كريتر نت – متابعات
في أول نشاط سياسي علني لها ستظهر “خلية مسقط” اليمنية في مؤتمر بالعاصمة الأميركية واشنطن من المقرر عقده اليوم الاثنين، تحت عنوان “نحو السلام الدائم والديمقراطية في اليمن”، من تنظيم مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، ومؤسسة توكل كرمان، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، وهي جميعها مؤسسات مدعومة من قطر، بحسب مصادر مطلعة على كواليس الفعالية.
ويعتقد مراقبون أن تنظيم المؤتمر، الذي يضم أبرز وجوه ما عرف بـ”خلية مسقط” المدعومة من قطر وسلطنة عمان، في هذا التوقيت مؤشر على بدء جولة جديدة من نشاط الخلية التي عملت طوال السنوات الماضية على تصدير خطاب سياسي وإعلامي معاد للتحالف العربي في اليمن، إضافة إلى تزامن هذا النشاط مع مفاوضات اللحظات الأخيرة التي تجريها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمنع انهيار الهدنة الهشة في اليمن بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين.
كما يهدف المؤتمر بحسب مصادر مطلعة إلى إعادة تصدير الخطاب السياسي الملتبس حول الملف اليمني، في واشنطن والمحافل الدولية، وهو الخطاب الذي تتبناه العناصر المرتبطة بمشروع الدوحة/مسقط والذي يسعى لخلط الأوراق وتحميل التحالف العربي مسؤولية التداعيات الإنسانية والاقتصادية التي آل إليها الوضع في اليمن، وإظهار الحرب المندلعة منذ ثماني سنوات كصراع بالوكالة بين إيران ودول التحالف العربي، دون الإشارة إلى مسؤولية الميليشيات الحوثية.
وأشارت مصادر إلى أن استئناف نشاط “خلية مسقط” التي تضم مزيجا من شخصيات سياسية يمنية من مختلف الاتجاهات السياسية تعمل لصالح أجندة الدوحة ومسقط في الملف اليمني، جاء بعد فترة توقف نسبية قبيل انعقاد بطولة كأس العالم في قطر وخلاله، في مؤشر على ارتباط حالة التصعيد والتهدئة بمتطلبات الدوحة وأولوياتها السياسية، وفقا لمراقبين.
ويشارك في المؤتمر المثير للجدل عدد من أبرز الشخصيات السياسية اليمنية التي عرفت بارتباطها بقطر وسلطنة عمان ومناهضتها لدول التحالف العربي، وعملها خلال السنوات الماضية على استهداف التحالف من داخل مؤسسات الشرعية اليمنية، مثل نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري، ووزير النقل اليمني الأسبق صالح الجبواني، ومحافظ سقطرى السابق رمزي محروس، وعصام شريم عضو مجلس الشورى اليمني.
كما تشارك في المؤتمر القيادية الإخوانية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان التي قالت في بيان صحفي حول أهداف المؤتمر إن “المعرفة المباشرة بالقضايا اليمنية وحماية المدنيين واحترام السيادة اليمنية وإنهاء الحرب والعنف وفوضى السلاح وضمان أن تكون الدولة صاحبة الحق في امتلاكه وإقامة نظام ديمقراطي وضمان العدالة الانتقالية كلها أولويات لا بد أن تؤخذ على محمل الجد عند أيّ إمكانية لانتقال فعلي إلى السلام في اليمن”.
وبحسب خبراء تنطوي أهداف المؤتمر المعلنة والخفية على أجندة سياسية تسعى لخلط الأوراق في المشهد اليمني خلال منعطف حاسم، عبر المساواة بين التحالف والميليشيات الحوثية، وإظهار قيادة الشرعية اليمنية كطرف تابع منزوع الإرادة السياسية، وهو ما يصبّ في نهاية المطاف في صالح الحوثيين ويخفف عنهم الضغط الدولي المتزايد، من خلال الزج بأسماء قيادات سياسية يمنية كانت أو ما تزال محسوبة على الشرعية اليمنية لتعزيز هذا الخطاب الملتبس وتكريسه في المحافل الدولية الغربية التي باتت في الآونة الأخيرة تبعث برسائل أكثر وضوحا حول تحميل الجماعة الحوثية المدعومة من إيران مسؤولية تعثر المسار السياسي في الأزمة اليمنية.
وفي تصريح لـ”العرب” وصف عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات المؤتمر بأنه مؤشر على ازدياد وتيرة التخادم الإخواني الحوثي المدفوع إقليميا الذي عمل منذ 2017 على تمكين الحوثيين من السيطرة وعرقلة الحرب ضدهم عبر استيلاء الإخوان على مفاصل القرار العسكري والسياسي للشرعية، لافتا إلى أن هذا التخادم انتقل إلى إطارات أوسع مع انتقال السلطة الشرعية إلى مجلس القيادة الرئاسي في أبريل العام الماضي خاصة وأن النفوذ الإخواني تقلص من حينها وينتقل من السيطرة المطلقة على القرار إلى الشراكة مع بقية المكونات السياسية والعسكرية.
