هشام النجار
تواجه جماعة الإخوان نفورا عالميا بعد عقد من تسلم السلطة في عدد من الدول، والذي انتهى بالفشل السياسي والاتهامات بدعم التنظيمات المتطرفة، وهو ما يعد أول ملامح أفول تيار الإسلام السياسي.
وانضمت السويد مؤخرًا إلى الدول الأوروبية التي يقرع باحثوها ومفكروها جرس الإنذار محذرين من خطورة تغلغل جماعة الإخوان في المجتمع، وهي الخطوة التي سبقها اتخاذ إجراءات تشريعية وأمنية صارمة حدت من حضور التنظيم ونفوذه في دول أوروبية أخرى.
وأصدر الباحث السويدي مصري المولد سامح إيجبتسون دراسة مفصلة سلطت الضوء على اختراق تنظيم الإخوان للمجتمع السويدي، وسرد أدلة عديدة على اختراق الجماعة العابرة للحدود الكثير من المنظمات والأحزاب السويدية، مثل حزب الوسط وحزب نوانس، والتي تستخدم لحشد الأصوات وتحقيق نفوذ واسع للرابطة الإسلامية واجهة التنظيم في السويد.
تتطابق النقاط التي عدها الباحث السويدي مبررًا كافيًا لاتخاذ إجراءات صارمة ضد نفوذ الإخوان في السويد مع دوافع دول أوروبية سبقت إلى محاصرة أنشطة الجماعة تشريعيًا وأمنيًا، مثل فرنسا والنمسا وغيرهما.
دول في أميركا الجنوبية، تشهد تغلغلا إخوانيا ملحوظا في المجتمع، تخشى أن ينتقل إليها ثقل الإسلاميين
وتتبعت الدراسة، التي نوقشت في جامعة لوند وحضرها العديد من الأكاديميين والإعلاميين، الروابط الأيديولوجية والحركية التي تجمع الإخوان بتيارات السلفية الجهادية، مع تبني الجماعة ظاهريًا خطابًا مخادعًا من أجل خلق جيب للإسلام السياسي في مواجهة المجتمع الليبرالي لفرض السيطرة.
ومهدت الدراسات والأبحاث المشابهة لمفكرين وباحثين غربيين في دول أخرى لاتخاذ إجراءات حظر نشاط جماعة الإخوان وتقليص نفوذها وحرمانها من الهيمنة على الآلاف من الهيئات والمراكز الدعوية والمساجد، من منطلق التيقن من عدم تخلي الجماعة عن أهداف أسلمة أوروبا وإقامة أنظمة قائمة على الشريعة.
ومن المنتظر أن تقود اليقظة البحثية في السويد وغيرها إلى يقظة سياسية وأمنية وتشريعية، لأن أدوات وأهداف التنظيم الدولي للإخوان واحدة في كل دول العالم، ويحرص على أن يكون الممثل الأوحد للمسلمين والسعي لتغيير وضعهم كأقلية وتوسيع نفوذها داخل المجتمع الأوروبي بشكل عام.
ولم تقتصر ردود الفعل العكسية ضد فروع التنظيم الدولي للإخوان على دول أوروبية، بل امتدت إلى دول في أميركا الجنوبية وأفريقيا، ما عكس اتجاها عامًا سلبيًا بالنسبة إلى تيار الإسلام السياسي في جميع قارات العالم.
تعميم لفظ العنف
أكد الإعلان في باراغواي وجزر القمر عن حظر التنظيم الدولي للإخوان وتصنيفه منظمةً إرهابية بوقت متزامن الشهر الماضي أن الظاهرة التي أفرزها وغذاها، باعتباره أحد المصادر الرئيسية للإرهاب والمصدر الأيديولوجي الأول المناهض لقيم الحضارة، تمضي نحو نهايتها.
ولم يمضِ يومان على تصنيف باراغواي جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا بعد مشروع وافقت عليه اللجنة الدائمة للكونغرس، حتى أعلنت وزارة الداخلية في جزر القمر عن قائمة الكيانات الإرهابية وفي مقدمتها جماعة الإخوان بجانب داعش وبوكو حرام من بين 69 كيانًا إرهابيًا.
وتضمنت القائمة تنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية وجماعة أنصار الشريعة في تونس والجماعة الإسلامية المصرية، فضلًا عن الحركات التابعة للشبكات الشيعية، مثل الحوثيين في اليمن وجميع الهياكل المرتبطة بحزب الله.
