ماهر فرغلي
كاتب مصري
على مدار أكثر من شهرين ماضيين بذل الإخوان جهوداً مضاعفة لتحريك الشعب المصري وحشد الجماهير في الميادين، واختاروا مؤتمر المناخ وحضور أكثر من (114) رئيساً في هذا المحفل الدولي، وأطلقوا دعوة للحراك يوم 11/11، مستغلين الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع، وتصوروا أنّ ذلك يمكن أن يكون سبباً كافياً لإثارة الفوضى في الشارع، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى قيادة الجماهير الغاضبة، والصعود من جديد إلى كرسي الحكم، إلا أنّهم واجهوا فشلاً مريراً، عبّروا هم أنفسهم عنه في بعض صفحاتهم بقولهم إنّه هزيمة.
دعوات الحراك
اعتقد الإخوان وحلفاؤهم أنّ الفرصة مواتية للثورة، وأنّ تحريك الشعب المصري بالضرورة سيحرك الثورات في كل الوطن العربي، فأطلقوا صفحات ومجموعات مخصصة للحراك، ومنها (وصّل صوتك)، (حراك 11/11 سبيل النجاة)، وبشكل أكبر أعلنوا عن إطلاق قناتين فضائيتين تزامناً مع هذه الدعوات، وهما؛ (الحرية) و(الشعوب)، ورغم تعطلهما لفترة قصيرة إلا أنّهما عاودتا البث من جديد.
استمراراً لهذه السياسة للحشد ظهرت الصفحات المناصرة، والكلمات الثورية المقتضبة، التي أطلقها مقربون من الجماعة من البلدان العربية، ومنها كلمة رئيس تونس الأسبق منصف المرزوقي، الذي اعتبر أنّ ثورة الشعب المصري ستكون ثورة لكل العرب، وأنّها بعث لـ”الربيع العربي” من جديد، وكذلك أطلق مفتي طرابلس الليبية الصادق الغرياني كلمة مخصصة للمصريين يدعوهم فيها إلى الثورة قائلاً: إذا تحررت مصر، تحررتم، داعياً الشعوب العربية إلى التضامن مع المصريين.
في هذا السياق نفسه، ومع المخيال الإخواني الذي وصل إلى أقصى درجة من التصور بنجاح تلك الدعوات للتظاهر، وضعت اللجان الإلكترونية للجماعة مخططات تفصيلية للميادين التي يجب أن يخرج إليها المتظاهرون، بل أطلق اليوتيوبر الإخواني عبد الله الشريف برنامجاً وضع فيه عناوين الميادين، وهي ميادين التظاهر نفسها في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، مطالباً المواطنين بالذهاب إليها من الليل بسياراتهم، من أجل قطع الطريق على الشرطة.
ورغم صمت جبهة إبراهيم منير عن إطلاق أيّ بيانات، وانشغالها بوفاة قائدها والصراع على من يخلفه، إلا أنّ جبهة محمود حسين أصدرت بياناً أكّدت فيه على توافقها مع القوى السياسية المصرية، وأنّها ستواصل نضالها من أجل مقاومة النظام المصري الحالي، وهذا ما أكده متحدثها الإعلامي طلعت فهمي، والقيادي رجب البنا، في حديثهما المتوالي على مدار يومين في قناة وطن الفضائية.
أمّا جبهة تيار التغيير في الجماعة، أو من يسمّون (الكماليون)، فقد أطلقوا بياناً واضحاً وصريحاً دعوا فيه إلى الثورة، قالوا فيه: إنّ المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين لا يملك إلا أن يثمّن هذه الدعوات، وأن يشد على أيديها؛ فالمطالبة بالحق واجب وفريضة، والتظاهر ورفض الظلم حق أصيل للشعوب، وإنّ هذه الجولة ربما ليست الأخيرة لكنّها من المؤكد جولة في صراع بدأ منذ عقود، وعلامة فارقة في نهاية الظلم.
الفشل المريع للحشد
قبل اليوم الموعود بالثورة أطلق الإخوان دعوات لإطفاء أنوار المنازل في ساعة معينة، وإطلاق الصافرات في وقت محدد، في إشارة إلى تخويف النظام المصري، وتشجيعاً للناس على النزول إلى الشوارع.
