كريتر نت – العين الإخبارية
رغم ما أثارته هجمات مليشيات الحوثي مؤخرا من مواقف قوية إقليمية ودولية وأممية، إلا أن خبراء يمنيين قللوا من تأثيرها وأكدوا ضرورة تحجيم قدرات الانقلاب.
وذهب الخبراء -في تصريحات منفصلة لـ”العين الإخبارية”- إلى أن الحوثيين يرون المواقف الدولية والإقليمية والأممية بمثابة “ضوء أخضر لمزيد من التصعيد ومزيد من الهجمات بسبب اعتيادهم عليها منذ الانقلاب على الشرعية وعلى الدولة واجتياح المحافظات اليمنية”.
وكان الحوثيون هاجموا الأيام الماضية الموانئ في شبوة وحضرموت ما تسبب بوقف تصدير النفط للمرة الأولى منذ 2018، ما جعل البلد مهددة أكثر بالمجاعة لما قد تؤثر تلك الهجمات في قطع المرتبات بالمناطق المحررة.
وتنظر حكومة اليمن لتأمين الموارد الاقتصادية الحيوية للبلاد وتأمين الملاحة الدولية على أنها تمثل “المهمة الرئيسية والهدف الأساسي للدولة وترتبط بها كافة مسارات العمل الإنساني والدبلوماسي والسياسي والعسكري”، فيما يقول الخبراء إن حرب الحوثي الاقتصادية هي حرب على المواطنين.
مناورة وابتزاز
وصارت موجات التنديد والإدانات على تعدد مستوياتها عربياً وإقليمياً ودولياً غير كافية لردع مليشيات الحوثي الانقلابية أو إجبارها على وقف اعتداءاتها.
وبحسب الباحث السياسي اليمني نبيل الجوباني فإن الهجمات الحوثية على موانئ النفط في كل من حضرموت وشبوة تعد “انتهاكا سافرا للقوانين الدولية وتهديداً أكثر سفور لسلامة الملاحة البحرية والممرات المائية”.
يعتقد الباحث اليمني في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أن دوافع تصعيد الحوثي على موانئ النفط تعد “محاولة جديدة منه لإرباك المشهد من ناحية، وتأزيم الوضع الإنساني وتعقيده بما يترتب على ذلك الاستهداف من تبعات وأولها محاولة لإطالة أمد الحرب”.
من ناحية أخرى، وفقا للجوباني، تعد هذه الاستهدافات “محاولة للابتزاز والحصول على تنازلات كتقاسم العائدات مع الشرعية وهو مكسب لا يضاهيه مكسب سوى الاستفراد بالحكم، إذ يساوي الانقلابيون بين الدولة والمليشيات وهو ما أسهم المجتمع الدولي ولا يزال في تكريسه لدى ضغطه على الشرعية”.
وانتقد الباحث السياسي الدور الدولي في إضعاف الشرعية عبر الضغط لتقديم تنازل تلو آخر في كل جولة تفاوض، “ما أدى إلى تقوية مليشيات الحوثي ومنحها فرصاً للمناورة والابتزاز ورفع سقف مطالبها على حساب تحدي الشرعية الوجودي”.
وهذه السياسات وتلك المراوحات التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس منها طائل مع طرف لا يحترم أي اتفاق يبرم حتى ولو كان هو من يطلبه أو يدعو إليه كاتفاق السلم والشراكة الذي تبناه عقب اجتياح صنعاء وانقلابه عليه أو كالهدن وما يصحبها من خروقات واختراقات.
كما أن هناك، طبقا للباحث السياسي، أسبابا أخرى لتصعيد مليشيات الحوثي وتتمثل في لفت أنظار المجتمع الدولي وراسمي السياسات بعد انشغال الجميع بالحرب الروسية – الأوكرانية وشدها نحوها بهكذا تهديدات وتحديات تضر بمصالح المجتمع الدولي.
كذلك “خدمة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة وتدشن لمرحلة تالية في الحرب والتي قد تكون أكثر ضراوة ووحشية في وضع إنساني صعب يمر به إنسان هذا البلد”، وفقا للجوباني.
“التصنيف” ضرورة
وقال إن “مطلب اليمنيين هو تصنيف المجتمع الدولي لمليشيات الحوثي الانقلابية كجماعة إرهابية تهدد السلم المجتمعي اليمني وتفتت نسيجه الاجتماعي وتهدد الأمن القومي لدول الجوار ولخطوط الملاحة البحرية في بحري العرب والأحمر ومضيق باب المندب الواصل بينهما”.
