كريتر نت – متابعات
حمل تصريح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن توقف تقديم مساعدات اقتصادية لبلاده من دول صديقة وشقيقة، إشارة واضحة إلى أنه لا مواقف مجانية من مصر في المستقبل داعمة لدول الخليج إذا توقف سيل المساعدات والمعونات التي كانت تحصل عليها في السنوات الماضية خاصة مع بداية حكمه.
وقالت أوساط سياسية مصرية إن كلام السيسي بشأن توقف المساعدات يهدف إلى تحقيق تهيئة نفسية من زوايا متعددة، فهو يهيئ المصريين للاستعداد لمرحلة جديدة قوامها أن لا أموال خليجية دون مقابل بعد الآن، وأن الخليجيين تغيروا، وأن الدعم الذي سيقدمونه سيكون في شكل استثمارات وليس معونات.
وأشار السيسي أمام المؤتمر الاقتصادي الأحد إلى أن “الأشقاء والأصدقاء تولّد لديهم انطباع أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى”، ثم أفاضت بعض وسائل الإعلام المحلية في ضرورة الاعتماد على النفس والتعامل مع الواقع دون مساعدات بعد شُحّ المنح العينية القادمة من دول الخليج.
وكشف مصدر اقتصادي لـ”العرب” أن مصر “لم تتلق دولارا واحدا من أيّ دولة خارجية على شكل مساعدات مجانية منذ بداية العام الجاري، وهذا ما يدفعها إلى ضرورة التفاهم مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بأيّ ثمن”.
◙ مصر لم تتلق دولارا واحدا من أي دولة خارجية على شكل مساعدات مجانية منذ بداية العام الجاري ما دفعها للاتجاه إلى صندوق النقد
ولم يمرّ تلميح الرئيس السيسي وما انطوى عليه من رسائل متعددة على المتابعين لشكل العلاقات بين مصر ودول الخليج، مع تغير شكل التعاون الاقتصادي وتحوله من خانة المعونات إلى الاستثمارات بصورة أساسية، وهي صيغة اتفق عليها الجانبان مؤخرا وقوامها “لا توجد منح مجانية بعد الآن”.
وبدا النظام المصري كمن يريد إخلاء مسؤوليته من أيّ خلل متزايد يمكن أن تكون قد تسببت فيه الأزمة الاقتصادية في ظل ظروف قاسية، وأن جزءا مهمّا في الأزمة يتحمّله قطع المساعدات ووقف المنح، مبعدا نفسه عن أيّ اتهام يطال الحكومة وسوء إدارتها أو عدم القدرة على تبني سياسات صحيحة تتواءم مع التطورات خلال الفترة الماضية.
وتؤكد المعادلة الراهنة بين مصر ودول الخليج أن كل طرف بدأ يدير حساباته من منظور مصالحه المباشرة أولا، وربما لا تتبنى القاهرة مواقف سياسية مجانية في المستقبل القريب ويمضي الأمر على طريقة “لكم مصالحكم ولنا مصالحنا”.
ويقول متابعون إنّ المساعدات الاقتصادية التي قدمتها بعض دول الخليج لعبت دورا مهما لجهة كبح توجه مصر نحو تطبيع العلاقات مع إيران، وبالتالي نقل حوارات تتمّ معها في السر إلى العلن، وبعد تحلل القاهرة من عقدة المعونات والمنح الخليجية لا يوجد ما يضطرها إلى مراعاة حسابات السعودية والإمارات في هذه المسألة.
وعلمت “العرب” أن العلاقة مع طهران تحكمها أيضا كوابح أمنية محلية، لأن هناك هامشا كبيرا لاستقلالية القرار المصري في بعض القضايا الإقليمية التي تتشارك فيها واشنطن أو تل أبيب أو غيرهما، حيث ترى المؤسسة الأمنية أن الانفتاح على إيران ومن ثم تطبيع العلاقات معها يمثلان خطرا فادحا، ويمكن أن يقود إلى توافد مئات الآلاف من الشيعة، وربما الملايين، على مزارات آل بيت النبي في القاهرة.
ويشير المتابعون إلى أن القاهرة لديها استعداد لفتح صفحة جديدة مع طهران، وقد تستثمر في هذه الورقة علنا لإحداث تغيير في الموقف الخليجي الذي أسهم بدور فعال في دعم الاقتصاد المصري منذ بداية حكم السيسي وحتى وقت قريب، حيث تلقت مصر ما يقرب من مئة مليار دولار في شكل مساعدات ومنح مختلفة.
وأثنى الرئيس السيسي أكثر من مرة صراحة في خطاباته على الدور الذي لعبته معونات تلقتها بلاده من دول شقيقة وصديقة، في إشارة إلى كل من السعودية والإمارات.
وقال الخبير في الشؤون الخليجية محمد السعيد إدريس إن مصر لن تفرّط في علاقاتها مع دول الخليج، مقللا من أهمية ورقة إيران، ومعتبرا أن تقديرات القاهرة نحو طهران تخضع أساسا لحسابات تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أن السعودية والإمارات لا تخفيان وجود قنوات حوار مع إيران ورغبة في إقامة علاقات على قاعدة حُسن الجوار.
وأوضح إدريس في تصريح لـ”العرب” أن طبيعة السلطة في القاهرة لا تميل إلى اتخاذ قرارات فُجْئية أو متعجلة، ونفسها طويل في هذه المواقف، وتراهن على قيام الدول الشقيقة والصديقة بإحداث تغيير في مواقفها الاقتصادية في المستقبل عندما تتيقن من أن العلاقة مع مصر إستراتيجية وتحتاج منها تضحيات.
كما أن هناك جماعات ضغط مصرية، سياسية واقتصادية وإعلامية، حريصة على استمرار العلاقة الوطيدة بين القاهرة ودول الخليج وعدم المساس بثوابتها، ومن مصلحتها عدم حدوث هزات قوية تنال منها لأيّ سبب، وهذه لديها قدرة على إبراز الأهمية الحيوية التي وصلت إليها العلاقات بين الجانبين وتدعيمها.
وعندما تردت العلاقة بين القاهرة والدوحة بسبب انحياز الأخيرة إلى جماعة الإخوان، حافظت الأولى على حد أدنى من الهدوء لحسابات عديدة، من بينها منع حدوث أذى للعمالة المصرية في قطر، وهو ما لا يقل أهمية في حالتيْ السعودية والإمارات.
هذا علاوة على أن المستثمر الخليجي بشكل عام أكثر قابلية لضخ أموال في مصر حاليا، ويفرض ذلك القبول بالمعادلة الجديدة (الاستثمار بدلا من المعونات) لأن أي ممانعة في هذه الصيغة أو أي مضايقة تؤديان إلى تصاعد كبير في حدة الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، وهي كفيلة بأن تفرمل فكرة الاختيارات السياسية الجديدة للقاهرة.