وقال مصطفى إن المؤتمر الذي يعقد في واشنطن يظهر شكليا من خلال العنوان أنه يسعى لنقاش تحقيق السلام في اليمن إلا أن أسماء المتحدثين فيه والمنظمين له تذهب إلى أن المؤتمر موجه خصيصا للهجوم على دول التحالف العربي ومجلس القيادة الرئاسي للمزيد من الضغط الذي يراد منه في هذا التوقيت القبول بشروط الحوثيين لتمديد الهدنة المنتهية التي سبق أن وصفها المجتمع الدولي بالتعجيزية وغير المقبولة.
وأضاف “سنلاحظ أن كلا من مؤسسة توكل كرمان ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي هما كيانان أنشئا بدعم إقليمي خصيصا لمهاجمة البلدان العربية التي لديها مواقف من الإخوان المسلمين كالسعودية والإمارات ومصر، لذا فالمؤتمر يحمل دوافع سياسية عدوانية تجاه دول التحالف العربي ويرتبط مباشرة بأهداف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المتقارب مع إيران وميليشياتها في المنطقة ضمن إطار تخادم بينهما أثبتت تسريبات سابقة عن لقاءات تنظيم الإخوان بفيلق القدس أن الدعم الإيراني للإخوان يأتي على حساب تسليمهم اليمن للحوثيين، لكن الأرجح أن هذا الجهد في واشنطن من قبل الإخوان وداعميهم الإقليميين لن يكون له أثر سياسي وسيكتفى باستغلاله في إثارة زوابع إعلامية عبر المنصات التي تخدم المشروع الإخواني الإيراني في المنطقة”.
وبرز النشاط السياسي والإعلامي لـ”خلية مسقط” اليمنية في العام 2017 بعد إنهاء مشاركة الدوحة في التحالف العربي، حيث عملت على خلق تحالف غير معلن مع سلطنة عمان على قاعدة التنسيق المشترك لتلبية أجندة الطرفين في الملف اليمني، وإنشاء تيار جديد عابر للتحالفات السياسية التقليدية يضم شخصيات سياسية وإعلامية وعسكرية يمنية من مختلف التوجهات تم استقطابها بهدف تصدير خطاب جديد يربك المشهد اليمني عبر تأجيج الصراعات داخل معسكر المناوئين للحوثي، واستهداف التحالف العربي الداعم للشرعية.
ووفقا لمصادر “العرب” التي كانت أول من كشف عن نشاط “خلية مسقط” فقد تحملت الدوحة الأعباء المالية لنشاط هذه الخلية وتحركاتها، فيما وفرت لها السلطات العمانية الملاذ الآمن والدعم اللوجيستي والتقريب بينها وبين المشروع الحوثي.
من جهته اعتبر الباحث السياسي اليمني عبدالله السنامي أن مؤتمر واشنطن حول اليمن، الذي عقد تحت عنوان “نحو سلام وديمقراطية مستدامين في اليمن”، خروج علني لأنشطة ما يعرف بـ”خلية مسقط” العمانية – القطرية، بهدف تأجيج إدامة الصراع في اليمن، مشيرا إلى أن انعقاده بزخم أميركي يبرز دور قطر وحلفائها الإخوان المسلمين في استغلال واضح للإدارة الديمقراطية، إضافة إلى كونه طعنا في الجهود الإقليمية “الخليجية تحديداً” الهادفة إلى إيجاد توافق شامل في اليمن.
ولفت السنامي إلى أن هذا المؤتمر يؤجج الصراع أكثر ولا يشير إطلاقا إلى السلام المزعوم في اليمن، كما أن توقيته يكشف عن النوايا السيئة لهذه الخلية ومن يدعمها، حيث يمثل مؤشرا واضحا على مواصلة دعم الانقسام خصوصا في جبهة الشرعية.
وتابع “السلام في اليمن خلال هذا العام 2023 بات أقرب من أيّ وقت مضى، لاسيما مع قبول جميع الأطراف المتصارعة بالهدنة، واستمرارها رغم عدم موافقة الحوثيين، والجهود الحثيثة للمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، واللقاءات المتعددة محليا وإقليميا، إلا أن ‘خلية مسقط’ أدركت أن السلام على بعد خطوة فقط، لتسارع إلى إحياء نفسها بلافتة ناعمة دأبت عليها قطر في إنعاش حلفائها، متناسية معاناة الشعب اليمني الذي بات يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ومع ذلك تُصر ‘خلية مسقط’ العمانية – القطرية على المضي قدماً في تغذية الصراع وإدامة الحرب وتداعياتها الإنسانية المؤلمة”.