ويرى الباحث اليمني أن إدراج الحوثي بلائحة الإرهاب سوف يسحب “الامتيازات التي منحت لهذه الجماعة الانقلابية في كل جولاتها التفاوضية والذي منحها غطاء موازيا للشرعية وفتح شهيتها لانتزاع شرعية موازية وبرعاية أممية”.
وأضاف أن “ما يقتضي هو في المجمل دعم الشرعية في استعادة دولتها المخطوفة وتأمين مواطنيها في كل الجغرافيا اليمنية خاصة تلك التي لا تزال تحت سيطرة الانقلاب الحوثي إثر ما يتعرضون له من انتهاكات لحقوق الإنسان وانتقاص في المواطنة والآدمية وتجريف للهوية الوطنية”.
حلقة مفرغة
تعوّد الحوثيون طيلة الفترة السابقة على الإدانات، سواء على المستوى الإقليم أو المجتمع الدولي ما يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى تحجيم قدراتهم عسكريا.
ويؤكد مدير مركز سوث 24 للأخبار والدراسات بجنوب اليمن يعقوب السفياني لـ”العين الإخبارية”، حقيقة عدم فاعلية هذه الإدانات والمواقف السياسية والتي لم تكن مبنية على تحرك عملي تجاه المليشيات الحوثية وهي أشبه بالدوران في حلقة تنديد مفرغة”.
واعتبر السفياني أن الإدانات التي” تتردد عقب كل هجوم وعقب كل انتهاك وعقب كل جريمة حرب يقوم بها الحوثيون” لم تعد تؤثر فعلا، فـ”الحوثيون عبر قياداتهم وقادة من الصف الأول يستهزؤون ويسخرون من هذه الإدانات إلى أن وصل بهم الحال بالقول هي تحت أقدامنا”.
وأشار إلى أن المواقف الدولية والأممية أصبحت بالنسبة للحوثي بمثابة “ضوء أخضر لمزيد من التصعيد ومزيد من الهجمات، لأن هذا ما تعودوا عليه منذ الانقلاب على الشرعية وعلى الدولة واجتياح المحافظات اليمنية”.
الدوافع والحلول
دوافع تصعيد الحوثي من الهجمات على الموانئ النفطية في جنوب اليمن، تعد “ابتزازا للإقليم والعالم عبر استهداف مصادر الطاقة وتتزامن مع أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية – الأوكرانية”.
ووفقا للخبير اليمني فإن الحوثي يسعى لـ”الحصول على تنازلات أكبر وعلى مكاسب عبر هذا التصعيد خصوصا أن الطرف الآخر أي المجلس الرئاسي مجرد من أي قدرات دفاعية وليست لديه الإمكانات لصد أي هجوم عبر الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية”.
كما تعتبر مليشيات الحوثي، طبقا للسفياني، استراتيجية مهاجمة المناطق النفطية أنها “أكثر قيمة لإرضاخ الطرف الآخر وإرغام الإقليم والعالم بالضغط على تنفيذ مطالبهم، وهي طبعا مطالب مستحيلة عمليا وتحقيقها يعد كارثة”.
وتتمثل أبرز مطالب مليشيات الحوثي بـ”الحصول على جزء من إيرادات النفط الخاص بالدولة وأيضا دفع رواتب عناصرهم ومليشياتهم”، بالتالي باتت القوة الخشنة مطلوبة كحل وحيد وأمثل في الوقت الراهن.
وقال الخبير اليمني “أصبح تفعيل الجبهات وإسقاط اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة والتقدم لتحرير الميناء خيارا ضروريا للتعامل مع جماعة أيديولوجية مسلحة كالحوثيين لا تسعى للسلام ولا تعترف بالسلام، ولديها مطامع كبيرة تفوق حدود اليمن”.
كما أنه من شأن “تحرير الحديدة أن يقطع خطوط إمداد الحوثيين بالسلاح الإيراني الذي يتدفق عبر موانئها وحرمان المليشيات من الإيرادات المالية الكبيرة والهائلة لميناء الحديدة التي يستغلونها في التجييش وتسيير الأرتال والطائرات المسيرة والصواريخ”.
أما بالنسبة لحراك السلام الهش، يعتقد السفياني أن مساعيها “ليست صحيحة”، وتساهم في إبقاء اليمن “في حالة عائمة بين اللاحرب واللاسلم، وهذه الحالة ترسخت بشكل كبير خلال 6 أشهر من الهدنة المنهارة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”.
وقال إن “السلام إذا لم يكن معززا بموقف دولي فعال تجاه أي طرف يعرقل مساعيه سواء كان طرفا إقليميا أو محليا في اليمن، فبالتأكيد سيصل للفشل وفي أفضل الحالات يصبح السلام عبارة عن تجميد مؤقت للحرب وترحيل الحرب إلى فترة أخرى”.