يحيي النظام الإيراني الذكرى السنوية الأربعين للثورة الإيرانية التي قامت يوم 11 فبراير/شباط 1979، فما هو حال الشعب الإيراني بعد 4 عقود على حكم نظام ولاية الفقيه للبلاد التي تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز، ورابع أكبر احتياطي من النفط الخام على مستوى العالم؟ يعيش الشعب الإيراني حالة من الاحتقان خلال السنوات الماضية يمكن أن تنفجر في أي لحظة، معلنة ثورة جديدة ضد النظام الحالي، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والاقتصادية والفساد المستشري في البلاد، بالإضافة إلى قمع الحريات.
فبعد 40 سنة على حكم الملالي، يشهد الاقتصاد الإيراني انهيارًا متواصلًا، وتراجعًا حادًا في الناتج القومي الإجمالي لإيران بنسبة 47.9% خلال العشرين سنة الأخيرة، حسب مقارنة أجراها صندوق النقد الدولي على أبرز اقتصادات دول المنطقة بين عامي 1990 و2019، إذ كان الناتج القومي الإجمالي لإيران في عام 1990 قرابة 575 مليار دولار، وتراجع في 2019 ليصل إلى 333 مليار دولار.
كما شهد عام 2018 ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات التضخم في البلاد جراء الانهيار الذي لحق بالريال الإيراني الذي فقد حوالي 400% من قيمته، الأمر الذي جعل مدخرات البلاد تصل إلى الصفر، حسب ما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة أمام البرلمان الإيراني خلال استعراض مشروع موازنة البلاد للعام الفارسي الجديد.
الانهيار المتواصل للاقتصاد الإيراني، مع استمرار فشل النظام في إيجاد حلول عملية لتنميته، في ظل توقع صندوق النقد الدولي مزيد من النمو السلبي للاقتصاد الإيراني بنسبة 3.6% في عام 2019، بعد أن كان 1.5% في العام الماضي، انعكس بشكل سلبي على المجتمع المحلي، الذي يشهد زيادة في نسب البطالة الجماعية لتطال أكثر من 1,2 مليون مواطن إيراني في كل عام، مما يعني زيادة عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر من سكانه ليصل عددهم حاليًا إلى أربعين مليون إيراني؛ أي ما يعادل 50% من عدد سكان إيران البالغ 80 مليونًا.
وكشف تقرير صادر عن مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني، مؤخرًا، أن الوضع الاقتصادي المتردي أدى إلى هبوط مستوى معيشة آلاف الأسر الإيرانية إلى ما دون خط الفقر، بناءً على دخولهم الشهرية، إذ ارتفع خط الفقر بالنسبة لأسرة مكونة من 4 أفراد إلى 27 مليون ريال إيراني (650 دولارًا) شهريًا، خلال الربع الثالث من العام الماضي، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 22% عن مثيله خلال الفترة ذاتها من العام السابق.
وكأمر طبيعي لانعكاس حالة الفقر في البلاد، فإن معدلات موت الأطفال ارتفعت، إذ هناك أكثر من 10 آلاف طفل يموتون سنويًا بسبب سوء الأحوال الاقتصادية في إيران، فمن بين كل 1000 حالة ولادة، يموت 8.27 من المواليد بسبب الفقر.
ونظرًا لولادة نحو مليون و400 ألف طفل سنويًا في إيران، فإن أكثر من 10 آلاف طفل يموتون لهذا السبب، حسب إحصائيات وزارة الصحة الإيرانية.
أما على مستوى الحريات واحترام حقوق الإنسان، فتعتبر الانتهاكات والقمع وعدم احترام الحقوق سياسات ممنهجة لنظام الملالي، الأمر الذي جعل إيران من أسوأ الدول حسب المؤشر العالمي لجودة الحياة لمنتصف عام 2018، الصادر عن مؤسسة “نامبيو”، إذ تحتل إيران المرتبة 64 من أصل 66 دولة.
وحسب المؤشر العالمي للعبودية في 2018، الذي أصدرته مؤسسة ووك فري، فإن حوالي مليون و289 ألف شخص (أو 16.24 لكل ألف شخص من سكان إيران) يعيشون في عبودية حديثة، كما أن 63.3 لكل 100 شخص يتعرضون للعبودية، إذ جاءت إيران في قائمة العشر دول الأكثر عبودية في العالم حسب المؤشر.
