ماهر فرغلي
كاتب مصري
أصبحت أمريكا اللاتينية، خاصة المثلث الحدودي بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل، هي الملعب الخلفي لأنشطة إيران وحزب الله المشبوهة في نقل الأسلحة وتجارة المخدرات وتبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية للميليشيات المدعومة من طهران، وهذا ما أثبته العديد من التحقيقات والتقارير الأمنية والوقائع التي جرت خلال الـ (5) أعوام الأخيرة.
عناصر الباسيج في أمريكا اللاتينية
أوضح تقرير خاص، حصلت عليه “حفريات” من مصدر سياسي موثوق، أنّ نشاط خلايا الحرس الثوري الإيراني زادت بشكل ملحوظ خلال عام 2022، سواء على مستوى التمويل أو الخلايا النشطة المنفصلة والمتصلة؛ حيث سعت خلية تقودها مواطنة من أصل إيراني تُسمّى فاطمة مير شجاعي، بالتعاون مع المسؤول الإيراني السابق بهروز تاهي، لتنفيذ عدد من المهمات تتعلق بغسيل الأموال والإمدادات اللوجستية لإيران.
وقد قامت هذه الخلية بتسجيل شركتين تحت اسم NOSSOKI برقمي 27865547000106 و2786554700029، برأس مال يبلغ نصف مليون ريال برازيلي، بالتعاون مع اللبناني الأصل عضو الباسيج HAMZE ALI HACHEM.
ووفق المصدر، فإنّ هذه الخلية سعت لإيجاد خردة المراكز الطبية بشكل مهووس، وخصوصاً التي تحتوي على عنصر السيزيوم المشع، والحصول على تصميمات الصواريخ الباليستية، التي طورتها وزارة الدفاع الباكستانية مع شركة إمبراير البرازيلية خلال 2010 إلى 2012، والتي توجت بالنجاح.
هذا، وأسّست طهران مؤخراً أكثر من مقر نشط في الولايات البرازيلية التالية: ساو باولو، بارا بارانا، ميناس جيرايس، سانتا كاترينا، ريوجراند دي سول، وقد تم رصد تحويلات مبالغ خرافية بالعملات المشفرة إلى المرشد الأعلى للشيعة بالبرازيل حسين خليلو.
في السياق نفسه، نقل تقرير أمني كولومبي أنّ شبكة من الأفراد التابعين لحزب الله اللبناني يعملون في تجھیز وثائق من أجل منح أفراد شهادات الجنسية الكولومبية بشكل احتيالي لمواطنين من فنزويلا وكوبا والصين ولتوانيا وسوريا وإيران ولبنان، موضحاً علاقة هذه الشبكة بشركتي “زانغا ذ.م”، و”توكان للتجارة ذ.م.م”.
اتهم التقرير الأمني هذه الشبكة وأعضاء آخرين في حزب الله بتبييض الأموال المحققة من تجارة المخدرات. وأنّ لهم علاقة بعامر محمد عقيل، اللبناني الأصل، الذي يوصف بأنّه شريك أساسي لحزب الله، وشقيقه سامر محمد عقیل، الذي يحمل بطاقة تعريف وطنية كولومبية تحمل الرقم 179029472، وهو مسؤول عن الشؤون اللوجستية، والمتهم بتهريب ما يقرب من (500) كيلوغرام من الكوكايين مخبأة في صناديق من الأناناس في مركبة كانت تحمل لوحات ترخيص كوستاريكية، وصلت إلى السلفادور من بنما.
وقد كشف تقرير لشركة “لويدز مارين” العالمية للتأمين، نقلته وسائل إعلام تلفزيونية برازيلية، عن خطط وحيل غير قانونية ينتهجها النظام الإيراني لتمويل نشاطات حزب الله في لبنان، اعتماداً على ذهب مهرب من أمريكا الجنوبية وبالتحديد من فنزويلا.
ووفقاً لوثيقة كشفت عنها الشركة، التي مقرها لندن، فإنّ فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله يرسلان الذهب بشكل غير قانوني من فنزويلا إلى إيران، ويقومون بتبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية للميليشيات المدعومة من طهران في لبنان.
