ناصر الحزيمي
تحاول هذه المقالة الإجابة عن سؤال ملح وهو “هل يوجد دولة دينية” وقبل كل شيء يجب أن نتنبه إلى أنه لم يرفع شعار الإسلام هو الحل ولا تحكيم القرآن ولا الحاكمية ولا إقامة دولة دينية كل هذه الأمور محدثة ومن نتاج الفترات المتأخرة، ولا يوجد في التاريخ ما يشير نصا لوجودها ما عدا المفاهيم الشاردة هنا وهناك حتى حينما قال الخوارج “إن الحكم إلا لله”، وهو ما يسمى التحكيم لم يأخذ العلماء هذا الشعار بجدية تذكر، فالدولة الدينية الكل يتبرأ منها وبعضهم تقية، وكمثال على ذلك الدولة الدينية التي أسسها الخميني وكان قبل ذلك في خطبه ودروسه وحواراته الإعلامية يبشر بدولة العدل والإحسان، حتى خدع الجميع بذلك، وحالما وصل للحكم انقلب على جميع وعوده التي صاغها!
وخذ مثال السودان، فبعد وصول الإخوان المسلمين للحكم دخل السودان في نفق من الفساد والظلم، وخذ أحوال أفغانستان وما جر وصول المجاهدين أو طالبان للحكم، هذه تجارب عشناها بالمتابعة ودليل على فشل ممارسات الدول التي تبنت التوجه الديني؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن هذه الدول أو الجماعات تبنت توجها غير واقعي وحصروا تحكيم القرآن بجلد شارب الخمر والرجم وقطع اليد وما شابه مع غياب المفهوم الكلي والواقعي للدولة والحكم الرشيد، وغاب عن تفكيرهم واستراتيجيتهم أننا ومنذ الأزل أننا ضمن منظومة واقع متغير وعصي على الجمود لهذا جاء السؤال:
ما الذي تسبب في إخفاق الدولة الدينية في إيران والسودان وأفغانستان وغزة وغيرها؟
لعل السبب يعود لطبيعة الدولة وهي طبيعة تتكئ على الواقعية والمصالح وكل ما يخالف ذلك يدخلها نفق الخلاف والشذوذ المخل، بل تتميز الدول التي قيل إنها تحكم الشرع بضعف الرقابة والفساد، لأن هناك عندهم ما يسمى حسن الظن ورفع المنتمين لتيارات تحكيم الشرع لمنزلة الثقة المطلقة والأمانة المطلقة، وهي خارج نطاق المحاسبة هذا مثال فقط فآلية المساءلة والتتبع للمنتفعين من استغلال السلطة تكاد تكون معدومة أو مشلولة.
ويوجد نماذج كثيرة على ذلك لهذا السبب لا توجد دولة إسلامية قامت وانحدرت من الممكن أن يطلق عليها دولة دينية منذ عصر دولة بني أمية وحتى هذه الساعة، وقديما لا نرصد دعوات لإقامة دول دينية وهي بدعة معاصرة نشأت مع الدعاية المواكبة للإمبريالية العثمانية، فما مارسه العثمانيون من حروب كانت تجمع له الأموال بذريعة الخلافة العثمانية (الإسلامية)، وأنهم دولة دينية والواقع خلاف ذلك ونسي أو تناسى وعن عمد الظلم الذي لحق بالمسلمين بسبب جورهم وفسادهم.
كما نسيت جماعات الإسلام السياسي الدعاة للدولة الدينية أن الدولة العثمانية هي أصلا دولة قومية، وكانت تمنع في يوم من الأيام التخاطب بالخطابات العربية، وكان لا يولى في سلك القضاء إلا من يجيد التركية إجادة تامة ثم بعد ذلك يأتي من يقول إن السلطان عبد الحميد لم يسمح بهجرة اليهود لفلسطين وحقيقة الأمر أن السلطان عبد الحميد قد سمح بهجرة اليهود فعلا، وكانت المساومات على المبلغ الذي يجب دفعه للسلطنة وعدد الأفواج السنوية وهناك فعلا من هاجر من اليهود في فترة السلطنة العثمانية وهو مثبت في السجلات أن سقوط الدولة العثمانية لم يتسبب به كونها مسلمة كما يحلو للبعض أن يتذرع به وإنما السبب هو أن العثمانيين لم يعوا طبيعة التحولات الحادثة والتطور في أوروبا والتحول إلى مرحلة الصناعة والتحديث.
لم تكن الدولة العثمانية في يوم من الأيام دولة دينية، ولا أي دولة نشأت قبل الدولة العثمانية.
نقلاً عن “العربية”