حسن خليل
صحفي مصري
بعد خروجه المدوّي من السلطة، فشل حزب العدالة والتنمية (المصباح)، الذراع السياسيّة للإخوان في المغرب، في تقديم نفسه كحزب معارض يمتلك أدوات المعارضة الحقيقية، وأبرزها التأثير الفاعل في الشارع. ومن ثمّ، يحاول الحزب الإخواني استغلال تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؛ لإحباط مساعي حكومة أخنوش في إجراء الإصلاحات الاقتصادية، عن طريق التحريض وتفجير الأزمات بشكل متتابع.
كانت نقابة الاتحاد الوطني للشغل، التابعة للبجيدي قد حاولت تحريض نقابات قطاع النقل الطرقي، من أجل الإضراب والتظاهر، في مسعى يهدف “العدالة والتنمية” من ورائه إلى قطع الطريق أمام جلسات الحوار بين الحكومة والنقابات.
التحريض على التظاهر والإضراب
النائب الأول للأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، محمد زويتن، وصف الحوار بين الحكومة والنقابات بـ”الصوري”، زاعماً أنّ الحكومة والنقابات كلاهما يخدع الشعب، في حوار لن يجدي نفعاً، بحسب قوله، كما وصف اتفاق 30 نيسان (أبريل) بـ”المهزلة”، مدعياً أنّ الحكومة لا تراعي مصالح الشغيلة، قائلاً: “نحن نعرف أنّ هذه الحكومة تحاول أن تمتص الغضب، وتحاول ربح الوقت فلا شيء في جعبتها ستقوم به”.
القيادي الإخواني حرّض على الخروج للاحتجاج والإضراب يوم الأحد 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وقال إنّ نقابته سوف تنظم وقفة احتجاجية أمام البرلمان؛ بسبب استمرار ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية والمواد الغذائية الأساسيّة. وأضاف: “الحكومة أمام هذه الظروف غير المسقرة، تقف كالمتفرج ولم تتخذ أيّ إجراء لمواجهة هذا الغلاء الفاحش، حيث الأجور جامدة والمداخيل أيضاً جامدة مع استفحال الغلاء”.
زويتن وصف الوقفة المرتقبة بــ “الإنذارية”؛ بسبب عدم وفاء الحكومة بما قطعته على نفسها من زيادة في الأجور، وتشغيل الشباب، وتخصيص منحة للمسنين، واعتبر أنّ “المقاربة التي تعتمدها الحكومة، مقاربة إقصائية تغولية واستئصالية، وكأنّها تريد أن تسير البلاد لوحدها”. بحسب مزاعمه. وأضاف: “هذه الحكومة تحاول فقط الركوب على إنجازات الآخرين، وإظهارها كأنّها من قامت بها”.
تجاهل إرث الإخوان
وفي سياق التحريض الإخواني على الوقفة الاحتجاجية، طالب أنس الدحموني، عضو المكتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للشغل، الشغيلة باتخاذ موقف عملي معبر عن رفض الأوضاع الحالية؛ بسبب ما وصفه بــ “سياسيات الحكومة وقراراتها السلبية”. وأضاف: “الفرصة لدى الجميع يوم الأحد 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري أمام البرلمان بالرباط؛ للدفاع عن حقوقهم المهدورة، والتعبير الميداني بأنّ لا بديل عن التنظيمات الجادة؛ لحماية الدولة والاقتصاد الوطني من لوبيات الجشع، والتفاهمات غير الشريفة؛ لتجاوز آليات التنافس الشريف بالسوق”.
الدحموني تجاهل تماماً إرث حزبه الذي حكم لعشرية كاملة، واستخدم خطاباً تحريضياً، واصفاً وقفة الأحد التي يرتقبها الإخوان بالفرصة الأخيرة للمقاومة، وتفعيل ما أسماه شرعية النضال، وقال إنّ الدولة المغربية لا تصون كرامة الموظف والمستخدم والأجير، وتعمل على ترسيخ أنظمة السخرة والاستغلال. وحذر في لهجة تصعيديّة مما وصفه بالغضب الهادر الذي قد تفجره “فئات جماهيرية شعبية وفئوية لا تعرف معنى التفاوض، ولا ترضى بالإنتظار، وبدون سقف محدد”.
تناقضات الإخوان
من جهته، هاجم إدريس الأزمي الإدريسي، القيادي الإخواني، والوزير المنتدب السابق المكلف بالميزانية، الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، ووصفها بأنّها غير مبررة، على الرغم من أنّ حكومة “العدالة والتنمية”، برئاسة سعد الدين العثماني، رفعت أسعار المحروقات أكثر من مرة، إلى الحد الذي فشلت معه في آذار (مارس) 2019، في وضع حد للارتفاع، بعد أن سمحت لشركات توزيع الوقود في المغرب، برفع أسعار المحروقات للمرة الثالثة خلال شهر واحد.
الأزمي ارتكب في تصريحاته عدة مغالطات فجة، زاعماً أنّه “لا يمكن بأي حال تفسيرها بقرار مجموعة أوبك بتخفيض حجم إنتاج النفط”، وهو أمر غير صحيح حيث إنّ قرار أوبك أثر على أسعار الوقود في معظم الدول، خاصّة غير المنتجة للبترول، بل ودفع الولايات المتحدة إلى الاستعانة بالاحتياطي الاستراتيجي، كما غالط الوزير السابق نفسه أيضاً مدعياً أنّ أسعار النفط عادت إلى مستواها السابق بعد أن ارتفعت عقب قرار أوبك، الذي نفى قبلاً أنّ القرار كان له تأثير عليها.
الدكتورة تورينام بو فاطمة، الباحثة المغربية في العلوم السياسية، خصّت “حفريات” بتصريحات قالت فيها إنّ ما يقوم به “المصباح”، مجرد محاولات يائسة بعد أن خسر الحزب كلّ شيء، ولم يعد أمامه إلّا التحريض، فحكومة أخنوش قدرها أن تحمل إرث الإخوان الثقيل، وتمضي وحدها من أجل الخلاص، ولفتت إلى أنّ النقابات ماضية في جهودها وحوارها الوطني مع الحكومة، غير آبهة بما تفعله نقابة الاتحاد الوطني للشغل، التي خسرت قبيل الانتخابات البرلمانية معظم مقاعدها في الانتخابات البرلمانية، وجاءت في ذيل القائمة.
الباحثة المغربية فندت تصريحات إدريس الأزمي الأخيرة، مؤكدة أنّ الوزير السابق غالط نفسه، وغالط المنطق؛ حين ادعى أنّ قرار مجموعة أوبك الأخير، والذي يخفض مستوى إنتاج النفط، لن يؤدي إلى تزايد أسعار النفط من الناحية الاقتصادية، بسبب تراجع مستوى النمو العالمي، وهي “أقاويل باطلة، تنم عن عقلية مراوغة تعتنق الادعاء”.
تناقض آخر لفتت إليه الباحثة المغربية؛ حيث علّقت على انتقادات النائب الأول للأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، محمد زويتن، والتي وجهها للحكومة؛ لعدم قيامها بزيادة الرواتب، حيث سبق وقام الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بالهجوم على الحكومة؛ لأنّها اعتزمت إصدار قرار بزيادة الرواتب، وقال بنكيران بالحرف الواحد، إنّ مصلحة الدولة، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، تقتضي عدم زيادة الرواتب، مطالباً الحكومة بالادخار، كما تفعل الأسرة في أوقات الأزمات، بحسب تعبيره. فأي تناقض هذا بين تصريحات الإخوان وأفعالهم!
المصدر حفريات