كريتر نت – متابعات
فتح توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرد “السريع والقوي” على عمليتيْ القدس، اللتين قتل فيهما إسرائيليون على يد فلسطينيين ردّا على أحداث جنين، باب التأويلات بشأن الخطوات الممكن اتخاذها. ويقول مراقبون إن تل أبيب ستسعى للرد عبر إجراءات ميدانية دون المخاطرة بشن عملية عسكرية كبرى يتوقع على نطاق واسع أن تكون شرارة لانتفاضة فلسطينية ثالثة.
وتفتح عمليتا القدس، اللتان قتل فيهما سبعة إسرائيليين وأصيب آخرون، باب التصعيد وتثيران تساؤلات بشأن دلالات تنفيذهما وسيناريوهات ردّ تل أبيب بعد أن توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرد سريعا.
ولم تمض 48 ساعة على مقتل 9 فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، حتى قتل السبت 7 إسرائيليين وأصيب آخرون في عمليتي إطلاق نار بمدينة القدس نفذهما فلسطينيان، ضمن موجة التوتر المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية.
ويرى خبراء فلسطينيون أن من دلالات عمليتي القدس إمكانية الوصول إلى أهداف إسرائيلية والرد على عمليات تل أبيب وإيقاع قتلى بأقل الإمكانيات، ما يؤشر على فشل العمليات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
ويقول الخبراء إن سيناريوهات عديدة متوقعة للرد الإسرائيلي تتراوح بين الإجراءات الميدانية بالتضييق على الفلسطينيين، والتعجيل بطرح قوانين في الكنيست، وخاصة ما يسمى “قانون الإعدام للأسرى”، أو تعزيز الاستيطان وإطلاق يد الجيش.
ومساء الجمعة قتل 8 أشخاص من بينهم منفذ العملية وأصيب 6 آخرون على الأقل في إطلاق نار أمام كنيس يهودي، في مستوطنة النبي يعقوب قرب بلدة بيت حنينا.
كما أصيب السبت مستوطنان إسرائيليان، أحدهما بجراح خطيرة، في إطلاق نار قرب مستوطنة في حي سلوان بالقدس الشرقية، بحسب إعلام عبري رسمي. ووقعت العمليتان غداة مقتل 9 فلسطينيين في عملية نفذها الجيش الإسرائيلي الخميس بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية.
القوة لا تمنع العمليات
يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي صالح النعامي إن أبرز دلالات عمليتي القدس “فشل الإجراءات العسكرية الإسرائيلية -مهما بلغت من القوة- في منع استهداف الإسرائيليين”. ويضيف “جاءت العمليتان في ظل نشر قوات إضافية للجيش، وفي أوج الاستنفار الإسرائيلي وفي منطقة خاضعة لسيطرته ولا وجود للسلطة الفلسطينية فيها”.
وتابع أن “طابع العمليتين فردي وبالتالي لا يمكن للاستخبارات الحصول على معلومات مسبقة لمنعهما، وليست هناك بنية تنظيمية يمكن استهدافها إما استباقيا أو كردة فعل”.
وعن سيناريوهات الرد الإسرائيلي في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يرى النعامي أن الرد يتأثر بثلاثة عوامل: الحضور القوي لليمين الإسرائيلي في الحكومة، وتأثير العمليتين على الرأي العام الإسرائيلي، وتوجهات البيئة الدولية.
وقال إن “وجود اليمين داخل الحكومة الإسرائيلية يساعده في فرض المزيد من التوسع الاستيطاني بالضفة وإضفاء شرعية على بؤر استيطانية توصف بأنها غير قانونية”.
وإضافة إلى سيناريو تعزيز الاستيطان يقول الخبير الفلسطيني إن المنطقة “ج”، التي تشكل قرابة 60 في المئة من الضفة وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، قد تشهد “تغولا إسرائيليا وتدمير الوجود الفلسطيني فيها”، لاسيما منطقة الخان الأحمر المقرر إخلاؤها شرقي القدس، ومسافر يطا (جنوب) ومنطقة الأغوار (شمال).
ووفق اتفاقية “أوسلو 2” لعام 1995، قسمت أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، إضافة إلى المنطقة “ج”.
خيارات الرد الإسرائيلي
عن سيناريوهات الميدان قال النعامي إن من الخيارات المطروحة “تطبيق خطة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الهادفة إلى تغيير أوامر إطلاق النار بما يمنح حرية مطلقة لعناصر الشرطة والجيش في استهداف الفلسطينيين، مع منح حصانة للجنود في قتل الفلسطينيين، وإعفائهم من المحاكمة على أفعالهم”.
ورأى أن “نشر أي قوات جديدة لن يمنع العمليات، لكن في نفس الوقت يتوقع المزيد من الإجراءات وخاصة تقييد حركة الفلسطينيين في الضفة وعزل مناطق عن بعضها البعض”.
وعلى الصعيد التشريعي قال النعامي إن “قانون الإعدام” الذي يستهدف أسرى فلسطينيين قتلوا إسرائيليين قد يعود إلى الواجهة مجددا، رغم معارضته من الدوائر الأمنية.
