كريتر نت – نيوزيمن
تمتلك مديرية المضاربة بمحافظة لحج شريطاً ساحلياً فريداً مطلاً على البحر الأحمر يبدأ من حدود مضيق باب المندب الدولي، إلى حدود مديرية البريقة، الأمر الذي جعلها منطقة استراتيجية تحتل مكانة متميزة في قاموس الاستثمار التجاري والسياحي. ويتشكل هذا الساحل الممتد من قرى ساحلية ومراكز صيد ساحلي وميناء، ويمثل مرسى خور عميره القريب من مخيم خرز مركزاً تنموياً كما أصبحت رأس العارة الميناء الأكثر فاعلية خلال السنوات الأخيرة لعمليات الاستيراد والتصدير الخدمي للمجتمعات على ضفتي البحر الأحمر بشكل رسمي أو للتهريب.. وازدهر ساحل المضاربة بالحركة خلال الأربع سنوات الأخيرة وبعد أن كان ساحلاً مهجوراً انتشرت على مساحته مراكز الخدمة العامة من محطات بترول وفنادق ومطاعم وقامت فيه المناطق السكنية.
وكانت دراسة في العام 2007 أعدتها الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية في اليمن قالت إن منطقة رأس العارة تعد من أفضل المناطق التي يمكن الاستيطان فيها، لما تمتاز به من مقومات فريدة، جعلتها مؤهلة لإقامة المشاريع التجارية والسياحية.
وأكدت الدراسة على تمتع منطقة (رأس العارة) البالغة مساحتها الإجمالية 7729 كيلومتراً مربعاً بموقع استراتيجي تتوافر فيه الموارد الطبيعية والإنشائية اللازمة لمختلف أشكال النشاط البشري وإمكانية قيام مشاريع صناعية في عدد من المجالات في تلك المنطقة.
ورغم الدراسات التي تكشف أهمية المنطقة وموقعها الاستراتيجي المهم، إلا أنها أهملت ولم تحظَ بالمشاريع الاقتصادية المستحقة، وظلت مهملة لسنوات طويلة.
مرفأ للصيد والتهريب
وتمتلك المنطقة مرفأً صغيراً خاصاً بشريحة الصيادين المحليين من أبناء المنطقة، إلى جانب مركز إنزال سمكي الذي ساهم بشكل كبير في توفير بيئة ملائمة لبيع الأحياء البحرية التي يتم صيدها من مياه البحر الأحمر.
في المقابل نشطت عصابات التهريب البحري التي استغلت منطقة الصيادين لنقل بضائع مهربة بينها السجائر والخمور والمبيدات الحشرية الضارة ومواد ليس لها أي ماركات تجارية معروفة إلى داخل اليمن.
ومعظم تلك المهربات يتم استجلابها من دول إفريقية مطلة على البحر الأحمر، عبر قوارب الاصطياد ويتم إيصالها إلى ساحل رأس العارة.
وعلى مدى سنوات قبل الحرب الحوثية في العام 2015، تمكنت قوات خفر السواحل اليمنية من ضبط الكثير من قوارب التهريب التي كانت تحمل كميات كبيرة من البضائع المهربة القادمة عقب وصولها إلى ساحل المنطقة التي تربط بين منطقتي عمران في العاصمة عدن وذو باب في محافظة تعز.
استغلال حوثي كبير
بعد سيطرة المليشيات الحوثية، ذراع إيران، على الساحل الغربي في اليمن، تحولت منطقة رأس العارة، إلى نقطة تهريب رئيسية وتحت إشراف قيادات حوثية بارزة.
ورغم محدودية عملية التهريب التي كانت تمارس قبل الحرب إلا أن فترة سيطرة الميليشيات الحوثية ساعدت بشكل كبير في تنامي الظاهرة وارتفاع كميات البضائع المهربة خصوصاً المبيدات الزراعية الخطيرة التي تستخدم أيضاً في صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة.
وفي الوقت ذاته حاربت الميليشيات شريحة الصيادين من أبناء مديرية رأس العارة، واستغلت قواربهم لأعمال التهريب والقرصنة وتهديد المياه الدولية قرب باب المندب عبر تفخيخ القوارب، وفق ما أفاد به صيادون من أبناء المنطقة.
