كريتر نت – متابعات
تطلق الأمم المتحدة ومجتمع العمل الإنساني في جنيف في 27 فبراير خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي (2023)، سعياً لجمع 4.3 مليار دولار لمساعدة 17.3 مليون شخص الأكثر ضعفًا الذين يحتاجون إلى الدعم الإنساني نتيجة للصراع طويل الأمد والنزوح والتدهور الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب الكوارث الطبيعية المتكرّرة.
وسيحتاج ثلثي سكان اليمن أي 21.6 مليون شخص هذا العام إلى مساعدات إنسانية وخدمات الحماية في ظل الحرب التي اندلعت أواخر مارس عام 2015.
وعلى الرغم من الأموال الضخمة التي تتطلّبها خطة الاستجابة الإنسانية السنوية والتعهدات المعلنة من جانب المانحين خلال الأعوام الماضية، إلا أن الفجوة التمويلية الكبيرة تظل هي المشكلة الأكبر التي تواجه العمل الإنساني في اليمن، إذ أنه مع نهاية كل خطة لا يقدّم المانحون سوى نصف التمويل المطلوب فقط!
ويعتقد قطاع واسع من اليمنيين أنه على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات سنوياً على تنفيذ الخطة الأممية، إلا أنه لا يبدو أن لها أثراً إيجابياً سواءً في الجانب الإنساني أو الاقتصادي، إذ يظل اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم مع تزايد معدّلات الفقر والبطالة وتردّي الخدمات الاجتماعية عاماً بعد آخر.
ويرى مراقبون أن جزءً كبيراً من الأموال التي يتم جمعها للإنفاق على العمل الإنساني في قطاعات الصحة والحماية والأمن الغذائي والزراعة والمياه والصرف الصحي والنظافة والتغذية والتعليم والمأوى واحتياجات النازحين واللاجئين والمهاجرين، يذهب لتغطية بنود الأجور والرواتب الكبيرة والتنقّلات والرحلات والنفقات التشغيلية لموظّفي الأمم المتحدة ومنظّماتها ومكاتبها.
ويشتكي اليمنيون وخاصةً في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية من تحويل وجهة المساعدات الإنسانية والغذائية إلى غير مستحقّيها، وتدخّلها عبر منظّمات محلية تابعة لهم في عملية الإغاثة وتوزيعها عبر أسماء بعينها أو كشوفات وهمية، لتجد المساعدات طريقها في النهاية للبيع في السوق السوداء.
ويرجّح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن أن تظل الاحتياجات الإنسانية ثابتة في 2023 وأن تنخفض قدرة السكان الضعفاء على الصمود نتيجة للانهيار المستمر للخدمات الأساسية وهشاشة الاقتصاد اليمني بسبب عدم استقرار الاقتصاد الكلّي وانخفاض قيمة الريال اليمني.
ويشدّد على أهمية “العمل عن كثب مع شركاء التنمية لمنع انهيار أوسع للخدمات الأساسية والظروف الاقتصادية التي من شأنها أن تزيد من تفاقم الحالة الإنسانية الأليمة”.
وأشار في تقرير إلى أن اليمن حالياً “لا يشهد هجمات عسكرية واسعة النطاق، ولا يستفيد من سلام رسمي خلال الهدنة التي استمرّت في الفترة من 2 أبريل إلى 2 أكتوبر.. كما انخفض النزوح المرتبط بالنزاع بنسبة 76%”.
وأضاف “في الوقت نفسه، زاد عدد ضحايا الألغام الأرضية والمتفجّرات من مخلّفات الحرب، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة بنسبة 160%، واستمرّت الخدمات الأساسية والاقتصاد في التدهور.. ارتفعت تكلفة سلة الحد الأدنى من نفقات الأسرة بأكثر من 50% في غضون عام واحد”.