وتكاد تكون دوافع الإقدام على هذه الخطوة متطابقة في الدولتين، حيث تزامن إصدار تقارير استخباراتية أميركية وأوروبية مع أخرى من أجهزة استخبارات دول أفريقية ودول في أميركا الجنوبية تفترض إمكانية استخدام جزر القمر وباراغواي حديقة خلفية لمختلف التنظيمات الإرهابية.
الساحات غير التقليدية والرديفة في قارات العالم محط أنظار التنظيم الدولي للإخوان بهدف إيجاد موطئ قدم وتوفير ملاذات آمنة جديدة تخفيفًا لضغوط تمارس على الجماعة بساحات نفوذها التقليدية
وتُعد الساحات غير التقليدية والرديفة في قارات العالم محط أنظار التنظيم الدولي للإخوان بهدف إيجاد موطئ قدم وتوفير ملاذات آمنة جديدة تخفيفًا لضغوط تمارس على الجماعة بساحات نفوذها التقليدية في أوروبا وأفريقيا.
وبات من قبيل المجمع عليه بين أجهزة استخبارات العالم ارتباط تنظيم الإخوان بمعظم الجماعات الإرهابية الأخرى، ويلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز حركيتها بوصفه المنظمة الأم لجميع الحركات الإسلامية المتطرفة، وبحكم التشابك الفكري والتنظيمي والمصالح بين مختلف هذه الكيانات.
وعلى ضوء هذا التشابك تخشى الدول الرديفة، مثل باراغواي في أميركا الجنوبية وجزر القمر في أفريقيا، تطوير وتوسيع الحضور الإرهابي في أراضيها باعتبارها عمقًا إستراتيجيًا ومتنفسًا للتنظيم الأم ولحلفائه من تنظيمات السلفية الجهادية.
وجرى التحذير من تصدير خلايا إرهابية إلى الدول الجزرية في المحيط الهندي مثل جزر القمر ومدغشقر وموريشيوس وسيشل، انطلاقا من موزمبيق (المستعمرة البرتغالية السابقة) التي تعد ساحة نفوذ تقليدية لداعش وغيره من التنظيمات المسلحة خاصة بمركز المتطرفين الإسلاميين في إقليم كابو ديلجادو في أقصى شمال البلاد.
التحصين الذاتي
وتخشى دول في أميركا الجنوبية، تشهد تغلغلا إخوانيا ملحوظًا في المجتمع والمؤسسات، أن ينتقل إليها ثقل الإسلاميين بعد الإجراءات القانونية والأمنية التي اتخذت ضد تنظيماتهم وأنشطتهم بعدد كبير من دول أوروبا.
وتدرك مختلف الدول مدى أهمية تحركها واعتمادها على أدواتها الذاتية لتحصين نفسها من خطر التنظيمات الإرهابية بعد تراجع مستويات تدخل القوى الكبرى لمكافحة التمرد الإرهابي في الساحات البعيدة من العالم.
وبعد التجارب الأميركية في أفغانستان والصومال وتجارب فرنسا في دول الساحل الأفريقي والتجارب الكارثية بالشرق الأوسط، أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر جرأة مستفيدة من الدعاية المضادة ضد الغرب ومن زيادة حدة الصراع بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
وترى الدول المهددة بتزايد نفوذ ونشاط تيار الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية حول العالم ضرورة تدارك الكارثة قبل وقوعها وعدم انتظار دعم دولي لن يأتي وإن أتى لن يكون على المستوى المطلوب.
وتجد هذه الدول أنها لكي تلعب دورًا فاعلًا في المجتمع الدولي ينبغي لها تعلّم واستيعاب الدروس في ملف الإرهاب واتخاذ إجراءات شبيهة بما اتخذته دول شرق أوسطية وأوروبية من دون النظر إلى أي إجراء يُتخذ في هذا السياق وكأنه انتقاص من السيادة أو خضوع للقوى الخارجية.
وقال أحد المسؤولين الأمنيين بجزر القمر إن “إعلان قائمة الجماعات والمنظمات الإرهابية وحظر جميع أنشطتها بالبلاد يعكس الرغبة في أن تتماشى مع توجيهات المنظمات الإقليمية والدولية والشركاء الذين يكافحون الأنشطة غير المشروعة لهذه الجماعات الإرهابية”.
ولا تنفصل الخطوة التي اتخذتها كل من باراغواي وجزر القمر عن التصعيد الأوروبي ضد جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي والكيانات التي تروج للكراهية والانفصالية الإسلامية، حتى لا يغير النشاط الإرهابي مواطن استقراره نحو أميركا الجنوبية والقارة الأفريقية.
