رشا عمار
صحفية مصرية
يأتي تنامي الظاهرة الإرهابية وتحول نقاط تمركز الجماعات المتطرفة كأحد أهم التداعيات المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، إذ يدفع العديد من العوامل المرتبطة بالحرب إلى زيادة قدرة التنظيمات الإرهابية على شغل مساحات أكبر، وتحقيق نفوذ وتمركز في مناطق جديدة، أو تعزيز نفوذها داخل محيطها التقليدي، باستغلال حالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية، وتتوالى التحذيرات من استخدام تلك التنظيمات لتصفية المعارك بين دول المعسكر الغربي وروسيا، ممّا يعزز فرضية تنامي الإرهاب أو ظهور تنظيمات جديدة، تعمل على تحقيق أهداف الدول عن طريق “الحرب بالوكالة”.
وقد صدرت دراسة حديثة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بعنوان “الحرب الروسية -الأوكرانية وتداعياتها على ظاهرة الإرهاب في العالم” للباحث في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي.
وتناولت الدراسة التأثيرات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية على ظاهرة الإرهاب في العالم، وذلك انطلاقاً من بعض الفرضيات الرئيسية، وعلى رأسها وجود علاقة بين الحروب بشكل عام وظاهرة الإرهاب بشكل خاص، ورأى الباحث أنّ “اتخاذ ظاهرة الإرهاب في العقود الماضية، وبالتحديد منذ حرب أفغانستان وما صاحبها بعد ذلك من تشكيل تنظيم القاعدة، مروراً بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، لطابع “معولم” زاد من حجم الارتباط بين الظاهرة وكافة الأحداث العالمية المهمة، بما في ذلك حرب روسيا وأوكرانيا، هذا فضلاً عن أنّ العديد من الأدبيات السياسية ذهبت إلى أنّ الفاعلين المسلحين، خصوصاً “الفاعلين الهوياتيين”، باتوا اليوم الفاعل الرئيسي المحدد لمسار العديد من التفاعلات في العالم”.
كيف تستفيد التنظيمات الإرهابية من الأزمة الأوكرانية؟
بحسب الدراسة، تخلق الحروب، سواء التقليدية أو الأهلية أو الهجين، حالة من عدم الاستقرار والفوضى الأمنية، ويستفيد من هذه الحالة بشكل رئيسي الجماعات التي تنازع الدول في شرعيتها، وتوظف العنف من أجل تحقيق رؤاها، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من تطورات “بدأ العديد من الدوائر الأمنية في طرح تساؤلات تحاول الوقوف على ارتدادات الحرب الأوكرانية المحتملة على ظاهرة الإرهاب في العالم، وكيف ستؤثر هذه الحرب في نشاط جماعات العنف، ومحددات تعاطي هذه الجماعات مع الحرب، وكيف ستسعى إلى توظيفها”.
في محاولتها للوقوف على الارتدادات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية على ظاهرة الإرهاب المعولم، انطلقت الدراسة من رصد بعض المؤشرات والتحركات التي صاحبت انطلاق الحرب في 24 شباط (فبراير) الماضي، وهي التحركات التي ربما تفتح الباب لاستثمار تنظيمات التطرف والإرهاب للحرب بما يخدم مشروعاتها الراديكالية.
وكان من أبرز هذه المؤشرات، بحسب الدراسة، هو ما عُرف بـ “ظاهرة المقاتلين الأجانب”، حيث توسعت الدولتان (روسيا وأوكرانيا) في توظيف المتطوعين والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، حتى أنّ تقارير تحدثت عن توظيف عناصر منتمية لتنظيمات إرهابية في إطار الحرب، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام العديد من التحديات، خصوصاً أنّ العالم سيواجه بهذا الشكل أزمة “عائدين” جدد، كذلك كان تعاطي التنظيمات المتطرفة والإرهابية مع الحرب أحد المؤشرات الرئيسية التي عبّرت عن احتمالية تحول الحرب إلى نقطة انطلاق لموجة إرهاب جديدة، هذا فضلاً عن توسع الدولتين في عمليات تسليح المدنيين وتجنيد المساجين بمختلف أنواعهم، بما ينطوي عليه هذا التوجه من تهديدات أمنية كبيرة.