وبعد أكثر من ثماني سنوات من الصراع، يعاني ملايين الأشخاص في اليمن من الآثار المعقّدة للعنف والأزمة الاقتصادية المستمرة ونقص التمويل الحاد، ما أدّى إلى ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي ونقص الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وفي غياب تسوية سياسية شاملة، من المتوقّع أن يظل النزوح المستمر والوضع الاقتصادي وانعدام قدرة مؤسّسات الدولة محرّكاً رئيسياً للاحتياجات. وهناك ما يقدّر بنحو 4.5 مليون شخص أي 14% من السكان مشرّدون حالياً، وقد نزح معظمهم عدّة مرات على مدى عدد من السنوات.
ويعيش العديد من النازحين داخلياً الأكثر ضعفًا في مناطق معرّضة للفيضانات أو ملاجئ غير كافية، ما يعرّضهم لخطر زيادة الاحتياجات والنزوح. ومع استمرار النزوح المطوّل حتى مع انخفاض معدّلات النزوح الجديد يبقى اليمن من بين أكبر ست حالات نزوح داخلي في العالم.
ولفت التقرير إلى أن وصول المساعدات الإنسانية في اليمن “لا يزال يمثّل تحدياً، فمعظم حوادث الوصول مدفوعة بالعوائق البيروقراطية، وخاصةً التأخير في الحركة”.
وفي إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي قال منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية وخدمات الحماية بأنحاء اليمن خلال عام 2023، سيصل إلى 21.6 مليون شخص.
وأضاف أن العدد على الرغم من ضخامته، لا ينقل واقع معاناة اليمنيين متحدّثاً عن الاختيارات المستحيلة التي يضطّر الآباء والأمهات إلى اتخاذها لتأمين الطعام لأبنائهم، والآمال المتلاشية عاماً بعد الآخر لأسر تتوق للعودة إلى ديارها، والمخاطر التي يتعرّض لها اليمنيون وخاصةً النساء والفتيات أثناء القيام بأعمال بسيطة مثل السير إلى المدرسة أو جلب الماء.
وحثّ المسؤول الأممي المجتمع الدولي على مواصلة مساعدة الشعب اليمني من خلال دعم النداء الإنساني الجديد وتضييق فجوات التمويل للبرامج المنقذة للحياة.
وأكد أن الوكالات والمنظّمات الإنسانية ستواصل عملها لتعزيز عمليات الإغاثة، ويشمل ذلك مضاعفة التواصل مع كل أطراف الصراع لإزالة العوائق، وتعزيز آليات المراقبة والمساءلة.
وتحدّث غريفيث الذي تولى سابقاً مهمة المبعوث الأممي لليمن، عن العقبات التي تعيق توصيل المساعدات إلى اليمن. وقال إن العام الماضي شهد وقوع نحو 10 حوادث ذات صلة يومياً.
وأبدى غريفيث قلقه بشكل خاص إزاء الفرض الصارم لضرورة وجود “المحرم” وخاصةً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وقال إن هذا القيد يمنع عاملات الإغاثة اليمنيات من التنقّل والسفر بدون محرم، داخل وخارج اليمن.
وأضاف أن هذا الأمر يقوّض عمل موظّفي الإغاثة ويحد من المشاركة الاجتماعية والاقتصادية للعاملات في المجال الإنساني، كما يعيق التوصيل الفعّال للمساعدة للمحتاجين إليها.
وعلى الرغم من التواصل المستمر مع الحوثيين وتعهدهم بإيجاد حلول، قال غريفيث إنه لم يشهد أي تغيّر ملموس بل على العكس زاد الوضع ترسّخاً وانتشاراً.
وأشار منسّق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة إلى ما وصفه بالتوتّر الاقتصادي المتزايد بين الأطراف خلال الأشهر الماضية، وما رافقه من عقبات ضارة محتملة على الشعب اليمني وعمليات الإغاثة. وحثّ الأطراف على فعل كل ما يمكن لتجنّب أي أعمال من شأنها زيادة زعزعة الاستقرار أو التأثير سلباً على الاحتياجات والاستجابة الإنسانية، كما دعا المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لدعم الاقتصاد اليمني واستعادة الخدمات الأساسية.