ونسجت القرارات التي اتخذت في كلا البلدين على المنوال الغربي، بدْءا من وضع نشاطات التنظيم الدولي للإخوان تحت الرقابة المكثفة وتتبع مصادر تمويله وصلاته بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، وصولًا إلى عدم استثناء الجماعة من قرارات حظر النشاط والوضع على قوائم الإرهاب.
النبذ والإفلاس
ينطوي الحظر المتكرر خلال فترات متقاربة من قبل دول تفصل مسافات بعيدة بينها وبين فروع الجماعة وتصنيفها إرهابية على فرضية باتت محط نقاش جدي داخل مراكز البحث الدولية بشأن قرب أفول هذا التيار في العالم بعد أن ظهر إفلاسه على مستوى المنهج والأداء السياسي.
وجرب التنظيم الدولي للإخوان في مختلف دول العالم طوال دورة حياة سياسية دامت قرابة قرن مختلف المناهج والأساليب، بدءا من مزج السياسة بالدعوة والسري بالعلني مرورًا بمهادنة الحكومات والأنظمة وصولًا إلى ممارسة ودعم الإرهاب وليس انتهاءً باستلام السلطة في بعض الدول، ورغم ذلك خرج من مختلف تجاربه صفر اليدين.
وما يعانيه تنظيم الإخوان من نبذ بمختلف دول العالم راجع في المقام الأول إلى عجزه عن تقديم أي جديد أو أي قيمة تسهم في تطوير المجال السياسي والثقافي والاقتصادي والتقني، علاوة على ما جرى تكريسه من قناعات خاصة بأهداف الجماعة المرتبطة بالهيمنة الكاملة والممتدة على السلطة.
وترتبط شيطنة الدول لتنظيم الإخوان والحرص على حظره بالاطلاع الواسع على برامج وسياسات الجماعة العشوائية في الحكم والمعارضة التي أفرزت الحروب الأهلية والصراعات الطائفية وجلبت التدخل الخارجي السلبي في شؤون الدول ومحاولات تغيير أنظمة الحكم فيها وتوتير علاقاتها مع جيرانها.
دول في أميركا الجنوبية تشهد تغلغلا إخوانيا ملحوظًا في المجتمع والمؤسسات وتخشى أن ينتقل إليها ثقل الإسلاميين بعد الإجراءات القانونية والأمنية التي اتخذت ضد تنظيماتهم
وكررت جماعة الإخوان طرح نفس القناعات الدينية والسياسية بمختلف الساحات في قارات العالم؛ سواء فيما يتعلق بقضايا المواطنة أو قضية الحريات العامة وموقع الدين من الحياة العامة والسلطة السياسية.
وبدلًا من تقديم نفسها كحزب سياسي عادي يحتفظ لنفسه بخط وخطاب أيديولوجي ينافس على السلطة بشكل شفاف وواضح، أصرت الجماعة على مخالفة الدساتير المدنية وتفكيك الدول وتأسيس إمبراطوريات عالمية والقبض على روح المجتمعات والهيمنة على مفاصل الحياة العامة.
ولا يشكل هذا التطور تراجعًا فقط لجماعة الإخوان المشتتة والملاحقة بالنبذ والحظر في مختلف دول العالم، حيث تفقد ملاذاتها الآمنة الواحد تلو الآخر، إنما يمثل أيضا تراجعًا لداعميها التقليديين السابقين، الذين وظفوها خلال المرحلة السابقة كأداة لتوسيع رقعة هيمنتهم الدولية والإقليمية.
ومن المرجح أن يستمر نزيف جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي مع استمرار تآكلها التنظيمي وتراجع دعم رعاتها الإقليميين، في مقابل نجاح دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات في التوصل إلى شراكات مع دول أفريقية، واضعة بند مكافحة الإرهاب على قائمة أنشطتها وبرامجها.
وتفضي إجراءات حظر جماعة الإخوان المتعاقبة وتصنيفها إرهابية في دول عدة وصراعاتها الداخلية إلى واقع أكثر تعقيدًا مع انتقال حكومات العالم من الحذر والمراقبة عن بعد إلى المواجهة الشاملة والمباشرة مع التنظيم.
وتفقد الجماعة ما كانت تزعم أنه مزايا لها كجماعة إسلامية غير عنيفة وأنها معترف بها دوليًا وتحظى بحضور معلن بمؤسسات وهيئات الدول عبر نشاطها الدعوي والخيري ما جعلها في الظاهر خلال المرحلة الماضية مختلفة عن داعش والقاعدة.
المصدر العرب اللندنية