كريتر نت – متابعات
تبرز وثيقة الأمن القومي الأمريكي مجموعة التحديات والمصالح الخاصة بالولايات المتحدة في العالم والشرق الأوسط، فضلاً عن تحديد الحلفاء والإستراتيجيات.
وفي ظل الصراع الدولي المحتدم بين روسيا، من جهة، والغرب والولايات المتحدة، من جهة أخرى، على خلفية الحرب في أوكرانيا، عاودت واشنطن التأكيد على أولوياتها بشأن ضرورة “التغلب على الصين وكبح جماح روسيا الخطرة”. وهي، تقريباً، نفس الأهداف القصوى التي وردت في الوثيقة ذاتها التي أعلن عنها البيت الأبيض بعد وصول الرئيس جو بايدن للحكم في غضون 45 يوماً من تنصيبه.
بوصلة بايدن للتعاطي مع أزمات العالم
وحددت الوثيقة، على نحو مباشر، أنّ روسيا في عهد فلاديمير بوتين “تشكل تهديداً مباشراً للنظام الدولي الحر والمفتوح، وتنتهك، اليوم، بشكل متهور، القوانين الأساسية للنظام الدولي، كما أظهرت حربها العدوانية الوحشية ضد أوكرانيا”.
كما أنّ الصين “في المقابل، هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي و(تملك) بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف”.
وبعد مرور نحو 21 شهراً على حكم بايدن، ذكر الأخير في مقدمة الوثيقة: “في جميع أنحاء العالم، الحاجة إلى القيادة الأمريكية كبيرة كما كانت في أي وقت مضى.
نحن في خضم منافسة إستراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي”.
وأضاف بايدن: “لن نترك مستقبلنا عرضة لأهواء أولئك الذين لا يشاركوننا رؤيتنا لعالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن. مع استمرار العالم في التغلب على الآثار المستمرة للوباء وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، لا توجد دولة في وضع أفضل للقيادة بقوة وهدف من الولايات المتحدة الأمريكية”.
وفي حين شددت الوثيقة على أنّ لدى الصين “طموحات لإنشاء مجال نفوذ معزز في المحيطين الهندي والهادئ، وأن تصبح القوة الرائدة في العالم”، وأنّ “التحدي الإستراتيجي الأكثر إلحاحاً الذي يواجه رؤيتنا هو من القوى التي تضع الحكم الاستبدادي مع سياسة خارجية رجعية”، فقد أوضحت كذلك أنّ الولايات المتحدة “لن تسمح لروسيا، أو لأيّ قوة أخرى، بتحقيق أهدافها من خلال استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها”.
في كلمة له أمام جامعة جورجتاون للحديث عن إستراتيجية الأمن القومي، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان: “انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة، والمنافسة جارية بين القوى الكبرى لتشكيل ما سيأتي، لاحقاً”.
استدارة أمريكية نحو الطبقة الوسطى
ثمّة ملاحظات تتصل بوجود روابط بين الإشارات المتكررة حول نمو اقتصاد الصين، وسيطرته على السوق العالمي، وقد تضاعف عدد المستهلكين لمنتجات بكين لنحو مليار شخص أو أكثر، واستدارة بايدن للطبقة الوسطى في واشنطن؛ إذ إنّ هناك وعوداً جمّة باستثمارات تصل لنحو 52 مليار دولار “لتحسين قدرة الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات”، حسبما جاء في الوثيقة، موضحة أنّ واشنطن تتحرى “التعايش السلمي” مع بكين، وإدارة المنافسة معها “بمسؤولية”.
وقال سوليفان: “نحن لا نسعى لأن تنقلب المنافسة إلى مواجهة أو حرب باردة جديدة، ولا نعتبر أيّ دولة مجرد ساحة معركة بالوكالة. لا أعتقد أنّ الحرب في أوكرانيا قد غيرت بشكل جذري مقاربة جو بايدن للسياسة الخارجية والتي تبناها قبل فترة طويلة من توليه الرئاسة”.
وتابع: “لكنني أعتقد أنّها توضح العناصر الأساسية لمقاربتنا؛ التركيز على الحلفاء وأهمية تقوية العالم الديموقراطي والدفاع عن الديموقراطيات الصديقة والقيم الديموقراطية”.
