كريتر نت – المتابعات
بدأت قطر تستقبل الآلاف من المشجعين لمواكبة كأس العالم لكرة القدم، وسط مخاوف حقوقية متصاعدة من أن القانون القطري والمجتمع المحافظ لن يتساهلا مع اختلاف ثقافات المشجعين الأجانب ولا مع انتهاكهم للضوابط المشددة عليهم، ومن ذلك مجتمع الميم الذي يعتبره المجتمع القطري المحافظ خطرا على تماسكه.
وتتحرك قطر على أكثر من صعيد لإنجاح فعاليات كأس العالم التي ستدور فوق ملاعبها بدءا من العشرين من نوفمبر الحالي، لكن أمامها الكثير من التحديات وفي مقدمتها كيفية تعاطي الشعب المحافظ مع الجماهير الأجنبية التي تزور قطر بثقافات وسلوكيات مختلفة وبعضها مرفوض محليا.
وبرزت قطر بزينتها على حسابات عارضات الأزياء والنجوم على إنستغرام الشهر الماضي. وحضر المصممون افتتاح المعارض وعروض الأزياء في وسط مدينة الدوحة. والتقط المشاهير، بمن فيهم ناشط بارز في مجال حقوق المثليين، صورا ذاتية على حلبة رقص نابضة بالحياة.
وكتبت عارضة الأزياء الهولندية ماربيسا هينينك “السلام عليكم يا الدوحة!” في منشورها على الإنستغرام.
كانت ردة الفعل سريعة، فقد أبحر القطريون على الإنترنت للتعبير عن غضبهم مما وصفوه بأنه احتفال خطير وفاسد، قائلين إنه يهدد قيم بلادهم التقليدية قبل كأس العالم لكرة القدم 2022. وساد الهاشتاغ العربي “أوقفوا تدمير قيمنا” لعدة أيام.
وتسلط الأحداث الضوء على التوترات في قطر، الإمارة الإسلامية المحافظة التي تقيد الكحول وتحظر المخدرات وتقمع حرية التعبير، في الوقت الذي تستعد الدوحة فيه لاستقبال الجماهير الصاخبة المحتملة لكأس العالم الأول في الشرق الأوسط.
قالت محبة الخير، وهي مواطنة قطرية، عن الفنانين وعارضي الأزياء الذين اختلطوا مع الشخصيات الاجتماعية القطرية في أواخر أكتوبر “يحظر ديننا وعاداتنا الملابس والسلوك غير المحتشم. من الطبيعي أن نشعر بالقلق عندما نرى مثل هذه الأنواع من الجماهير”.
ويقول منظمو كأس العالم إن الجميع مرحب به خلال البطولة. ويفوق عدد الأجانب بالفعل عدد المواطنين في قطر بنسبة 10 إلى واحد. وبعض القطريين ليبراليون ومنفتحون على الاختلاط بالأجانب، والكثيرون منهم سعداء بالبطولة. لكن جماعات حقوق الإنسان أثارت مخاوف بشأن كيفية تعامل الشرطة مع انتهاكات المشجعين الأجانب للقوانين الإسلامية التي تجرّم تناول الكحول في الأماكن العامة والعلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج والمثلية الجنسية ككل.
وتحولت قطر، وهي دولة صغيرة في الخليج العربي كانت ذات يوم مكانا لصيد اللؤلؤ، بسرعة إلى مركز حديث بعد ازدهار الغاز الطبيعي في التسعينات. وتدفق الوافدون إلى البلاد، بمن فيهم مستشارون ومهندسون غربيون، وعمال بناء وعمال نظافة من جنوب آسيا من ذوي الرواتب المنخفضة.
وسرعان ما انتشرت ناطحات السحاب المصنوعة من الزجاج والفولاذ والفنادق الفاخرة ومراكز التسوق الضخمة في الصحراء.
وحاولت الأسرة الحاكمة في قطر التنويع بعيدا عن الاقتصاد القائم على الكربون، فاشترت حصصا في قطاعات تتراوح من التمويل العالمي والتكنولوجيا إلى نادي كرة القدم الفرنسي باريس سان جيرمان والعقارات في لندن.
وأصبحت شقيقة الأمير الحاكم، الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، واحدة من أهم مشتري الأعمال الفنية في العالم. وأصبحت والدته الشيخة موزة بنت ناصر المسند رمزا عالميا للأناقة واشترت العديد من العلامات التجارية الفاخرة، بما في ذلك فالنتينو.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه قطر، وهي من بين أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد، إلى الغرب بحثا عن الإلهام، تواجه ضغوطا من الداخل لتظل وفية لتراثها الإسلامي وجذورها البدوية. ونشأت أقوى عشيرة في قطر من المناطق الداخلية غير الساحلية في شبه الجزيرة العربية، حيث وُلد الشكل المحافظ للإسلام السني المعروف باسم الوهابية.
