حسن خليل
صحفي مصري
لم تزل الأزمة السياسية في ليبيا مستمرة، رغم كل الجهود الدولية والإقليمية، في ظل وجود حكومتين، مع رفض الحكومة المنتهية ولايتها التفريط في الحكم؛ بل وقامت باستدعاء التدخل التركي من جديد؛ حيث وقّعت تركيا مع الحكومة المنتهية ولايتها في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اتفاقية تسمح لأنقرة بالتنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط، الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة تركية إلى الخلف، على غرار ما وقّعته من اتفاقيات مع حكومة فايز السراج من قبل، وبالطبع حظيت هذه الخطوة بمباركة الإخوان وجناحهم السياسي المتثمل في حزب العدالة والبناء، وكذا الميليشيات المسلحة التابعة.
استدعاء تركيا من أجل السلطة
الناشط الليبي محمود الكزة، خصّ “حفريات” بتصريحات علّق فيها على ما جرى، لافتاً إلى أنّ هذه الاتفاقية ليست مجرد انتهاك صارخ للقوانين البحرية الدولية فحسب، وإنّما تعد بمثابة تحرك معاكس لجهود التسوية، ومحاولة لإعادة الإخوان إلى صدارة المشهد، وتأكيد من كلا الطرفين على أنّه ليس لديهما نية أو رغبة في دعم الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة؛ لاستعادة الاستقرار في ليبيا؛ من خلال إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية؛ تؤدي إلى حكومة شرعية ومستقرة، قادرة على الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
وبحسب الكزة، فشل الدبيبة في كلا أمرين، حيث لم تُجر أيّ انتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كما أنّه كسر الالتزام الذي قطعه أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بعدم الترشح للرئاسة. في واقع الأمر، منذ تولّيه رئاسة الوزراء، لم يدخر جهداً في استغلال الأموال العامة؛ من أجل إنشاء قاعدة شعبية، من شأنها أن تدعمه في أيّ انتخابات مقبلة، ضمن مشهد سياسي شديد الانقسام في غرب ليبيا، بفعل الميليشيات والجماعات الإسلامية المتطرفة المدعومة من تركيا وجماعة الإخوان المسلمين.
ولفت الكزة إلى أنّه لم يكن لدى السراج، ولا حكومة الدبيبة، السلطة أو التفويض؛ لإبرام أيّ صفقات دولية، أو مذكرات تفاهم مع تركيا، وأنّ حكومة الدبيبة تنتهك القوانين الدولية للحفاظ على دعم تركيا العسكري، إمّا من خلال الوحدات العسكرية التركية تحت غطاء “الخبراء”، أو مرتزقة شحنتهم أنقرة من سوريا؛ للقتال إلى جانب حكومة طرابلس المدعومة من الإخوان المسلمين. وعليه، كانت كانت الدبيبة واضحة، بأنّه سيستمر في تعميق الانقسامات بين الليبيين، والبقاء في المنصب إلى أجل غير مسمّى، لكن من الواضح أنّ الدعم العسكري الذي قدمته تركيا لحكومة الدبيبة لم يكن مجانياً.
الغرض من فكرة طرح حكومة جديدة
وقبيل ساعات من جلسة مجلس الأمن الدولي، حول الأوضاع في ليبيا، أكدت تقارير محلية أنّ بعض الشخصيات الإخوانية، تدعم فكرة تشكيل حكومة جديدة، بعد الانقسام الحالي بين ذراعي الإخوان؛ حيث يؤيد حزب العدالة والبناء حكومة الدبيبة، في حين يدعم الحزب الديموقراطي حكومة باشاغا.
مراقبون حذروا من خطورة تشكيل حكومة ليبية ثالثة؛ لأنّها قد تكون بوابة عبور الإخوان إلى صدارة المشهد من جديد، وسط أنباء تؤكد أنّ أنقرة قد تدعم بدورها هذا الاتجاه، في حال سقوط حكومة الدبيبة، الذي أصبح رجل تركيا المخلص في ليبيا.
بدوره، قال علي التكبالي، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الليبي، إنّ جماعة الإخوان تسعى تجاه “تعميق الانقسام في ليبيا؛ بطرح فكرة إقامة حكومة جديدة، من شخصيات تثار حولها علامات استفهام واسعة، بشأن علاقاتها الخارجية المشبوهة، الموجهة لإعادة إسقاط البلاد في فخ الفوضى والاضطرابات”. مضيفاً في تصريحات صحفية، نقلتها وسائل إعلام محلية، أنّه “لا قيمة حقيقة، أو تأثير لتشكيل حكومة جديدة، في ظل تكليف البرلمان لحكومة منذ أشهر برئاسة فتحي باشاغا”. وشدّد على أنّ الحكومة المكلفة هي الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها، بينما لا توجد أيّ صفة قانونية لحكومة الدبيبة. وتابع: “علمنا في البرلمان بتفاصيل مخطط تعده جماعة الإخوان، يتضمن تسهيل مهمة التدخلات الأجنبية في شؤون ليبيا، وحوت التقارير الأمنية والمخابراتية التي تلقاها المجلس، معلومات خطيرة تمس الأمن القومي”.
وفي سياق متصل، قال المحلل والباحث السياسي الليبي، عبد المطلب ساسي، في تصريحات لصحيفة “العين”، إنّ جماعة الإخوان تقف بالمرصاد أمام أيّ محاولة لدفع المسار السياسي إلى الأمام، وأضاف: “في أوقات سابقة وسنوات ماضية، جرى الإعلان عن اتفاقات لم تنفذ، لا ضمن مدتها ولا بعدها، والسبب معوقات أولها جماعة الإخوان، التي ستحاول تعطيل عجلة الحل، في حال أحست بأنّه قد يخرجها من معادلة الحكم”.
وتابع “آخر تلك الاتفاقات على سبيل المثال، اتفاق المجلسين على تشكيل حكومة، وبالفعل شكل مجلس النواب حكومة فتحي باشاغا، إلّا أنّ رئيس مجلس الدولة نفسه انسحب من ذلك التوافق، وأعلن رفضه لحكومة باشاغا”.
وعبر هذه الخبرة السياسيّة، يرى الخبير الإستراتيجي الليبي، أنّ “جماعة الإخوان في مجلس الدولة وخارجه، لها اليد في تخريب أيّ اتفاق؛ يهدف لحل الأزمة الليبية، إن رأى أنّ نتائجه لن تكون في صالحه”. وضرب مثالاً بما جرى قبل خمسة أشهر، خلال الجولات الثلاثة من مباحثات لجنة المسار الدستوري التي أقيمت في القاهرة، حيث “تعثرت تلك المباحثات في إخراج قاعدة دستورية، رغم انتظار الليبيين لأشهر، وتعليقهم الآمال على مخرجات لجنة المسار الدستوري، والسبب كان تنظيم الإخوان”.
المصدر حفريات