إذاً، يبدو من الواضح أنّ البيت الابيض ومؤسسة الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكيه، قد أردكت خطورة المشهد الدولي مع صعود “المارد الصيني” في السنوات القليلة الماضية، حسبما يوضح المحلل السياسي الأمريكي والباحث في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية، مايكل مورغان، موضحاً لـ”حفريات” أنّ هذا المشهد المعقد يؤشر إلى ضرورة “إعادة توازنات القوى في العالم، وقد أدركت الإدارة الأمريكية خطورة القوة الصينية. وبالرغم من نقد الحزب الديمقراطي المتكرر لسياسة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في التعامل مع الصين، وتحديداً ما يتصل بالتهديدات الدائمة، إلا أنّ جو بايدن قام بالإعلان في خطابه عن خططه الإستراتيجية الجديدة تجاه الصين باعتبارها الخطر الحقيقي على الولايات المتحدة”.
وبخلاف خطاب دونالد ترامب السياسي، والذي كان يردد أنّ “أمريكا أولاً”، فإنّ بايدن شدد على أنّه سيتعامل مع الصين في إطار التحالف و”الشراكات الإستراتيجية” مع الدول الحليفة. يقول مورغان.
الشرق الأوسط في وثيقة الأمن القومي الأمريكي
كما أعلن بايدن على أهمية التعامل مع موسكو، حيث إنّها “قوة الدعم” المتبادلة مع الصين، وخاصة بعد إجراء روسيا ما يسمي بـ”العملية العسكرية” داخل أوكرانيا، والاستقلال بأربعة أقاليم، هي على الحدود الروسية وضمها إلى الأراضي الروسيه في الأيام القليلة الماضية.
كما عرجت إستراتيجية بايدن للأمن القومي، والتي تعكس في جانب منها بوصلة سياسته الخارجية، على منطقة الشرق الأوسط حيث أكدت على ضرورة إيجاد “شرق أوسط أكثر اندماجاً” ويكون بمقدوره على الأمد البعيد تقليل “مطالب الموارد” من واشنطن، وإنهاء ثنائية الأمن في مقابل الطاقة، في إشارة إلى توفير الحماية للدول المنتجة للطاقة.
وإلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي، المقيم في برلين، ميار شحادة، أنّ وثيقة الأمن القومي التي كانت في السابق ترسل إلى الكونغرس كل عام، ثم تم الاتفاق على أن يقوم كل رئيس جديد للبيت الأبيض بإرسالها مرة واحدة، لم تكشف عن تفاصيل جديدة أو لافتة في ما يخص التوجهات التي سبق وتبنى أغلبها الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما وكذا دونالد ترامب، موضحاً أنّها “إعادة تكرار لسياسة الولايات المتحدة نفسها”.
التأكيد على خطورة الصين وتهديداتها للدول الديمقراطية تحديداً، ليس في مصلحة الإدارة الحالية بواشطن، وفق شحادة في حديثه لـ”حفريات”، لافتاً إلى أنّ الإدارة الديمقراطية قد “تجاهلت حديث ترامب المتشدد والراديكالي بخصوص هذه النقطة”.
أما في ما يتعلق بالشرق الأوسط، يشير المحلل السياسي المقيم في برلين، إلى أنّ التوجهات والسياسيات تقريباً لم تتغير بصورة مؤثرة، غير أنّ هناك بعض الأمور الطارئة، ومنها “الاستغناء تدريجياً عن مسألة الحماية مقابل النفط، والتي سيحل محلها الحماية مقابل الالتزام بالقوانين الدولية والتوافق مع أفكار ومبادئ الولايات المتحدة الأمريكية العامة. وبطبيعة الحال، التوافق سيكون نسبياً مع حلفاء واشنطن، وعلى رأسهم إسرائيل. كما يظهر ذلك من خلال مباركة الوثيقة لإتفاقيات إبراهام”.
ويرى المصدر ذاته أّن سبل حل القضية الفلسطينية في ظل ما تطرحه الوثيقة، هو من خلال “مبدأ حل الدولتين الذي يبدو أنّه يخرج الإدارة الحالية من دائرة التدخل المباشر، ثم الاستسلام للأمر الواقع. وذلك بالرغم من أنّ الإدارة الحالية كانت تفكر بالانخراط في هذه القضية منذ التحضير للانتخابات”.
وفي كل الأحوال، الوثيقة عمدت إلى “تفادي أيّ صدام مباشر مع دول الشرق الأوسط، لكنها تؤسس لمرحة جديدة”. يقول شحادة.
ويتابع: “العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية ستأخذ منحنى أكثر وضوحاً، خاصة مع تأكيدات البيت الأبيض انخراط إيران بشكل مباشر في أوكرانيا، وبالتالي، فإنّ هناك معادلات لم تحل حتى اللحظة. كما أنّ العلاقات مع الشرق الأوسط سيكون هدفها، في الفترة المقبلة، مواجهة الصين، ومحاولة إيقاف وتثبيط تقدمها على كافة المستويات”.
المصدر حفريات