سيناريوهات عديدة متوقعة للرد الإسرائيلي تتراوح بين الإجراءات الميدانية بالتضييق على الفلسطينيين، والتعجيل بطرح قوانين في الكنيست
وبدوره يقول المحلل السياسي الفلسطيني سامر عنبتاوي، إن ما قامت به الحكومة الإسرائيلية في جنين و”ذهابها إلى مربع الأمن بالعنف والتهديدات كانت نتيجته ما حصل في القدس”.
وأضاف “بعد شهداء جنين كان من المتوقع حصول ردود فعل فلسطينية بمستوى الأحداث التي حصلت، في دلالة على أن القمع لن يثني الشعب الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال”.
ويرى عنبتاوي أن عملية القدس الجمعة كانت “نوعية وأثرت بشكل كبير على خطط وتوجهات الحكومة الإسرائيلية، وأعادت الحسابات داخل المنظومة الأمنية والسياسية في ما يتعلق بالمستقبل”.
وخلص إلى أن أهم دلالة لأحداث الساعات الأخيرة هي أن “التصعيد الإسرائيلي يقابله موقف نضالي وتصعيد فلسطيني”.
ويقول مراقبون إنه توجد ثلاثة خيارات أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي اجتمع عقب عمليتي القدس هي: استمرار مداهمة مناطق الضفة والمواجهات بنفس الوتيرة، أو محاولة تحسين العلاقة مع السلطة وعدم الذهاب إلى التصعيد مع محاولة التهدئة، أما الخيار الثالث فهو “الذهاب إلى أعلى مراحل التصعيد بدخول مواجهات عنيفة في كل المنطقة، وتنفيذ المخططات الإسرائيلية واستدراج المزيد من العمليات الفلسطينية”.
ويرى المحلل الفلسطيني عنبتاوي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي يعيش حصارا سياسيا داخل حكومته من متطرفيها، ومعارضة متصاعدة خارجها، إضافة إلى عدم الرضا الدولي عن حكومته- “سيحاول الخروج من المأزق، لكن الأمور ستتفاقم أكثر في الداخل الإسرائيلي، وستشهد حكومته المزيد من الحصار والعزلة”.
لا وجود لبنك أهداف
يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي هاني أبواسباع، إن ما يجري في القدس وإسرائيل والضفة “رد طبيعي على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة”.
ويضيف “في الوقت الذي أزالت فيه إسرائيل القفازات عن يد الجيش، أزال الجانب الفلسطيني القفازات عن أيدي المقاومين، مع دعم محدود من السلطة بوقف التنسيق الأمني ودعم كبير ومساندة من غزة”. والخميس أعلنت القيادة الفلسطينية عقب اجتماع طارئ لها في رام الله وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفق بيان تلاه المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبوردينة.
وذكر أبواسباع أن “مجلس الوزراء الأمني المصغر ليس له بنك أهداف لإيقاف مثل هذه العمليات، فقد حوصرت السلطة واستفحل البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي دون أن تتوقف المقاومة. القرارات الإسرائيلية لن تكون أكثر من تعزيز الوحدات العسكرية”.
وحذرت صحيفة إسرائيلية السبت من إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة حال قرر المجلس الوزاري الأمني (الكابينت) تنفيذ عملية عسكرية كبرى في مدن الضفة الغربية.
وقال المعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي، في تحليل بعنوان “الاختبار الكبير للكابينت اليميني”، إن عملية “النبي يعقوب هي بلا شك عمل انتقامي” ورد على العملية العسكرية في جنين التي وصفتها السلطة الفلسطينية بـ”المجزرة”.
وأضاف أن على إسرائيل أن تمنع على الفور المزيد من العمليات مثل هجوم “النبي يعقوب وكذلك الأعمال الانتقامية من اليهود المتطرفين في القدس”. واعتبر بن يشاي أن ذلك ممكن من خلال “إغراق المنطقة بالقوات الإسرائيلية”، مع تجنب تنفيذ عمليات عسكرية كبرى داخل المدن الفلسطينية في الوقت الراهن.
وقال إن الأحداث في جنين والقدس على مدى اليومين الماضيين “يمكنها رفع مستوى العنف الشديد، الذي تم احتواؤه نسبيا في الأشهر الأخيرة، إلى انتفاضة حقيقية تشارك فيها حشود من الفلسطينيين، ومتطرفون يهود”. وشدد على أن المهمة الرئيسية لقوات الأمن الإسرائيلية ستكون منع مثل هذا التصعيد.
ورأى أنه في مواجهة “الذئاب المنفردة” (يقصد الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات من تلقاء أنفسهم دون أي انتماء تنظيمي أو سياسي) “ليس من المتوقع أن تسفر عملية كبرى في المدن الفلسطينية أو في أحياء القدس الشرقية عن نتائج مهمة، وقد تؤدي فقط إلى إذكاء النيران وصولا إلى نشوب انتفاضة”.