ويمشي حكام قطر على الحبل المشدود بين استرضاء المواطنين والقبائل المحافظة ودعم القوة الناعمة للبقاء لاعبة عالمية رئيسية.
وقال القطري محمد الكواري البالغ من العمر 38 عاما إن “خطاب الدوحة الديني لمواطنيها يختلف كثيرا عن خطابها الليبرالي للغرب. ولا يمكن أن تنجح دائما في كليهما”.
وتقول الصحافية إيزابيل ديبر في تقرير لأسوشيتد بريس إن كأس العالم يزيد من المخاطر لأنه يتطلب من قطر التخفيف في قواعد الحصول على الكحول وإنشاء منافذ ممتعة للجماهير والامتثال لقواعد الفيفا التي تعزز التسامح والاندماج.
وحولت نهائيات كأس العالم في السنوات الماضية البلدان المضيفة إلى أكبر مسرح للحفلات في العالم. وعندما تتصاعد المشاعر يمكن أن يكون المعجبون مبتهجين أو أفظاظا وعنيفين.
وسيؤدي هذا إلى زعزعة هدوء قطر، حيث يعتبر مثل هذا السلوك غير مسموح به تقريبا. ولا تشتهر الدوحة بالحياة الليلية. فعلى الرغم من تطورها السريع على مر السنين، إلا أن عروضها الترفيهية لا تزال ضئيلة وأماكنها العامة في هذه القطاعات محدودة.
ويشعر بعض المشجعين الأجانب بالقلق بشأن الطريقة التي ستتعامل بها قطر مع جحافل مثيري الشغب السكارى في الشوارع، بالنظر إلى قوانين الآداب العامة في البلاد والقيود الصارمة على شراء الكحول واستهلاكه.
وعادة ما تؤدي الشتائم والحركات المسيئة وارتداء الملابس غير المحتشمة والتقبيل في الأماكن العامة إلى الملاحقة القضائية في قطر. وتتغلغل المشاعر المعادية للمثليين في المجتمع كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم العربي. وحذر مسؤول أمني كبير من مصادرة أعلام قوس قزح لحماية المشجعين من التعرض للهجوم بسبب الترويج لحقوق المثليين.
ويظهر قلق المعجبين في لوحات رسائل موقع “رديت” الأخيرة “كيف ستعرف الحكومة ما إذا كان شخص ما مثليا؟”، “ما مدى سوء ارتداء السراويل القصيرة (هل يمكن اعتقالي)؟”، “هل صحيح أن الأشخاص الذين يقولون أشياء سلبية عن قطر على وسائل التواصل الاجتماعي يُقبض عليهم؟”.
ويشعر القطريون المحافظون، في الآن نفسه، بالقلق بشأن مدى قدرة مجتمعهم على المرونة لاستيعاب ضيوف كأس العالم. وتخطط الدوحة لإقامة مهرجانات موسيقية إلكترونية عملاقة. وتقول السلطات إنها ستغض الطرف عن جرائم مثل تناول الكحول في الفضاء العام، ولن تتدخل إلا للرد على تدمير الممتلكات والتهديدات للسلامة العامة.
وقال رجل قطري يبلغ من العمر 28 عاما تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام “آمل ألا تجرد كأس العالم المجتمع من دينه وأخلاقه وعاداته”.
وذكر أنه وجد الراحة في وعد من مجلس الشورى الاستشاري الشهر الماضي بأن السلطات “ستضمن بناء مجتمع قوي يلتزم بدينه”، وترفض “أي سلوك مفرط” يخرق المحظورات المحلية.
ولكن لأن البطولة تحقق رؤية أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتطوير البلاد، يقول الخبراء إن السكان القطريين القليلين ليس لديهم خيار سوى القبول بما يحصل.
ولا تحتمل الإمارة أي معارضة. وأنتجت ثروة قطر من النفط والغاز عقدا اجتماعيا حيث يستفيد المواطنون من دولة الرفاهية من المهد إلى اللحد وتأتي الحقوق السياسية بعد أبوية الدولة.
وقال أندرياس كريغ الأستاذ المساعد في الدراسات الأمنية في كلية الملك بلندن “إذا أرادت قطر أن تكون على خريطة العالم، فعليها الالتزام بالمعايير والقيم العالمية. ستقف الحكومة على موقفها في قضايا معينة، وسينحاز الشعب”.
وقال القطري محمد الكواري “هناك خوف. إذا فكر مواطن في الانتقاد، فإن السجن ينتظره”.