كريتر نت – عربي بوست
في سنة 1962، تُوّجت البرازيل بثاني ألقابها في كأس العالم، بعد أن حملها الجوهرة السوداء بيليه عالياً في البطولة التي احتضنتها تشيلي، في تلك اللحظات كان الجزائريون يعيشون نفس جو الاحتفال لكن باستقلالهم عن فرنسا، وكان حينها حلم مشاهدة بيليه يلعب في الجزائر بعيداً عن دائرة توقع الجزائريين.
رغم ذلك، كانت الجزائر التي نالت استقلالها حديثاً من فرنسا تحاول لملمة جراحها والخروج تدريجياً إلى دائرة الأضواء، وذلك عبر رياضة كرة القدم، فقد كان أوّل رئيسٍ للجزائر بعد استقلالها هو لاعب نادي مارسيليا الفرنسي السابق أحمد بن بلّة، الذي أولى لهذه الرياضة اهتماماً كبيراً.
ففي فترة حكم بن بلّة القصيرة تمّ تأسيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وبعدها انضمت الجزائر إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، وبدأ تشكيل منتخب وطني من النجوم الجزائرية في الملاعب الفرنسية.
في سنة 1965، وبدعم من بن بلّة، وافق بطل العالم المنتخب البرازيلي الذي يقوده النجم بيليه على خوض مباراة ودية مع المنتخب الجزائري المؤسس حديثاً، ووافق الجوهرة بيليه الذي كان أشهر شخصية رياضية عالمية حينها، على المشاركة في المباراة دعماً للجزائر المستقلة حديثاً.
وأمام تحضيرات الجزائريين لاستقبال ملك كرة القدم بيليه ومشاهدته يداعب الكرة بالجزائر، كان هناك مخطط انقلاب عسكري على بن بلّة يدبّر في الخفاء من قبل رئيس أركان الجيش هواري بومدين، ويستغل انشغال الجزائريين بالجوهرة السوداء بيليه.
بومدين أرجأ انقلابه على بن بلة بسبب بيليه
في 17 يونيو/حزيران 1965، حطّت بعثة المنتخب البرازيلي بملعب وهران البلدي من أجل إجراء مباراة ودية مع المنتخب الجزائري، كان الملعب الذي سيسمى لاحقاً باسم 19 يونيو/حزيران 1965 تخليداً لذكرى انقلاب بومدين، يسع لـ40 ألف متفرج، لكن وجود بيليه على أرضية الملعب دفع بالجزائريين إلى تسلق جدران الملعب والتدافع من أجل مشاهدة الجوهرة السوداء، ليصل عدد المشجعين الجزائريين 60 ألفاً.
حرص الرئيس الجزائري الذي كان لاعباً سابقاً لكرة القدم على متابعة المباراة من الصف الأوّل للمدرجات، كما حظي بيليه باستقبال رئاسيٍّ وعناقٍ حار من الرئيس الجزائري.
ولكن أحمد بن بلة لم يكن يدري أنّ تلك المباراة الشهيرة ستكون آخر محطات ظهوره الرسمي بصفته رئيساً للجزائر، بحيث، في الوقت الذي كان منهمكاً فيه بالمباراة، كان ذراعه اليمنى وقائد أركان جيشه، العقيد هواري بومدين، يضع اللمسات الأخيرة، رفقة زملائه المقربين، لمخططه بالانقلاب على بن بلّة.
بحسب الكاتب عبد العزيز بوباكير في كتابه “19 جوان 1965: انقلاب، أم تصحيح ثوري”، كان مقرراً حصول الانقلاب في 17 يونيو/حزيران، موعد مباراة الجزائر والبرازيل، وأن يتم اعتقال الرئيس بن بلة من قبل قوات الجيش التي كان يقودها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في وهران، حيث كان الرئيس بن بلة يتابع مباراة ودية بين المنتخب الجزائري والمنتخب البرازيلي مع نجمه بيليه في ملعب وهران، في إطار زيارة الأخير لدعم البلد المستقل حديثاً.
لكن المجموعة المدبرة للانقلاب أجّلت ذلك تجنباً لإثارة جدل دولي بسبب وجود الصحافة الأجنبية المرافقة للمنتخب البرازيلي ونجمه بيليه.
آخر صورة لبن بلّة كرئيس للجزائر كانت مع بيليه
بعد نهاية المباراة التي انتهت بثلاثية نظيفة للبرازيليين، سجل منها بيليه هدفاً واحداً، استقبل بن بلّة نجوم المنتخب البرازيلي في إقامته بوهران، وأصرّ على أخذ صورة بين الأسطورتين غارينشا وبيليه، بحسب ما نقلته جريدة الشروق الجزائرية.
كانت تلك الصورة آخر صورة فوتوغرافية لبن بلّة الذي لم يكن على علم بما يحاك ضدّه في الخفاء، ففي 19 يونيو/حزيران 1965، نفذ العقيد هواري بومدين انقلاباً عسكرياً على الرئيس أحمد بن بلّة، ووضعه في السجن.
في وقت الانقلاب كان المنتخب البرازيلي قد سافر من مدينة وهران إلى العاصمة الجزائرية من أجل إجراء مقابلة ثانية مع المنتخب الجزائري على ملعب رويسو بالعناصر يوم 20 يونيو/حزيران، لكن الانقلاب ألغى المباراة.
وعاد الملك بيليه والأسطورة غارينشيا إلى البرازيل محتفظين بصورة تذكارية خالدة، جمعتهما بابن بلة، قبل يوم واحد فقط من الإطاحة به واقتياده الى السجن، حيث مكث فيه حتى يوليو/تموز 1979، ثم في إقامة جبرية حتى إطلاق سراحه من طرف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد الذي كان قد خلف بومدين في مطلع 1979، بعد وفاة الأخير في ديسمبر/كانون الأول 1978.
بومدين أعاد بيليه إلى الجزائر ورفض حضور المباراة من الملعب
لم تنته قصة بومدين وبيليه مع نهاية المباراة ونجاح الانقلاب، فمن المفارقات الغريبة أنّ ملعب وهران الذي لعب فيه بيليه أوّل مباراة له في الجزائر، وكان مخططاً أن يبدأ منه انقلاب بومدين على بن بلّة، سمي من طرف هواري بومدين بعد ذلك باسم ملعب “19 يونيو 1965″، وهو تاريخ الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، قبل أن تتم تسميته لاحقاً بملعب “الشهيد أحمد زبانة”.
كما أنّ بومدين حرص على إعادة بيليه إلى الجزائر مرة ثانية، حين دعا نادي سانتوس البرازيلي الذي يلعب فيه الملك بيليه لإجراء مقابلة ودية مع المنتخب الجزائري من أجل ردّ الاعتبار لثلاثية المباراة الأولى.
بالفعل حضر سانتوس برفقة نجمه بيليه إلى الجزائر، حيث أجرى مباراة ودية في الثاني من فبراير/شباط 1969 بملعب وهران، الذي تغيّر اسمه إلى “ملعب 19 يونيو 1965”.
خلال هذه المباراة لم يسجل بيليه، لكنه تفاجأ بمراوغة اللاعب الجزائري بلجيلالي سلمي له بتقنية الجسر الصغير التي بقيت راسخة في الأذهان، لتنتهي المباراة بالتعادل الإيجابي 1-1.
خلال تلك المباراة، لم يحضر بومدين إلى الملعب كما فعل سلفه بن بلّة، واكتفى بمشاهدتها عبر التلفزيون.