وحولت الميليشيات الحوثية مرفأ الصيادين إلى ميناء مصغر من أجل تنمية عمليات التهريب والإشراف عليها، وإغراق السوق المحلية ببضائع مهربة وغير رسمية وبدون ماركات مسجلة ومعتمدة.
وبحسب المصادر المحلية، فإن عمليات تهريب منظمة شهدتها منطقة رأس العارة، بينها سجائر وخمور وأسلحة ومتفجرات وذخائر متنوعة، بعضها مرتبط بجماعات إرهابية في الصومال بينها داعش وحركة الشباب الإرهابية التي تربطها علاقة وطيدة مع الميليشيات الحوثية.
وأوضحت المصادر أن الميليشيات كانت تمنع الصيادين في كثير من الأوقات من الخروج للبحر وممارسة صيد الأسماك التي تعد مصدرا رئيسا للدخل، إلى جانب فرض الإتاوات والجبايات عليهم، في حين أن قوارب التهريب تصل أمام أعين الجميع ولا يتم منعها وحتى التصدي لها.
بعد التحرير .. بداية جديدة
وعقب تحرير المنطقة في أكتوبر 2015، من قبل القوات العسكرية والمقاومة الشعبية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، استغلت عصابات التهريب بشكل أكبر الفراغ الأمني الذي يعيشه الساحل الغربي، بسبب انشغال القوات بمحاربة الميليشيات الحوثية التي كانت تسيطر على المناطق الحيوية وصولاً إلى محافظة الحديدة.
وارتفعت معدلات التهريب بشكل كبير إلى أن تم تشكيل قوات أمنية وعسكرية مشتركة في العام 2019 كانت إحدى مهام تلك القوات أيضا تأمين الشريط الساحلي والتصدي لعمليات التهريب التي كانت تمارس وتخدم الميليشيات الحوثية.
وكان مرفأ رأس العارة، إحدى المناطق الرئيسية التي استهدفتها خطة تأمين الشريط الساحلي الغربي المحررة، وساهمت تلك القوات العسكرية بإشراف من التحالف العربي بالتصدي للكثير من محاولات التهريب التي استغلت ساحل راس العارة كملاذ آمن ونقطة تهريب رئيسة لها.
كما أن إعادة تشكيل قوات خفر السواحل قطاع البحر الأحمر بدعم التحالف ساعد كثيرا في تأمين المياه الإقليمية في الساحل الغربي المحرر، وساهم بشكل كبير في محاربة عمليات التهريب البحري وتقليل أنشطتها.
ميناء تجاري مصغر
مع الاستقرار الذي شهده الساحل عادت الحركة إلى طبيعتها في جانب صيد الأسماك، إلى جانب تضييق الخناق بشكل كبير على عمليات التهريب التي تقلصت بشكل كبير جداً.
وساهمت هذه التحركات الأمنية البرية والبحرية من قبل قوات خفر السواحل في مساعدة السلطات المحلية في محافظة لحج ومديرية رأس العارة على إنشاء ميناء مصغر للقوارب والسفن الصغيرة التي تحمل وتنقل بضائع بين دول إفريقية واليمن.
وشهد المنفذ البحري تنامياً تجارياً ملحوظاً، وأصبح يستقبل بشكل شبه يومي سفناً صغيرة تقوم باستيراد أو تصدير البضائع من وإلى اليمن، وهذا ساعد كثيراً في تحقيق انتعاشة اقتصادية للمنطقة وسكانها.
تحول مفاجئ
في مارس 2020 نشأت قوات سميت القوات المشتركة، يقودها اللواء الثاني عمالقة بقيادة العقيد حمدي شكري الذي يتمركز في المخا وينتمي معظم أفراده إلى طور الباحة والمضاربة، إضافة إلى أمن المحافظة تولت تأمين المنطقة قبل أن يتم تشكيل لواء خاص من قوات العمالقة سمي بلواء المهام ينتشر على ذات الشريط، كما تنتشر حاليا قوات ما تسمى بألوية درع الوطن في محيط خور عميرة وهي ألوية سلفية نشأت بدعم سعودي استعداداً لحروب تحرير ما بقي من اليمن تحت سيطرة الحوثي.
وفي المقابل فإن محافظ محافظة لحج اللواء الركن أحمد عبدالله تركي، أصدر تكليفاً جديداً لقائد الحزام الأمني بالصبيحة العميد وضاح عمر أواخر أغسطس 2021 بتكليفه قائداً جديداً لقوات مكافحة التهريب.