وكشفت وثائق سربت إلى منظمة مراسلون بلا حدود أن الحكومة الإيرانية احتجزت 61900 سجين سياسي منذ الثمانينيات، تتراوح أعمار أكثر من 500 منهم بين 15 و18 سنة، كما اعتقلت أو سجنت أو أعدمت 860 صحفيًا على الأقل خلال 30 عامًا بين الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى عام 2009.
وتصنف إيران من أكثر دول العالم تطبيقًا لأحكام الإعدام، إذ نفذت 86 حالة إعدام بحق نساء وفتيات خلال الولاية الأولى ومستهل الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني بين عامي 2013 و2018، كما سجلت نحو 223 حالة إعدام حتى مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وتعتبر المرأة الإيرانية الأكثر اضطهادًا في البلاد، وتعيش في حالة استبداد وقمع مستمرين من السلطات الإيرانية منذ قيام الثورة إلى اليوم؛ إذ لم يصادق مجلس الشورى الإيراني حتى الآن على قانون منع العنف ضد المرأة منذ طرحه قبل 8 سنوات، وذلك من أجل التبني العاجل لمشروع حظر الزواج للفتيات دون 13 سنة، والذي لم يتوصل بعد إلى نتيجة نهائية، مع أن الإحصائيات الحكومية تظهر -حسب ما نقلت لجنة المرأة في المجلس الوطني للمقاومة- أن هناك ما يقارب 24 ألف أرملة دون سن الثامنة عشر في إيران، كما أن العنف المنزلي ضد النساء قد ارتفع بنسبة 20% خلال العام الماضي. وشهد عام 2017 وحده ما يقارب 4992 حالة انتحار في إيران، وتشكل النساء ثلثي هذه الحالات، حسب تصريح مصدر مسؤول في النظام الإيراني، أي أن أكثر من 3300 امرأة إيرانية انتحرن في العام ذاته، وهو ما يعادل 9 حالات انتحار من نساء في اليوم.
وتعود حالات الاﻧﺘﺤﺎر بين صفوف النساء ﻓﻲ إﻳﺮان إلى أسباب كثيرة؛ منها اﻟﻀﻐﻮط ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء والفتيات الإيرانيات وخلق العراقيل العديدة لتوظيف النساء وأنشطتهن الاجتماعية، إذ وصل عدد العاطلات عن العمل إلى أكثر من مليون و37 ألف سيدة، بزيادة قدرها 25% منذ 7 سنوات، بحسب ما أعلن مركز الإحصاء والمعلومات الإستراتيجية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية مؤخرًا. في المحصلة، يمكن التنبؤ بأن استمرار تواصل انهيار الاقتصاد الإيراني يعني زيادة الأوضاع المأساوية على الشعب الإيراني، خصوصًا في ظل استمرار سياسة نظام ولاية الفقيه في إدارة موارد البلاد، إذ يركز قادة النظام على تنفيذ أجندتهم الخارجية لتحقيق حلم تصدير الثورة وتوسيع نفوذهم في دول المنطقة، وهو الأمر الذي يكلف خزائن الدولة مليارات الدولارات سنويًا؛ إذ أشارت تقارير سابقة إلى أن تكلفة دعم النظام الإيراني لنظام بشار الأسد في سوريا لمواجهة الثورة الشعبية التي تريد الإطاحة به تكلف طهران 15 مليار دولار سنويًا، وفي الوقت ذاته تخصص لحزب الله وحده مليار دولار سنويًا للحفاظ على بقائه واستمراره فاعلًا على الساحتين اللبنانية والعربية، بالإضافة إلى دعم الميليشيات والأحزاب العراقية الموالية لها بما يقدر بنحو 150 مليون دولار سنويًا، فضلًا عن دعم ميليشيا الحوثي في اليمن بمئات الملايين من الدولارات سنويًا.
وعند الحديث عن إنفاقات الحكومة على الميليشيات الموالية في الخارج، لا بد من التطرق إلى الحرس الثوري الإيراني الذي يدير -ويشرف على- هذه الميليشيات، فالحرس الثوري يسيطر على سدس موازنة الدولة، إذ يحصل على أكثر من 12 مليار دولار سنويًا، فضلًا عما يحصل عليه بدخوله شريكًا مع المستثمرين الأجانب في معظم المشروعات الجديدة، وانتشاره في معظم قطاعات الإنتاج، وامتلاكه مجموعة مؤسسات اقتصادية عابرة للحدود ناشطة في الكثير من دول العالم.
المصدر : اليوم الثامن