حسن المصطفى
“إن هذا الصرح يمثل رفضاً لنظرية مسؤولية الدين عن الحروب والكراهية، وتفنيداً لهذه التهمة التي ألصقت بالدين. وإن واجب الوقت يحتّم على رجال الدين العودة إلى نصوصهم الدينية وتراثهم، ليستمدوا أسساً متينة للتسامح، ونماذج مضيئة يسهم إحياؤها في إرساء قيمه في نفوس أتباعهم”.
النصُ أعلاه حول “بيت العائلة الإبراهيمية”، هو للأمين العام لـ”منتدى أبو ظبي للسلم” الشيخ المحفوظ بن بيه، وفيه يشير إلى فكرة رئيسة وهي: رفض استخدام الدين أداة في الحروب بين البشر، كون هذه الحروب هي نتاج صراعات مادية على القوة والنفوذ والغلبة والتمدد، استعمل فيها المتحاربون طوال التاريخ أدوات مشروعة وغير مشروعة، من دون وضع اعتبار للقيم الأخلاقية في كثير من الصراعات الدموية، وكان حضور الدين فيها كواحدة من الأدوات التي استخدمها الساسة والمتخاصمون، من أجل الحشد والتأثير في الناس؛ أي أن الدين، رغم إظهاره من جانب هؤلاء النفر وكأنه المحرك نحو القتال والبطش، إلا أنه كان ورقة من يتقن الإمساك بها، تكون له الغلبة في كثير من الأحيان.
من هنا، فالكراهيات والعصبيات التي نتجت بسبب هذه “الحروب الدينية” يجب العمل على علاجها بسُبلٍ متنوعة، ومشاريع عملية غير تقليدية، ويأتي “بيت العائلة الإبراهيمية” في الإمارات العربية المتحدة، ليقدم نموذجاً مناقضاً لـ”الصراع”، عبر فكرة العودة إلى “الجذر”، إلى أصل تلك الديانات الثلاث: الإسلام، المسيحية، اليهودية… كي يكون التجاور لا التنافر هو السائد.
المحفوظ بن بيه، وفي تغريدة أخرى، أشار إلى الفكرة أعلاه حول “الأصل”، قائلاً: “نحن أبناء العائلة الإبراهيمية الكريمة نتشارك في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق، التي تؤسس للسلام والتعايش بين مختلف الشعوب”.
هذا البحث عن القيم المشتركة، التي هي ليست مجرد أخلاقيات دينية بل كونية، يمكن أن يساهم في التخفيف من ثقافة الصدام والعنصرية، ويدفع نحو تدوير الزوايا، والنظر إلى الأديان من منظار التلاقي لا التضاد، وهو ما أكده أيضاً مدير “جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية” د. خليفة الظاهري، الذي رأى أن “بيت العائلة الإبراهيمية” هو “مشروع إنساني وحضاري، يدعو إلى تفعيل المشترك الإنساني بين الأديان، وتجاوز منطق الجدل إلى منطق المحبة والتعاون بين بني البشر”.
إشكالية المتعصبين من أرباب الأديان والعقائد، هي استغراقهم في الجدليات، واستحكام منطق المناكفات الكلامية، والنقاشات التي لا توصل إلى نقاطِ تفاهم، إنما يبحث فيها كل فريق على مواضع الضعف لدى الآخر، ليثبت صوابية فكرته، وبطلان رأي الأديان والمذاهب الأخرى.
هذا التجاور بين الإسلام والمسيحية واليهودية، في “بيت العائلة الإبراهيمية” في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، سيكون بمثابة الدالة الرمزية الشاهدة إلى أن الطريق نحو السلام ممكن، وأن الدين باستطاعة المؤمنين به أن يجعلوه مساحة ومشروعاً للحياة وعمارة الأرض. لذا، فإن النظرة إلى “بيت العائلة الإبراهيمية” يجب أن تتجاوز الخفة التي يتعاطى بها البعض في “وسائل التواصل الاجتماعي”، زاعمين فيها أن هناك ديناً جديداً يجري الترويج له، وكأن هناك رسولاً جديداً سيخرج من هذا “البيت” ويغير ما لدى المسلمين والمسيحيين واليهود من آيات!
هذه الدعاية السلبية السمجة، هي في أساسها نابعة من موقفين: الجهل أولاً، والتسييس ثانياً.
هنالك من المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي، من يستغلون جهل قطاع من الناس، لذا ينشرون الأقاويل غير الصحيحة، ويقدمونها وكأنها حقائق، فيما المتبصر يدركُ أن ثمة فريقاً سياسياً يستخدم الدين من أجل ضرب “بيت العائلة الإبراهيمية”، لأن هذا التيار الحزبي، لا يؤمن بالأفكار التي ترسخ التعددية والحريات الفردية وتكرس سيادة القانون ومدنية الدولة، فمشروع “الإسلام السياسي” قائم على “الخلافة” التي ترى حقانيتها بالحكم لا سواها، لذا نشطت في التصويب على “بيت العائلة الإبراهيمية”، غير مدركة أن هذه النقدانية الموجهة منها، كشفت عن زيف ادعائها بالانفتاح، وأبانت كم هي رافضة للآخر وذات نزعة عصبوية وعنصرية!
عندما يزور الناس “بيت العائلة الإبراهيمية” بداية آذار (مارس) المقبل، وتدور عجلة مشاريعه وبرامجه المتنوعة، سيدرك الكثيرون أن هذا المشروع وجد ليبقى، ويستمر، ويغير التغيير المنغلق؛ فمهمة “البيت” أن يكون حاضرة لجمع العقول والقلوب المؤمنة بالسلام والعيش المشترك.
نقلاً عن “النهار” العربي