وتسلمت القوات مسؤولية تأمين منفذ رأس العارة، إلى جانب تنفيذ القوات حملات مكثفة لضرب خطوط التهريب على طول الشريط الساحلي في المنطقة والمناطق الساحلية المجاورة لها.
وبإشراف مدير مديرية المضاربة بدأ الميناء ينشط ويتولى تمويل عمليات تنمية ضمن حصة المديرية من إيراداته، إلى أن اتهمت قبائل في المديرية المدير بالتستر على قاتل أحد أبنائها وينتمي لقبيلة المدير، وجميعها قبائل صبيحية، فتعطلت مساهمة الميناء في التنمية المحلية، وافتتح باب الصراعات والاتهامات حول إيراداته.
اتهامات متبادلة
الوضع في منطقة رأس العارة، ظل مبهماً خصوصاً فيما يخص الإيرادات التي كانت تحصل من المنفذ التجاري، ووجهت التهم للسلطات المحلية في المديرية وللقوات الأمنية والعسكرية التي تعاقبت هناك ولمحافظ لحج بالاستيلاء على ملايين الريالات من حصة مكافحة التهريب في رأس العارة.
قائد قوات مكافحة التهريب بساحل العارة وهو نفسه قائد الحزام الأمني “العميد وضاح عمر” خرج منتصف يونيو 2022 بمقطع مصور قال فيه إن المحافظ اختلس 100 مليون ريال يمني كانت من حصة مكافحة التهريب.
وأشار عمر إلى أن هناك 50 مليون ريال يمني نهبها المحافظ التركي في شهر رمضان الماضي.
فرد المحافظ باتهامات المسئول الأمني بالحصول على 200 مليون ريال من إيرادات ميناء رأس العارة، ونشر مكتب المحافظ عدداً من القسائم وتوريد المبلغ. على حد زعمه.
وبعد أيام من تبادل الاتهامات وتحديداً في شهر أغسطس 2022، سارع محافظ لحج أحمد تركي لعقد اجتماع موسع لعدد من القيادات المحلية من أجل إقرار تشكيل لجنة لإعداد دراسة بشأن تفعيل آلية عملية لتحصيل إيرادات منفذ جمارك وضرائب ميناء لحج البحري في منطقة رأس العارة.
وشدد المحافظ، خلال الاجتماع، على “سرعة تجهيز الدراسة، ووضع فئات المواد التجارية والبضائع المستوردة بواسطة المنفذ والرسوم القانونية المقرَّة لها، بما يحفظ مستحقات الدولة المالية ورفدها إلى خزانتها العامة”.
وأكد الاجتماع، أن تنظيم عمل تحصيل الإيرادات بالمنفذ بالطرق القانونية سيمنع عمليات التهريب لمختلف البضائع.
تحركات جادة
الاختلالات التي حصلت في منفذ رأس العارة، دفعت بالحكومة والمجلس الرئاسي إلى التدخل من أجل إيقاف الاختلالات وضياع الإيرادات التي تحصل منه.
حيث جرى تشكيل لجنة وزارية، وفقاً لتوجيهات عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس لجنة الموارد عيدروس الزُبيدي، لضمان إشراف الدولة على كافة أنشطة الموانئ في المناطق المحررة.
طبقاً للنظم المالية والجمركية والأمنية المعمول بها.
ومطلع سبتمبر الماضي أقرت اللجنة المشكلة من وزارات النقل والمالية والداخلية والسلطة المحلية بمحافظة لحج النزول إلى المنفذ ورفع تقرير مفصل بالاحتياجات الأساسية لتطوير عمله وتمهيداً لتسليمه للحكومة اليمنية.
كما أقرت، استمرار السلطة المحلية في محافظة لحج بالإشراف المباشر على منفذ رأس العارة.
وفي أكتوبر الماضي، أوصت اللجنة التي ترأسها وزير النقل عبدالسلام حميد، باعتماد وإنشاء مركز جمركي رسمي، في منفذ رأس العارة البحري بمحافظة لحج، وتصحيح وضع المنفذ وتسيير أنشطته، على أن يتم رفع هذا الأمر إلى مجلس الوزراء والمجلس الرئاسي، تمهيداً لإصدار قرار باعتماد المنفذ حالياً مركزاً جمركياً، كمرحلة أولى.