أزمة العائدين الجدد… محطة جديدة للإرهاب العالمي
وتناول المستوى الثاني من الدراسة الانعكاسات المحتملة للحرب على ظاهرة الإرهاب، من خلال رصد بعض ارتدادات الحرب الرئيسية، وكان على رأس الارتدادات المحتملة للحرب في أوكرانيا أنّ العالم سيواجه أزمة “عائدين” جدد، خصوصاً في ضوء الانخراط الكبير للمقاتلين الأجانب والمتطوعين والمرتزقة في الحرب، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الجهة المقبلة لهؤلاء في مرحلة ما بعد الحرب، وحجم التهديد الذي يمثله هؤلاء، كذلك ستؤثر الحرب على جهود مكافحة الإرهاب، وذلك في ضوء انشغال القوى الدولية الرئيسية بالحرب وتداعياتها، الأمر الذي جاء على حساب ملفات دولية مهمة كالإرهاب.
ووفق الباحث، “كان الارتداد الأهمّ للحرب حتى الآن ذا طابع اقتصادي، وذلك في ضوء الأزمات الكبيرة التي يعيشها الاقتصاد العالمي بفعل الحرب، ممّا يعزز من قدرات تنظيمات العنف على ممارسة عمليات التجنيد استغلالاً للأوضاع الاقتصادية المأزومة خصوصاً في الدول النامية”.
تنامي ظاهرة “الحرب بالوكالة”
وفي السياق ذاته، ذهبت الدراسة إلى أنّ الحرب قد تدفع باتجاه زيادة اعتماد القوى الدولية على فكرة “الحرب بالوكالة” وهو ما يعني إمكانية لجوء بعض الدول لتوظيف جماعات إرهابية من أجل تحقيق أهداف بعينها أو ضرب مصالح الخصوم، خصوصاً مع تحول الحرب بالنسبة إلى المعسكر الغربي إلى “حرب استنزاف” يسعى فيها هذا المعسكر إلى تكبيد روسيا أكبر قدر ممكن من الخسائر، بعيداً عن فكرة الانتصار أو الهزيمة، كما أشارت الدراسة إلى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من موجات هجرة كبيرة خصوصاً للقارة الأوروبية، تطرح تحدياً كبيراً يتمثل في إمكانية انتقال العديد من المجموعات والعناصر الإرهابية إلى القارة الأوروبية عبر التخفي بين المهاجرين، الأمر الذي يزيد من التحديات التي تواجهها منظومة الأمن الأوروبي.
وناقش المستوى الثالث من الدراسة بعض المحددات التي قد تحكم مسار وطبيعة “إرهاب” ما بعد الحرب الأوكرانية، ومن هذه المحددات المدى الزمني للحرب، وتجادل الدراسة بأنّه كلما زاد المدى الزمني للحرب، زاد ذلك من قدرة تنظيمات العنف على إعادة بناء هياكلها وممارسة أنشطتها وزيادة فاعليتها، كذلك فإنّ تعامل حكومات العالم، خصوصاً في الدول التي قد تكون وجهات محتملة للعائدين من أوكرانيا مع مصادر التهديد التي رتبتها الحرب، سوف يكون أحد المحددات الحاكمة لطبيعة الإرهاب في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالوقوف على مصادر التهديد، وأوزانها النسبية، وسبل مواجهتها والتعاطي معها.
(4) دول مأزومة تعود إلى المربع صفر
كذلك ربطت الدراسة بين عودة بعض الدول التي كانت تعاني من أزمات خانقة منذ أعوام، مثل: العراق وليبيا واليمن وسوريا، إلى مربع عدم الاستقرار وفرضية تنامي النشاط الإرهابي في المراحل المقبلة وخصوصاً عقب انتهاء الحرب، هذا فضلاً عن أنّ الدراسة تفترض أنّ الصيغة التي ستُحسم بها الحرب الأوكرانية سوف تكون مؤثرة على اتجاهات النشاط الإرهابي في مرحلة ما بعد الحرب، فلو انتهت الحرب لصالح انتصار عسكري كبير لروسيا، فقد تُقدم بعض المجموعات الأوكرانية والأوروبية الموالية لأوكرانيا على تنفيذ العديد من العمليات التي تدخل في نطاق العنف والإرهاب.
وأخيراً ذهبت الدراسة إلى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من ارتدادات سوف تدفع باتجاه تنامي الأنشطة الإرهابية، وذلك في ضوء تعزيزها لحالة الاستقطاب والحرب الباردة التي تشهدها البيئة الدولية، وفي ضوء ما يُعرف لدى تنظيمات العنف والإرهاب بـ “فقه استغلال الأزمات”، وتوجه العديد من التنظيمات إلى الاستفادة من الظروف التي خلفتها الحرب من أجل إعادة التموضع وتعزيز الحضور.
المصدر حفريات