كريتر نت – متابعات
بدا إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء عن خصخصة شركات تابعة للجيش كأنه رد على تسريبات في وسائل إعلام غربية تفيد بوجود خلافات بينه وبين المؤسسة العسكرية التي تتمسك بالحفاظ على مصالحها فيما يسعى السيسي لتخفيف قبضة الجيش عن الاقتصاد، في محاولة لجذب مستثمرين أجانب.
وتحولت شركات الجيش المتعددة إلى منغص يضغط على النظام المصري، خاصة أن الانتقادات ركزت على الجوانب الاقتصادية السلبية لما بات يوصف بـ”إمبراطورية الجيش” دون مراعاة قيامها بدور اجتماعي لفائدة شريحة كبيرة من المصريين، إلى جانب الحفاظ على موارده المالية مستقلة كي لا تتأثر المؤسسة العسكرية الحامية للنظام بأيّ أزمة اقتصادية تواجهها الدولة.
وتهدف عملية خصخصة شركات تابعة للجيش، لاسيما الشركة الوطنية للبترول وشركة صافي، إلى جذب الاستثمارات الأجنبية.
◘ دوائر خارجية ترى أن التوسع الأفقي الذي يقوم به الجيش يقلل من حظوظ مشاركة المجتمع المدني في الحياة العامة ويجعله رهينة لإدارة المؤسسة العسكرية
وأدى التلكؤ في بيع هاتين الشركتين إلى التشكيك في نوايا بيع الجيش أصلا لشركاته، وفتح الباب لتكهنات حول عدم الرغبة في الخصخصة، وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على بعض الخطوات التي تتخذها الحكومة لتحفيز الاقتصاد.
ومن شأن تأكيد السيسي الثلاثاء على المضي قدما في هذه الخطوة أن يسهم في التخفيف من وقع الحديث المتواتر عن تضخم إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وعدم تماشيها مع توجه الدولة نحو جذب استثمارات خارجية للسوق المصرية.
وبدا تدخّل شركات تابعة للجيش في مجالات اقتصادية متنوعة غير متسق مع فكرة المنافسة الحرة التي تروّج لها الحكومة، وباتت سطوة الجيش مزعجة لكثيرين يريدون دخول مجال الاستثمار واقتناص الفرص الواعدة في مصر.
ويسعى السيسي إلى منح الاقتصاد المصري دفعة قوية عبر طرح عدد محدود من شركات الجيش للبيع كمقدمة يمكن أن تتلوها أخرى، بغرض سد جزء من العجز المالي في ميزانية الدولة التي تواجه أعباء اقتصادية كبيرة.
وتتسق مسألة بيع بعض الشركات التابعة للجيش مع توجه عام تتبناه الحكومة حاليا ويقوم على فكرة بيع العديد من تلك الشركات لمستثمرين عرب، عقب تراجع حاد في المنح والمعونات أجبر على اللجوء إلى تعظيم خيار البيع الذي من الضروري أن يشمل شركات تابعة للجيش كنوع من إحداث توازن في السياسات العامة.
ويرمي تكرار حديث السيسي عن خصخصة شركات الجيش إلى قطع الطريق على جهات خارجية شككت فيها وأشارت إلى التراجع عن هذه الخطوة بعد رواج تقارير ذهبت إلى وجود اعتراض من جانب قيادات كبيرة، وهو ما تم توظيفه في تبرير البطء الواضح في عملية البيع، ومحاولة إضفاء تفسيرات سياسية على هذا التباطؤ بالحديث عن خلافات بين الرئيس وقيادة الجيش.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن “الشركات التابعة للجيش المصري تصعب تصفيتها تماما، لأنها لعبت دورا محوريا في ضبط السوق في السنوات الماضية، ومنعت هيمنة جماعة الإخوان من التخفي وراء ستار شركات خاصة للسيطرة على بعض السلع الرئيسية، وبالتالي الإضرار بمصالح المواطنين”.
وأضافت المصادر ذاتها أن “توسع شركات الجيش جاء في توقيت كانت فيه الكثير من مفاصل الدولة مفككة، وبالغت في ذلك لمنع الاحتكار الذي عصف طويلا بالسوق المصرية، وقد تكون هناك أخطاء حدثت في هذه التجربة غير أنها الآن محل تقييم ويتم تصحيح مساراتها بما يصب في صالح الاقتصاد المصري”.
◘ تصريحات السيسي تخفف الحديث عن تضخم إمبراطورية الجيش المتعارضة مع السعي لجذب استثمارات خارجية
وتكمن المشكلة في أن اعتماد السيسي على الجيش في الاقتصاد أفاد الجهاز الإداري للدولة في ضبط بعض الأوضاع المختلة، لكنه خلّف تداعيات سلبية أبرزها عدم التوازن في السوق بين شركات الجيش ونظيراتها المنافسة لها عمليا والتابعة للقطاع الخاص.
ومنحت الهيئة الهندسية التابعة للمؤسسة العسكرية -وهي جهة تشرف على غالبية مشروعات البنية التحتية والطرق والجسور والمدن الجديدة والمونوريل والقطار الكهربائي- فرصا عديدة لشركات القطاع الخاص من أجل المساهمة في تنفيذ مشروعات، بما ينفي صفتي الاحتكار واللاتوازن في السوق المصرية.
وينطوي الدور الاقتصادي للجيش على مضامين تضاعف دوره في الحياة المدنية، الأمر الذي لفت انتباه دوائر خارجية ترى أن التوسع الأفقي الذي يقوم به يقلل من حظوظ مشاركة المجتمع المدني في الحياة العامة ويجعله رهينة لإدارة الجيش.
ويحاول السيسي التقليل من هذه الرهانات من خلال عملية الطرح في البورصة وإتمام بيع الشركة الوطنية للبترول وشركة صافي، وهما مقياس يكشف الجهة أو الجهات الراغبة في دخول هذا المجال، والأفق الذي يمكن أن تبلغه خصخصة الشركات التابعة للجيش.