الوثيقة الأمنية الإلكترونية التي صدرت خلال هذا العام كانت بعنوان “التجارة غير المشروعة ونقل الذهب والنفط الإيراني ـ فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله”، أوضحت أنّ الغرض من هذا التنبيه هو إعلام السوق بالشحن غير المشروع للذهب من فنزويلا إلى إيران، لجمع الأموال للأنشطة الإرهابية، ولتسهيل بيع النفط الإيراني، بما يتعارض مع العقوبات، وأنّ حوالي (130) عنصراً يعملون مع تحالف عصابات وادي الشمال، وهم مجموعة مهربين من أصول لبنانية.
لماذا صنعوا المعلب الخلفي؟
لقد ركزت طهران نشاطها مؤخراً على دول غير شهيرة، مثل بيرو وتشيلي وفنزويلا، التي توجد فيها جالية لبنانية شيعية تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير في بعض المناطق مثل منطقة إيكويكي، ومايكاو في كولومبيا، وجزيرة مارغاريتا في فنزويلا، وساو باولو في البرازيل، وخصوصاً المنطقة المعروفة بالحدود الثلاثية، التي يعمل فيها بنشاط واسع (المركز البرازيلي للتضامن مع الشعوب والنضال من أجل السلام).
وتستهدف إيران من هذا النشاط القيام بعمليات إرهابية ضد المعارضة الإيرانية في أمريكا اللاتينية، وقد رصدت المخابرات الأمريكية في تقرير أطلعت عليه الكونغرس في 18 تموز (يوليو) 2017، ونشرته وسائل إعلامية، أنّ عناصر من الحرس الثوري الإيراني قاموا بمراقبة على مدار الساعة للمعارضين الإيرانيين، سواء من المقيمين بشكل دائم في دول أمريكا اللاتينية، أو الذين يقيمون في مناطق أخرى خاصة في أوروبا وأمريكا، وقاموا بزيارات إلى دول مثل نيكاراجوا وكوستاريكا وهندوراس والبرازيل والأرجنتين.
ومن المعروف أنّ الحرس الثوري الإيراني نفّذ من خلال وكلائه عمليات على أراضي أمريكا اللاتينية مثل تفجير مقر جمعية الصداقة الأرجنتينية – الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في 18 تموز (يوليو) 1994، وفي 17 آذار (مارس) 1992، وقام انتحاري باقتحام السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، كما ألقت الشرطة البيروفية القبض على أحد عناصر “حزب الله” في منطقة سوركيو في ليما بتهمة التخطيط لعملية إرهابية عام 2017، وحدّدت السلطات البوليفية مخزناً تابعاً لحزب الله، وصادرت ما يكفي من مواد متفجرة لإنتاج قنبلة وعبوات ناسفة مرتجلة محمولة على سيارة مفخخة.
وتستهدف إيران أيضاً صناعة شبكات تعمل مع تجار مخدرات، ومهربي سلع استهلاكية، ومزيفين، وغاسلي أموال يستخدمون شركات، وبيوت صرافة، من أجل دعم أنشطتها المشبوهة، وهذا ما تم نشره في تقارير بأنّ ما بين (600 و700) مليون دولار بين 2014 و2016، تمّت عن طريق وكلاء إيرانيين في عمليات تبييض أموال.
وفي المثلث الحدودي بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل، تمكنت إيران من رسم خارطة جديدة لعملياتها اللوجستية، ووجدت إيران في فنزويلا أرضاً خصبة للتعاون في البرنامج النووي الإيراني، حيث ذكر تقرير لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي 2008 أنّ هناك تعاوناً خفياً بين البلدين في مجال تخصيب اليورانيوم، وقدّر التقرير أنّ فنزويلا لديها (50) ألف طن من اليورانيوم يتم تخصيبه في إيران، كما وقعت إيران مع فنزويلا العديد من الاتفاقيات في مجالات التجارة والبنوك والنفط والغاز الطبيعي إلى جانب مجالات التنمية الزراعية والبتروكيماويات.
المصدر حفريات