كريتر نت – متابعات
مضى نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) على نفس النهج الذي اتبعه رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، حيث غازل الأول القوى المدنية مؤكدا أيضا رفضه عودة البلاد إلى فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وجاءت تصريحات حميدتي في أثناء حواره في ملتقى الإدارة الأهلية في ولاية كردفان الجنوبية والغربية بعد تحذيرات شديدة اللهجة وجهها البرهان إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا إذا حاول التدخل في شؤون الجيش.
وأعلن حميدتي أخيرا تأييده لعملية التسوية السلمية التي تحدث حاليا، متحدثا عن تقديم الدعم الكافي لإنجاحها باعتبارها حلا لأزمات السودان، وأنه “يدعم التغيير ومع الشباب المتظاهرين في الشوارع”.
وجاءت تصريحات حميدتي في وقت تصاعد فيه الحديث بالسودان حول وجود خلاف داخل هياكل الحكم الحالي الذي يسيطر عليه المكون العسكري، ولفت إلى أن قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع حميدتي يحاولان التبرؤ من فلول البشير الذين بدأوا في العودة إلى مفاصل السلطة وفُتحت لهم تدريجيا أبواب ممارسة السياسة.
وحسمت الجهات الدولية التي ترعى عملية التسوية، وفي القلب منها الآلية الثلاثية وتضم البعثة الأممية في السودان والاتحاد الأفريقي وإيغاد، واللجنة الرباعية التي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، موقفها من إبعاد فلول البشير عن التسوية والانفتاح على الأحزاب التي لديها وزن في الشارع وتحالف مع حزب المؤتمر الوطني قبل سقوط البشير، مثل الحزب الاتحاد الديمقراطي الأصل.
وتعبر التصريحات الأخيرة تعقيدات عن صعوبة الوصول إلى صيغة مشتركة بشأن وضعية الجيوش الراهنة في السودان تسهم في دمجها داخل جيش وطني موحد، وهي أحد الملفات العالقة في التسوية الحالية.
وحمل خطاب حميدتي انتقادات مبطنة إلى الأجهزة الشرطية وقوات الجيش، قائلا “إن بعض المتظاهرين يمنعون من الوصول إلى القصر الرئاسي، بينما يسمح لآخرين بالتجمع والاحتجاج في محيط القصر”.
وقال سياسي سوداني قريب من دوائر المكون العسكري، شريطة عدم ذكر اسمه، إن الخلاف داخل مؤسسات السلطة الحاكمة انتقل من الدوائر المغلقة إلى العلن، وأن خطاب حميدتي لا يعبر عن دعم مباشر للمتظاهرين، لكنه يأتي ردا على سماح قوات أمنية لمتظاهرين اتهموا قوات الدعم السريع بالتورط في أحداث وقعت في بلدة “لقاوة” بولاية غرب كُردفان مؤخرا بالوصول إلى القصر الجمهوري.
وتظاهر العشرات في التاسع من نوفمبر الجاري من أبناء جبال النوبة أمام القصر الرئاسي للتنديد بالانتهاكات التي طالت مدنيين في “لقاوة”، وطالبوا بإبعاد قوات الدعم السريع المتهمة بالمشاركة في النزاع القبلي الدائر هناك بين المسيرية والنوبة.
لمن الولاء
وأضاف المصدر ذاته لـ”العرب” أن الفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة له علاقة وثيقة بالمنطقة من جهة إثنية، وترددت معلومات حول دعمه لتلك المسيرات والسماح لها بالوصول إلى القصر الرئاسي لضرب صورة حميدتي سياسيا، ما يعني أن نائب رئيس مجلس السيادة أرسل إشارة غير مباشرة بأنه يدرك ما يحاك ضده.