وفي مساء يوم 11/11 أطلق الإخوان دعوات لبدء الذهاب إلى الميادين بالسيارات وإغلاقها، وهذا ما قاله عبد الله الشريف، الذي اعتبر أنّ ذلك يشبه إلى حدٍّ كبير سلاح الفرسان، وبدا من الساعات الأولى أنّه لا استجابة لهذه الدعوة.
في صبيحة يوم الجمعة، بدا أنّه لا حشد، ولا قدرة للجماعة على تحريك الناس، فلم يجدوا سوى فيديوهات قديمة أيام 2011، وأخرى للثورة السورية، ليضعوها على الشاشات مدّعين خروج الناس إلى الشوارع.
لم يستجب الناس في المحافظات المصرية مطلقاً للدعوة إلى الثورة على النظام، ومرّت صلاة الجمعة هادئة تماماً، بل خرجت مظاهرات مضادة تحمل صور الرئيس المصري تجوب الشوارع.
هنا بانت الحقيقة، وصمتت الجماعة، وظهر الداعون للثورة يسبون الشعب المصري، ومنهم المقاول محمد علي، وتراجع الآخرون مدّعين أنّ الإجراءات الأمنية القوية هي التي خوفت الناس، وكتب البعض مطالبين بتحديد يوم آخر، فيما اعترف قلة أنّها هزيمة تستوجب المراجعة.
على الجانب الآخر، يمكن أن نلخص الأسباب الحقيقية في أسباب تلك الهزيمة الإخوانية في عدة أمور؛ وأهمها: تصدي شخصيات مجروحة وغير مرغوب فيها لتلك الدعوات مثل محمد علي، أو عبد الله الشريف، وقد ظهر للشعب المصري كيف يتقاضون آلاف الدولارات نظير تلك الدعوات، وهذا ما عبّر عنه القيادي السابق في الجماعة الأستاذ مختار نوح على صفحته على “فيسبوك”، بقوله: إنّهم تلقوا أكثر من (180) مليون دولار لإطلاق قنوات جديدة، وتلك الدعوات.
ويرى آخرون أنّ الكذب الإخواني بقدرتهم على الحشد، وثبوته أكثر من مرة، نفّر الناس من التعاون معهم، كما أنّ الصراع بين الإخوان أوضح للناس كيف يتنافسون على النفوذ والأموال والقيادة.
في السياق نفسه، فإنّ الجهود التي يبذلها الرئيس المصري، والمشاريع البنائية المعمارية، والأخرى الاقتصادية والعسكرية، التي يفاجأ بها الشعب المصري في كل حين، أشعرت المواطنين بأنّ هناك مؤامرة دولية على مصر لإشعال الفوضى، ولوقف البناء والتنمية، وأنّ الإخوان هم أداة وظيفية لذلك، من أجل إيقاف النهضة للجمهورية الجديدة، ويعتقد أنّ ذلك هو السبب الرئيسي الذي يفشل الجماعة في الحشد دائماً.
على الجانب نفسه، فإنّ الجهود الأمنية التي سبقت تلك الدعوات، سواء في الأعوام أو الشهور الماضية، قضت على المكاتب الإدارية للجماعة، وقضت أيضاً على التنظيمات الحليفة الجهادية، ممّا أفقد الداعين لدعوات الحراك الفرق المنظمة التي كانت تساهم في استقطاب وتجنيد بعض المواطنين في الحشد.
الأهمّ، كما يقول القيادي الجهادي السابق الشيخ نبيل نعيم، في تصريح خاص لـ”حفريات”، أنّ جماعة الإخوان لم تعِ حتى اللحظة أنّ الأيام تجاوزتها، وأنّ الشعب المصري قد لفظها تماماً.
ختاماً، فإنّه وإن فشلت دعوة حراك 11/11 كأكبر هزيمة لجماعة الإخوان وحلفائها، فإنّ التنظيم وظيفي بكل تأكيد، وسوف يستغل مرة أخرى لتكرار تلك الدعوات، بعد أن جعله حلم كرسي الحكم يلهث للعودة إلى السلطة بأيّ وضع وثمن.
المصدر حفريات