كما حذرت، من محاولة الاعتداء أو الاستحواذ على منفذ رأس العارة والأراضي المجاورة له باعتبارها حرماً للمنفذ، مؤكدة على أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لإيقاف أي اعتداءات أو مخالفات في الموقع.
وأوصت اللجنة أيضاً، أن تتبنى الحكومة مستقبلاً، قراراً بتحويل المنفذ إلى ميناء بحري رئيسي ضمن الموانئ اليمنية.
وذلك نظراً لما يتمتع به الموقع من خصائص من الناحية الفنية التي تؤهله ليكون ميناءً رئيسياً لاستقبال البضائع.
توتر شديد
ومع التحركات الحكومية والوزارية المتواصلة بشأن الميناء القادم في رأس العارة، كانت هناك خيوط أخرى وتحركات متناقضة بدأها محافظ لحج الذي أصدر قراراً أواخر شهر أكتوبر الماضي بتغيير مدير عام مديرية المضاربة ورأس العارة العقيد محمد الصيني، هو أحد القيادات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتعيين بدلاً عنه القيادي العسكري مراد جوبح.
وبررت السلطة المحلية بمحافظة لحج عبر تصريحات شبه رسمية بأن سبب الإقالة هو إخماد الاحتجاجات القبلية التي هددت بإيقاف إيرادات الميناء بسبب قيام أحد أقارب المدير السابق بقتل أحد المواطنين في المنطقة على خلفية الصراع على أراض قريبة من مخطط الميناء القادم.
رغم التبريرات التي نشرت من قبل مصادر مقربة من السلطة المحلية بالمحافظة إلا أن قرار إقالة العقيد الصيني قوبل بالرفض من قبل المجلس الانتقالي، خصوصاً وأن قرار الإقالة تزامن مع تحركات “عصام هزاع” وهو أحد الشخصيات التي تنتمي للصبيحة، وعاشت صراعات مع مختلف الأطراف في الجنوب وصولاً إلى المخا التي اتهم بمحاولة إثارة أبنائها بادعاء الحصول على تصريحات رسمية بالبسط على أرض فيها بدعوى بناء مدينة سكنية، وهو متهم في نزاعات أراضٍ داخل عدن ولحج.
ظهر الرجل في رأس العارة يقول إنه سيتولى إنشاء الميناء من رأسماله، وسيتولى استلام موقع الميناء وسيعمل على توسعته وتطويره، بمساعدة وإسناد السلطة المحلية بالمحافظة.
تحرك المستثمر عصام هزاع الصبيحي ومحافظ لحج، قابلته الحكومة بالرفض باعتبار الموانئ شأناً حكومياً بإشراف وزارة النقل، كما أصدر المجلس الانتقالي مطلع نوفمبر الحالي بياناً طالب فيه بإنزال لجنة جديدة لإيقاف أي أعمال أو استحداثات.
صراع متصاعد
وعلى الرغم من الغموض الذي اكتنف عملية توزيع الإيرادات خلال السنوات الماضية دخلت المديرية في فراغ إداري كبير قابله توتر عسكري وقبلي بين مؤيد ومعارض للأطراف المتنازعة حالياً على تطوير الميناء والجهة المخولة للقيام بذلك.
وقال عضو المجلس المحلي في المديرية، علي النمر لـ”نيوزيمن”، إن مشروع بناء ميناء رأس العارة يجب أن تتكفل به الدولة، والجميع يعرف أن الموانئ هي مرافق سيادية ولا يحق لأي شخص أن يقوم بمقام الدولة. وهناك شركات متخصصة لبناء هذا المرتفع عمقها وطولها سواءً أكانت عبر شركات محلية أم إقليمية أم دولية.
وأضاف، هناك طرق آمنة للاستثمار معروفة تجنب المستثمر الكثير من العوائق والصعاب وتعطيه الضمانات لحفظ أمواله، وعلى المستثمر واجبات يجب أن يلتزم بها يشرعها القانون وليس البلطجة والرشوة وشراء ذمم المسؤولين والفاسدين.
ونوه أن الاستثمار الوهمي قد يؤدي لخروج المديرية عن السيطرة وتدخل جهات على أهبة الاستعداد كتجار المخدرات والسلاح وغسيل الأموال وأمور أخرى.