وربط حميدتي بين رفض قوات الأمن السماح لعدد المحتجين تقديم مذكرة للقصر الجمهوري احتجاجا على استمرار الانقلاب العسكري وبين متظاهرين من أبناء جنوب غرب كردفان دون أن يسمهم صراحة، قائلا “لماذا تسد الأبواب أمام متظاهرين يحاولون الوصول إلى القصر منذ الخامس والعشرين من أكتوبر (موعد الانقلاب) وآخرين فتحت لهم الجسور وأتوا بهم للقصر الجمهوري.. من الذي فعل ذلك؟ جميعهم متظاهرون ولهم مطالب، لماذا التفريق بينهم، لماذا يسمح للبعض والبعض الآخر يتم ضربه؟”.
وتمنع قوى الأمن منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي الآلاف من المحتجين من الوصول إلى القصر الرئاسي وتواجه احتجاجاتهم بالقمع المفرط ما أدى إلى سقوط 121 قتيلا وجرح ما لا يقل عن 7 آلاف.
ودرج حميدتي على توظيف تصريحاته لصالح الثوار أو المتظاهرين للضغط على القيادات العسكرية، واستطاع إلى حد كبير تلافي السهام المصوبة إلى قوات الدعم التي توارت عن الأنظار قليلا، في حين أن قائد الجيش البرهان كان في صدارة المشهد واستقبل غالبية الضربات الموجهة من القوى المدنية ضد سلطة الانقلاب.
حميدتي يؤكد على أن بعض المتظاهرين يمنعون من الوصول إلى القصر الرئاسي، بينما يسمح لآخرين بالتجمع والاحتجاج في محيط القصر
ويمكن أن يدفع السودان ثمنا باهظا لهذا التباين المعرقل لعملية التحول الديمقراطي، وقد يستفيد بعض العسكريين الرافضين لعملية تسليم السلطة للمدنيين من ذلك، وتتزايد حالة الشد والجذب، والتي من عواقبها استمرار التأزم وإطالة أمد التسوية.
وأكد الناشط السياسي حاتم إلياس لـ”العرب” أن مواقف حميدتي من فلول البشير والأجهزة الأمنية ليست جديدة، وسبق أن وجه انتقادات في فترة رئاسة حكومة عبدالله حمدوك قبل الانقلاب على السلطة للسماح بعمليات السلب والنهب واستخدام الأسلحة لترويع المواطنين في الشارع واتهم الأجهزة الأمنية بأنها تستهدف إرباك الوضع العام.
وأشار إلى أن مواقف حميدتي تعبر عن موقف سياسي، لأن انتقاد فلول البشير والأجهزة الأمنية لم يمنع توغل الإسلاميين في كافة مفاصل الدولة واستمرار حضورهم في الأجهزة الشرطية والمخابرات والجيش، وكان داعما رئيسيا لاعتصام القصر الجمهوري الذي مهد للانقلاب على السلطة المدنية وتحالف مع إسلاميين وعناصر من حزب المؤتمر الوطني المنحل.
ويصب تصعيده الحالي ضد جهات عسكرية في إطار الصراعات الدائرة داخل السلطة، وعدم شعوره بالأمان نتيجة مواقف عناصر الحركة الإسلامية في الجيش، والأمر لا يرتبط برفضه التسوية أو قبولها، لكنه اختبار لمواقف حلفائه العسكريين.
وشدد إلياس على أن نائب رئيس مجلس السيادة لم يعد ذلك القائد العسكري القادم من الخلاء، كما كان يطلق عليه في السابق، لكنه يظهر شخصيته السياسية الحقيقية، وهو يدرك أنه رجل سلطة ويعرف تناقضاتها ويلعب عليها بذكاء.
ولا تخرج مواقف حميدتي هنا عن صراع آخر يتعلق بخلاف في الأجندات الإقليمية والتضارب بين من يرفضون وجود فلول البشير بشكل كامل في مستقبل سلطة الانتقال ومن استطاعوا أن يعقدوا تفاهمات معهم ويدعموا إمكانية حضورهم وعودتهم.