كريتر نت – متابعات
يقوض انسحاب تحالف الحركات المسلحة في مالي من اتفاق السلام الذي وقع في الجزائر في 2015 العملية الديمقراطية في باماكو، وهو ما يفتح أبواب عودة المطالب الانفصالية في الدولة الأفريقية المنهكة أمنيا.
ودخلت مالي مرحلة تصعيد جديدة بإعلان الجماعات المسلحة تعليق مشاركتها في اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، ما يعيد المطالب الانفصالية إلى الواجهة.
ويقوض هذا الإعلان الاتفاق الموقع في الجزائر العاصمة قبل أكثر من سبع سنوات بين الحكومة المدنية التي كانت في السلطة في ذلك الوقت والجماعات المسلحة لاستعادة السلام في الشمال بعد سعي المتمردين للانفصال عن العاصمة باماكو عام 2012.
ومُني المتمردون بهزيمة، إلا أن مالي انزلقت منذ ذلك الحين في دائرة من العنف سيطرت خلالها جماعات محلية تابعة لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية على مناطق واسعة وشهدت سقوط آلاف القتلى من المدنيين.
وكان الاتفاق يسعى لتحقيق اللامركزية في مالي ودمج المتمردين السابقين في القوات المسلحة ودعم اقتصاد الشمال.
مساحة إقليم أزواد تبلغ 822 ألف كلم مربع أي 66 في المئة من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع
إلا أن التقدم لا يزال بطيئا، إذ لم تتحقق اللامركزية، وأدى العنف المتواصل إلى عرقلة جهود نزع السلاح وتدمير الاقتصاد المحلي.
وشهدت مالي انقلابين عسكريين منذ أغسطس 2020. وسحبت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والتي ساعدت لعقد من الزمن في احتواء المتشددين الإسلاميين ومواجهتهم، الآلاف من الجنود هذا العام بعد تحالف مالي مع مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية.
وقرّرت “تنسيقية حركات الأزواد” وهي تحالف من الطوارق وقوميين عرب من شمال مالي المتمرد على السلطة المركزية تأسس في 2014 “بالإجماع تعليق مشاركتها في المراقبة وآليات تنفيذ” الاتفاق.
وجاء في بيان مشترك لهذه المجموعات أن التعليق سيستمر “حتى عقد اجتماع بوساطة دولية وعلى أرض محايدة لاتخاذ قرار بشأن مستقبل الاتفاقية المذكورة”.
وقبل عشر سنوات شهد شمال مالي اضطرابات بعدما أطلق الطوارق حملة تمرّد للمطالبة بالاستقلال أو بالحكم الذاتي.
وانضم جهاديون إلى حركة التمرّد التي حوّلت المنطقة إلى منطلق لتمرّد إسلامي اتّسع مذّاك نطاقه تمدد نحو النيجر وبوركينا فاسو.
وينص الاتفاق الذي وقعه المتمردون في العام 2015 مع المجموعات المسلحة الموالية للحكومة والدولة المالية على المزيد من الحكم الذاتي المحلي ودمج المقاتلين في ما يسمى بالجيش “المعاد تشكيله”، تحت سلطة الدولة. غير أنه لم يُطبق سوى جزء من بنود الاتفاق.
ولا يزال جزء من الطبقة السياسية يرفض توسيع نطاق الحكم الذاتي في الشمال.
وجاء في البيان المشترك الخميس أن الجماعات المسلحة “تأسف بالإجماع لعدم وجود إرادة سياسية لدى السلطات الانتقالية لتطبيق اتفاق السلام والمصالحة في مالي”.
وندد الموقعون بعدم تحرّك السلطات “في مواجهة التحديات الأمنية التي تسببت في مقتل المئات من الأشخاص وتشريدهم” في مناطق ميناكا وغاو وتمبكتو.
وأطلقت الجماعة المسلحة “نداء عاجلا” للمنظمات الإنسانية لمساعدة السكان المنكوبين في تلك المناطق.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي ندّدت تنسيقية حركات الأزواد بـ”فشل” اتفاق السلام ودعت الجهات الدولية الضامنة له إلى “الحؤول دون وقوع قطيعة نهائية” بين موقّعيه.
وقالت مصادر تابعة لحركات أزوادية إن هناك خطوات قادمة للتصعيد، قد تصل لإعلان “استقلال” الإقليم.
