسنوات القادمة.
سادسا:
الثلاثة الكوكباني..
يمكن اختزال المجلس واقعا في الأعضاء الخمسة السابق تسميتهم أما الأعضاء الثلاثة وهم البحسني ومجلي و”العليمي الصغير” فلا وزن لهم ولا طعم ولا ريحة وغالبا هم منشغلون بتعقب المكاسب الشخصية لهم ولبعض المقربين، لقد كان وجودهم صدفة غير موفقة فلا قوات لهم ولا جمهور ولا تاريخ ولا خبرة إدارية أو سياسية تشفع لهم هذا الموقع أو تؤهلهم لحمل ملفات هامة يعملون عليها فينجزون.
ويبدو أن وجودهم كان أحد أخطاء هذه التوليفة.
ومن نافلة القول إن هادي ومحسن والإخوان هم من قذف بهم إلى قلب المشهد والمجلس الرئاسي لأداء مهمة واحدة هي شد الحبل والقيام بمهمة الثلث المعطل.
ختاما:
خارطة الطريق الجديدة قد تعطي نفسا جديدا للأعضاء في العمل وفق آلية جديدة يتحمل كل عضو مسؤوليته في قطاعه أو ملفه، لكنها ليست الحل النهائي لا سيما وأمام المجلس مهام عسكرية قادمة وانفاذ قرارات الجوف وحماية مارب وتغيرات في قيادات تعز.
كما أن حضرموت على صفيح ساخن مثلها مثل المهرة.
ولكن هذه الآلية هي فن الممكن حاليا حتى حين أو حتى تتفتق رؤية جديدة لمراجعة وإعادة هيكلة المجلس بشكل آخر وهو أمر متوقع وقد يكون في قادم السنوات..
والأيام قد تفصح عن ذلك وغدا لناظره قريب.
نقلاً عن نيوزيمن