كريتر نت – متابعات
الأمينة العامة لاتحاد نقابات العمال الدولي السابقة شارون بورو مع وزير العمل القطري علي بن صميخ المري وممثلين نقابيين أوروبيين
تتصرف قطر على أنها بريئة اليد والذمة من الفساد في تقديم الرشاوى لسياسيين ونقابيين أوروبيين، ومن مسؤولية الوفيات للعمال الذين لقوا حتفهم أثناء تشييد منشآت مونديال الدوحة والبنية التحتية المرافقة. القضاء البلجيكي لا يبدو مهتما بتأكيداتها بأنها بريئة.
والصداع الذي بدأ بفوز قطر بحق استضافة مونديال العام 2022، ودام لدزينة كاملة من السنوات، ما يزال يبدو في بدايته. فما يتكشف من “اختراقات” حققتها قطر في المؤسسات الأوروبية، يبدو أنه الجزء الظاهر من جبل الجليد.
وبمقدار ما تخفي “شبكة الاختراقات” من علاقات سرية ومثيرة، فإن مخاطرها الظاهرة اليوم، تبدو محدودة أمام المخاطر التي قد تظهر غدا.
أخطر ما أقدمت عليه قطر هو توسيع شبكة المنقلبين على تسميتها بـ”دولة العبودية” إلى متفهمين لشروحاتها بالتقدم
التحقيقات التي يجريها البرلمان الأوروبي، والنيابة العامة البلجيكية حول تورط بعض النواب بأعمال غسيل أموال، يُشتبه بأن قطر هي التي تقف وراءها لشراء الدعم، ما تزال في أولها. والعقوبات التي تُفرض على النشاطات القطرية، بما فيها منع ممثلي قطر من ممارسة أي نشاطات داخل المؤسسات الأوروبية، من المنتظر أن تستمر إلى ما بعد تحول الاتهامات الى إدانات وأحكام قاطعة بالسجن لكل الذين تورطوا بالفضيحة التي تصدرتها نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي.
ويقول مراقبون إن الأنشطة القطرية في أوروبا والعديد من دول العالم الأخرى تقع الآن تحت دائرة الشكوك، ما يؤدي إلى تدمير أو عرقلة تلك النشاطات. على الأقل لأن المتورطين فيها بحاجة إلى أن ينحنوا للعاصفة حتى تمر، لحماية أنفسهم. أما استئناف تلك الأنشطة فإنه سوف يحتاج إلى مدة أطول بكثير، بل وربما إلى شبكات بديلة.
ويأتي استمرار احتجاز كايلي في بلجيكا لمدة شهر كما أعلن الادعاء البلجيكي في قضية الكسب غير المشروع من قطر ليزيد من الاعتقاد السائد بأن القضية متفرعة بما يتجاوز المتهمين المباشرين.
لكن الاتحاد الدولي لنقابات العمال ذكر بدوره بالبعد الآخر في فضيحة “قطر غيت” بعد أن أوقف الأربعاء أمينه العام لوكا فيسينتيني عن العمل بسبب صلته بالتحقيق.
وقال الاتحاد إنه قرر في اجتماع طارئ وقف فيسينتيني عن العمل إلى حين انعقاد اجتماع في 11 مارس – آذار قد يراجع فيه القرار.
أحد أبرز الاختراقات التي تتسلط عليها الأضواء، هو نجاح قطر في استمالة قيادات من الاتحاد الدولي للنقابات، التي كانت من بين أبرز الناقدين للظروف غير الإنسانية التي يعيش فيها العمال الذين أقاموا منشآت المونديال، فتحولت إلى أبرز المدافعين عن قطر.
في العام 2013 طالب الاتحاد الدولي للنقابات بتجريد قطر من حق استضافة المونديال. وقال في تقرير صدر في العام التالي إن “قطر دولة بلا ضمير”، ووصف تقرير صدر في العام الذي تلاه قطر بأنها “دولة العبودية”. ولكن عندما حل العام 2022، ومن قبل أن تبدأ مباريات المونديال، انقلب الاتحاد على نفسه بـ180 درجة إلى حد أن الأمينة العامة للاتحاد شارون بورو أعلنت في فيديو ساهمت وزارة العمل القطرية في الترويج له، أن “الأشخاص الذين يهاجمون قطر بسبب قوانين العمل الخاصة بها من خارج البلاد، نقول اذهبوا وألقوا نظرة”. “يمكن للعمال تحقيق العدالة في قطر”.
المفاجأة التي رصدتها بولي سميث “مراسلة الحركة العمالية” في موقع “نوفارا ميديا”، فقد قالت إنه بعد أشهر قليلة من ذلك التصريح، ومن قبل أن يتم ركل الكرة الأولى في المونديال، كانت قطر قد قررت طرد العمال الذين كانوا يعملون في منشآت المونديال، من مجمعاتهم السكنية لإفساح المجال أمام المشجعين الزائرين.
انقلاب المواقف، تم في أعقاب زيارات للمسؤولين النقابيين ولقاءات مع المسؤولين الذين تكفلوا بـ”شرح” التقدم الذي حققته قطر في رعاية حقوق العمال. ويبدو أن “الشرح” كان مدعوما بأدلة تثبت أن “دولة العبودية” أصبحت دولة حريات. وإن الآلاف من العمال الذين كان يعتقد أنهم توفوا في ظروف عمل قاسية (6000 عامل حسب بعض التقديرات) كانوا 37 عاملا، حسب التقديرات، فأصبحوا ثلاثة فقط حسب تقديرات بورو التي قالت إن أعداد الضحايا “مجرد خرافة”.
“الفجوة” في تفاوت الأرقام، هي ما تثير الحيرة حول السبب الذي يقف وراء ما يشبه انقلابا جذريا على النفس.
وفي الواقع، فقد أجرت قطر بعض التحسينات على شروط العمل، ومنها ما يتعلق بإلغاء نظام الكفالة الذي كان يمنح أصحاب العمل سلطة مطلقة على حياة العمال، من ناحية أماكن سكناهم أو ساعات العمل، أو الاستيلاء على جوازاتهم. كما تم تحسين الأجور بحيث أصبح حدها الأدنى جنيها إسترلينيا واحدا في الساعة.
الاتحاد الدولي للنقابات سرعان ما أشاد بما أسماه “الإصلاحات التشريعية في قطر”، وذلك على الرغم من أن وكالة دولية أخرى ظلت تنتقد قطر.
المسافة بين انقلاب الاتحاد الدولي للنقابات وبين استمرار انتقادات المنظمات الأخرى، قدمت إيحاءين متضاربين. الأول، يقول إن الانتهاكات ظلت مستمرة وإن الاتحاد الدولي للنقابات تعمد غض بصره عنها. والثاني، هو أن الناقدين لم يحصلوا على نصيبهم “العادل” بحيث يتمكنون من رؤية الأدلة المادية التي تثبت أن قطر تجاوزت مرحلة الانتهاكات.
منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة شهدت بدورها انقلابا سمح لها بالتخلي عن تهديداتها بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانتهاكات.
ففي يونيو 2014 قدم مندوبون عن المنظمة شكوى ضد قطر، بسبب مخاوف بشأن العمل بالإكراه. وفي العام 2016 منحت المنظمة قطر عاما واحدا لإصلاح قوانين العمل قبل تشكيل لجنة تحقيق رسمية. وفي العام 2017 أغلقت المنظمة شكواها بعد أن وافقت قطر على اتفاقية تعاون فني مدتها ثلاث سنوات لإصلاح قوانين العمل.
عدد من المنظمات التي واصلت انتقاد السجل القطري، طالب “الفيفا” بإنشاء صندوق تعويضات للعمال الذين لم يحصلوا على أجورهم، ولأسر العمال الذين توفوا خلال سنوات العمل. ولكن لم يكتف وزير العمل القطري علي بن صميخ المري برفض فكرة إنشاء الصندوق، ولكنه استعان بـ”قادة النقابات العمالية الدولية” الذين حذروا من إنشاء الصندوق على اعتبار أنه سيكون “معقدا جدا” بحيث لا تمكن إدارته.
الانتقادات التي أثارت الشكوك حول أسباب انقلاب الاتحاد الدولي للنقابات، دفعت رئيسة الاتحاد إلى الاستقالة من منصبها في نوفمبر الماضي، بعد 12 عاما أمضتها في رئاسة الاتحاد.
سلسلة أخرى من التحقيقات انطلقت مؤخرا حول ما إذا كانت قطر قامت بأعمال تجسس ضد قيادات الفيفا، لمعرفة مَنْ هم الذين يمكن التعاون معهم ومَنْ هم الناقدون.
وتقول بولي سميث إن فريق تحقيق سويسريا “وجد أن قطر نفذت عملية استخباراتية واسعة النطاق وطويلة الأمد ضد مسؤولي الفيفا. وأن الدولة القطرية دفعت الملايين لشركة أميركية خاصة، تدعى Global Risk Advisors للتجسس على النقاد داخل الفيفا. وإنه في نهاية عام 2015 تعرض الاتحاد الدولي للنقابات لهجوم إلكتروني، حيث تم نسخ حساب البريد الإلكتروني للمتحدث الإعلامي آنذاك باسم الأمين العام”. وقال فريق التحقيق السويسري إن الهجوم “حمل بصمات تلك الشركة التي أنشأت شبكة علاقات بين موظفي الاتحاد الدولي للنقابات والطرق التي تم ربطهم بها مع الفيفا”.
التحقيقات الخاصة، أو التحقيقات التي تجري في بروكسل تشير إلى أن الفضيحة وتأثيراتها يمكن أن تمتد لعدة سنوات. كما يمكن أن تكشف عن جوانب حول الطرائق التي اعتمدتها قطر للتأثير على مصادر صنع القرار.
ويقول مراقبون إن مخاوف الدوحة من ظهور فصول جديدة، هي السبب وراء الردود المتوترة التي صدرت عنها.
فالقصة التي بدأت بحقوق العمال، ووصلت إلى أعتاب المؤسسات البرلمانية والمنظمات الأهلية الأوروبية، باتت تهدد شبكة علاقات واسعة اعتمدت عليها قطر في الترويج لسياساتها.
هذه الشبكة يمكن أن تعاني من الشلل، بعد كل ما تم إنفاقه عليها. ولكن هذا الشلل ليس سوى نصف المشكلة. أما النصف الآخر، فهو يتعلق بكيفية بناء شبكة جديدة، وما هي الأطر والأدوات التي يمكن استخدامها لتحقيق الغرض منها.
المال، هو محرك الفساد الأول. وقطر ليست أول ولا آخر من يستخدمه لشراء المواقف. وهناك ما يبرر الاعتقاد بأن الشركات الغربية، هي اللاعب الذي علّم الآخرين السحر. ذلك أن معظم تعاملاتها تنطوي على شبهات فساد و”عمولات” جانبية. وشبكات التأثير على صناعة القرار تبدأ منها، بالدرجة الأولى، ما يعني أن قطر قد لا تكون أكثر من “زبون” إضافي على شبكة قائمة من الأساس.
كما أن هناك ما يبرر المخاوف من أن التضحية بهذا “الزبون” تقصد التغطية على باقي أطراف الشبكة. وهو شيء يشبه “قتل القاتل” في علاقات المافيا لحماية باقي أركانها.