ويقول الباحث في الشؤون الأفريقية بجامعة باماكو محمد أغ إسماعيل إن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى إصدار البيان الأخير لتنسيقية الحركات الأزوادية حول طلب الوساطة الدولية للقيام بدورها في اتفاق السلم والمصالحة.
ويضيف إسماعيل “من أهمها التدهور المستمر للأوضاع الأمنية في المنطقة، وتحديدا إقليم أزواد عقب الانسحاب الفرنسي منه، مما أسفر عن مئات القتلى من النساء والشيوخ والأطفال من أبناء الإقليم، وتدمير قرى بأكملها بولايتي غاوو وميناكا، حيث أدى ذلك إلى نزوح ما بقي من القرى داخل المدن الكبيرة للإقليم”.
وتابع “استمرار المماطلة في عدم فتح ملفات الاتفاق الأساسية، والمتمثلة في البنود السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك على الرغم من تنازلات ومفاوضات واجتماعات بقيادة الوساطة الدولية من أجل التنفيذ، والتي كان آخرها الاجتماعين في سبتمبر الماضي برئاسة رئيس الوزراء المالي، ووزير خارجية الجزائر، حيث تم الاتفاق على الإسراع في التفعيل ووضع أجندة لذلك. تعد من الأسباب المهمة أيضا”.
ويشير محللون إلى أن الحركات الأزوادية لم تعد تؤمن بإرادة تنفيذه بنود الاتفاق من قبل الأطراف المعنية. لكن في نفس الوقت، ليس لديها بديل، لأن الحرب ليست في صالح أحد. ولذلك تطالب الأطراف الضامنة بالتدخل من أجل الضغط على باماكو لتنفيذه. وهذا لا يعني أن الحركات الأزوادية راضية بكل بنوده.
الحركات الأزوادية لم تعد تؤمن بإرادة تنفيذه بنود الاتفاق من قبل الأطراف المعنية لكن في نفس الوقت ليس لديها بديل لأن الحرب ليست في صالح أحد
ويقول العضو المؤسس في “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” بكاي أغ أحمد إن “جميع الجهات الدولية، وبما فيها الأمم المتحدة، جمعت ما يكفي من أدلة مقنعة على أن الحركة الأزوادية تستطيع الاعتماد على نفسها في ما يخص تسيير دولة ولو بالحد الأدنى على الأقل، ومالي عاجزة حتى عن حماية نفسها”.
ويضيف أغ أحمد “اتفاق الجزائر ليس إلا مهدئ وقف مؤقت لإطلاق النار بين الأزواد وبين دولة مالي، حيث مضت عليه قرابة ثماني سنوات دون تطبيق يذكر، بل إن الحكومة الانتقالية في باماكو تسلك طرقا أخرى بعيدة كل البعد عن بنود الاتفاق”.
وتقع منطقة أزواد شمالي جمهورية مالي بمحاذاة الحدود الموريتانية، وعلى الشرق منها يقع آدغاغ أيفوغاس المحاذي للحدود النيجيرية والجزائرية، ويفصل بين منطقتي أزواد وآدغاغ أيفوغاس، وادي تلمسي ويشكلان معا الصحراء المالية. ويشمل أزواد ولايات تمبكتو وغاو وكيدال، وعاصمته هي مدينة غاو كبرى المدن في المنطقة.
وتبلغ مساحة إقليم أزواد 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب 66 في المئة من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع. وتعادل مساحة الإقليم مجموع مساحتي فرنسا وبلجيكا معا.
ويبلغ عدد سكان الإقليم أربعة ملايين نسمة بحسب تقديرات أخيرة، والمكون الأساسي المعروف لبلاد أزواد في شمال مالي هم “الطوارق” أو “أمازيغ الصحراء”، ويلقبون أيضا بـ”الرجال الزرق” لطغيان اللون الأزرق على لباسهم، وهم شعب من الرحل والمستقرين، وكل مكونات الشعب الأزوادي يتحدثون الأمازيغية بثلاث لهجات.
وتأخذ الأحداث المتجددة في منطقة الساحل الغربي وفي منطقة مالي على وجه الخصوص منعطفات ومنحنيات مثيرة للقلق، فالتحولات السياسية والخلافات الداخلية المستمرة وحالة عدم الاستقرار تزعزع مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة.
ويرى مراقبون أن تحقيق الاستقرار يتوقف على تعزيز العملية الديمقراطية من قبل أصحاب المصلحة.