حسن خليل
صحفي مصري
واصل حزب العدالة والتنمية المغربي (المصباح)، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، محاولاته الرامية إلى لفت الانتباه، ووجد ضالته المنشودة هذه المرة في مدونة الأحوال الشخصية؛ حيث حوّل الآراء المتباينة حول تعديل قوانين الإرث، إلى ما يشبه اليقين، وشنّ على إثر ذلك حرباً شعواء، ضدّ افتراضات وآراء لم تدخل حيز التنفيذ العملي.
المصباح أدان الدعوات الداعية إلى المناصفة في الإرث واصفاً إياها بالدعوات الشاردة، ووصفها بأنّها “جرأة غير مسبوقة، وأنّها تحدٍّ صارخ للآيات القرآنية الصريحة للمواريث، مصادراً التوصيفات الفقهية المتباينة، واعتبرها آيات قطعية الثبوت والدلالة، ليخلط من جديد بين الديني والسياسي، رغم أنّه الحزب نفسه الذي وقّع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وأقرّ استخدامات القنب الهندي!
معركة وهمية
الأمانة العامة للحزب أصدرت بياناً صادرت فيه أيّ اجتهاد أو رؤية دينية تخالف رأي الإخوان، زاعمة أنّ الإسلام “لا يسمح بأيّ حال بتجاوز هذه الآيات، ولا بالاجتهاد في أمور محسومة”، واعتبر البيان أنّ المخالف لذلك قد خرج عن الدين الإسلامي.
الحزب الإخواني لم ينسَ كعادته تملّق القَصر، واستدعاءه في معركة صنعها وحده، حيث قال البيان: إنّ “الهوية المغربية تتميز بتبوّؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، والتي ما فتئ جلالة الملك حفظه الله، بصفته أميراً للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين، يؤكد عليها في كل مرة”.
البيان زعم أنّ هذه الدعوات “ستؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية، وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري، ووضعه على سكة المجهول، وتمثل تهديداً للاستقرار الوطني المرتبط بما استقر عليه نظام الإرث في المجتمع المغربي، طيلة أزيد من (12) قرناً”.
وكعادته، أحال المصباح الأمر على نظرية المؤامرة، واصفاً الآراء المخالفة بأنّها “تطبيق لأجندات خارجية، وأنّها تحدٍّ صارخ لاستقلال القرار الوطني، وانتهاك فج للسيادة الوطنية؛ لفرض نموذج غريب للأسرة، قائم على الانحلال والصراع والتفكك، وفرض منطق مادي وإباحي فرداني، لا يعير للأسرة القائمة على الزواج الشرعي أيّ اعتبار”. على الرغم من أنّه الحزب ذاته الذي دافع أمينه العام عن زواج القاصرات والأطفال؛ كمخرج للأزمات المادية لبعض الأسر، مدافعاً عن بيع الفتيات لمن يدفع أكثر.
مزايدات رخيصة
من جهته، انتقد محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، موقف حزب العدالة والتنمية، واصفاً بيان الأمانة العامة للمصباح، في تصريحات صحفية، بالغريب والخطير؛ واعتبر أنّ بيان الحزب فيه نوع من التحدي والمخالفة للآيات القرآنية، ولروح الاجتهاد، بالإضافة إلى الخلط القسري بين الدين والسياسة.
رفيقي قال في تصريحاته لموقع “سيت أنفو”: إنّ “هذه المزايدات سياسية ورخيصة”؛ لأنّ فيها الكثير من الشعبوية، والرغبة في التلاعب بعواطف الجماهير لتسجيل أهداف ضد خصوم سياسيين. مؤكداً أنّه ليس من حق الحزب “أن يُزايد، في أيّ حال من الأحوال، على وطنية المخالفين له، ولا أن يتهمهم بخدمة أجندات خارجية”. مضيفاً: “يجب أن يبقى الخلاف بشأن مثل هذه القضايا خلافاً وطنياً، وألّا يخرج عن حدوده الوطنية، وأن يتسم هذا الخلاف بأدب الحوار والاختلاف”.
مؤتمر حقوقي يثير حفيظة الإخوان
وكان منتدى التكافؤ والمساواة (FPE) قد نظم مؤتمراً يوم السبت 25 شباط (فبراير) في تامسنا، بالقرب من العاصمة الرباط، تحت عنوان: “البُعد القانوني والإنساني والاجتماعي لقانون الأسرة”، وقد دار النقاش حول قانون أسرة أكثر عدلاً، يتناسب مع تطور المجتمع والحداثة.
وشدّدت المنسقة الإقليمية للمنتدى حفيظة بن حميدة على أهمية إشراك الجمهور في العمل على إصلاح قانون الأسرة، وذلك في حضور أعضاء المجلس البلدي، وأهالي تامسنا الذين أتوا بأعداد كبيرة للمشاركة.
وبحسب موقع (msn) الإخباري الناطق بالفرنسية، فإنّ الأمر يتعلق بالتوصل إلى إجماع وطني حول هذا الإصلاح، الذي يجب أن يهدف إلى تحديث هذا القانون، الذي يعود تاريخ آخر تعديل له إلى (19) عاماً. لذلك من الضروري العمل على تكييف النص الجديد، مع كل التحولات التي مرّت بالمغرب خلال هذه الفترة، بعد اعتماد دستور 2011، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة.
بدورها، أشارت رئيسة منتدى التكافؤ والمساواة شرفات أفيلال إلى أنّ مناقشات مؤتمر تامسنا ليست سوى بداية رحلة، برمجتها منظمتها كجزء من الدعوة لإصلاح قانون الأسرة. وقالت إنّه منذ الإصلاح الأخير لعام 2004 خضع المغرب للعديد من التحولات، ومن المهم تكييف التشريع معها. مؤكدة أنّه من الأهمية بمكان سد جميع الثغرات والإخفاقات، خاصّة في مسائل الزواج والطلاق، وحماية حقوق المرأة والطفل، بما في ذلك إيجاد حل لمسألة الوصاية القانونية، وإعالة الطفل في حالة الطلاق، مشيرة إلى أنّه من الظلم وغير المنطقي أن توكل حضانة الأطفال إلى المطلقة، بينما الوصاية للأب، وقالت إنّ هذا التناقض هو في الواقع أصل الكثير من الظلم تجاه المطلقات وأطفالهن. مطالبة بإصلاح هذا الوضع؛ لأنّ العديد من الأزواج لا يترددون في إساءة استخدام هذا الحق في الوصاية القانونية للضغط على المطلقات.
رئيسة المنتدى أكدت كذلك أنّه يجب أنّ تؤدي التعديلات، في نهاية المطاف، إلى الحفاظ على حقوق جميع الأطفال، حتى المولودين خارج إطار الزواج؛ لأنّهم لم يفعلوا شيئاً ليصبحوا فريسة سهلة لجميع أنواع الاتجار بالبشر، وجميع الشرور الاجتماعية.
مع وضع حد لزواج القُصّر، وشدّدت على أنّ السن القانوني للزواج، يجب أن يكون (18) عاماً، ولا ينبغي السماح بأيّ استثناءات في هذا الصدد.
وعلى الرغم من الروح الحقوقية للمؤتمر، والحضور الجماهيري، وعدم الصدام مع الدين أو الثوابت، ما يزال إخوان المغرب يتوهمون معارك ويصنعون خصومات وهمية، من أجل فرض رؤيتهم وحدهم، وتملق الجماهير التي لفظتهم في الانتخابات الأخيرة.
المصدر حفريات