كريتر نت – متابعات
قالت أوساط سياسية خليجية إن إعلان السعودية عن الترتيب لعقد ثلاث قمم على هامش زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض هو رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة مفادها أن السعودية، التي رتبت ثلاث قمم للرئيس جو بايدن خلال زيارته إلى المملكة ومكنته من مخاطبة قادة المنطقة ومهّدت له فرصة إنشاء علاقات وطيدة في الشرق الأوسط، ستحتفي بالرئيس الصيني وتوفر له الفرصة نفسها ما دامت واشنطن غير جادّة في تطوير علاقاتها مع الدول الخليجية والعربية.
واعتبرت هذه الأوساط أن الرسالة واضحة، وهي أن السعودية ستحتفي بمن يقدّر دورها ويتعامل معها كشريك وليس من يلجأ إلى الحملات للضغط عليها بمناسبة ودون مناسبة.
وأشارت الأوساط ذاتها إلى أن الاحتفاء بالرئيس الصيني يظهر مدى قدرة السعودية على المناورة وامتلاك البدائل في مواجهة الضغوط الأميركية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يؤكد للأميركيين أن خيار تنويع الشركاء الاقتصاديين والعسكريين ليس مجرد شعار، وإنما هو إستراتيجية سعودية مستقبلية سيجري بوساطتها التعامل مع الجميع.
وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أنه من المتوقع أن يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى السعودية، بعد أيام من فوزه بولاية ثالثة في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني
الأزمة بين واشنطن والرياض على خلفية قرار أوبك+ تخفيض الإنتاج شجعت السعوديين على تسريع التقارب مع بكين
وقال الأمير فيصل بن فرحان في تصريحات بثتها قناة “الإخبارية” السعودية الخميس، خلال اجتماع لجنة الشؤون السياسية والخارجية المنبثقة عن اللجنة الصينية – السعودية المشتركة، إن “اجتماعنا (…) يأتي في توقيت مهم حيث يسبق الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني إلى المملكة وقبل انعقاد القمة السعودية – الصينية، والقمة الخليجية – الصينية، والقمة العربية – الصينية”.
وأضاف الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده “تعمل على إنهاء كافة الترتيبات لها من أجل نجاحها وتحقيق التطلعات المرجوة منها”.
ويرى مراقبون أن الأزمة الأخيرة بين واشنطن والرياض على خلفية قرار تحالف أوبك+ تخفيض إنتاج النفط قد شجعت السعوديين على تسريع التقارب مع بكين ومع عواصم أخرى من بينها موسكو، خاصة أن إدارة بايدن أظهرت أن نظرة الأميركيين إلى المملكة هي نفسها، وأن لا مؤشر في الأفق على تغيير أميركي تجاه السعودية والانتقال بالعلاقة إلى مرحلة الشراكة الندية التي تتيح لكل بلد التصرف وفق مصالحه.
وتوقع المراقبون أن تخرج القيادة السعودية عن تحفظها، وأن تلجأ إلى تسريع خطوات التقارب مع الصين وروسيا والهند وغيرها من الدول من خلال اتفاقيات بعيدة المدى، خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية، بعد اليأس من إمكانية أن تغيّر واشنطن رؤيتها لمصالحها مع الرياض وبقية العواصم الخليجية.
وفي أبريل الماضي وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين بأنها شريك إستراتيجي شامل ومهم بالنسبة إلى المملكة، وأنها “تولي أهمية كبيرة لوضع الصين وتطوير علاقاتها معها، وملتزمة بشدة بمبدأ صين واحدة”، في خطوة تظهر دعما سعوديا رمزيا لبكين في خلافها مع واشنطن بشأن تايوان.
وأضاف، وفق ما نقلته وكالة شينخوا الصينية، أن السعودية مستعدة للعمل مع الصين لتعزيز التبادلات رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات لتضافر رؤية السعودية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق، وتعميق التعاون في مجالات، من بينها الاقتصاد والتجارة والنقل والبنية الأساسية والطاقة.
ورحبت بكين بمساعي الرياض للّحاق بركب الدول المنضوية تحت لواء مجموعة “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتسعى لمقارعة تكتلات كبرى مثل مجموعتَيْ السبع (7 – G) والعشرين (G – 20).
ودعّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره عضوية المملكة في “بريكس”، وأشاد بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقال إنه “زعيم شاب حازم يستحق الاحترام” وبجل التعامل معه باحترام، وذلك في رسالة دعم له ضد الحملة الأميركية.
ويعتقد المراقبون أنه إذا لم تبادر واشنطن إلى التهدئة في المستقبل القريب، فإن القيادة السعودية قد تتخذ قرارات فعلية لتأكيد شراكتها مع خصوم الولايات المتحدة، وفي مجالات حيوية ستنتهي بخسارة الشركات الأميركية للأولوية التي كانت تحصل عليها، ليس فقط في مجال النفط وإنما أيضا في مجال السلاح، خاصة أن السعوديين يأخذون على محمل الجد تهديدات واشنطن بسحب منظومات الدفاع من الخليج، وأنهم لا ينظرون إلى ذلك على أساس أنه مجرد ورقة ضغط.
من المتوقع أن تخرج القيادة السعودية عن تحفظها، وأن تلجأ إلى تسريع خطوات التقارب مع الصين وروسيا وغيرها من الدول
وفي يوليو الماضي أعلن وزير الخارجية السعودي أن بلاده ستشتري أفضل الأسلحة المتاحة في العالم وفق ما تراه الأنسب لها، وأنها ستنوع مصادر تسلّحها، بما يشمل الصين، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة بايدن إلى المملكة إثر تولّيه السلطة.
وقال الأمير فيصل بن فرحان في لقاء صُحفي مع قناة “سي أن أن” الأميركية ردا على سؤال حول إمكانية شراء المملكة لأنظمة دفاعية صاروخية صينية “سنشتري أفضل الأسلحة وسنستثمر في أحدث التكنولوجيات مع من نراه الأنسب لنا، سواء الصين أو الولايات المتحدة أو غيرهما من الدول، ولن نحصر أنفسنا مع مورد واحد فقط”.
وليس لجوء السعودية إلى الصين أمرا طارئا، فمنذ أواخر الثمانينات اشترت السعودية من الصين 50 صاروخا من طراز “رياح الشرق”. وفي عام 2014 أضافت السعودية إلى ترسانتها الصاروخية صواريخ صينية متوسطة المدى من طراز “DF – 21s”، ما عزز ثقتها في الشراكة مع الصين.
وآنذاك اعتبر الرئيس الصيني أن علاقات بلاده مع السعودية علاقات إستراتيجية شاملة، واصفا بكين والرياض بالشريكين الإستراتيجيين، اللذين يقيمان تعاونا مهمّا في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال العسكري.
وكانت تقارير صُحفية تحدثت عام 2019 عن أن السعودية تعمل على تصنيع صواريخها البالستية بمساعدة الصين.
ويضع التوجه السعودي الجدي نحو الصين الرئيس الأميركي في ورطة، خاصة أنه سبق أن تعهد خلال جولته الشرق أوسطية بأن بلاده لن تترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران.