كريتر نت – متابعات
وجه الاتحاد العام التونسي للشغل جملة من الرسائل لعل أهمها رفضه المطلق الانخراط مع جبهة الخلاص التي تقودها حركة النهضة في أي تحالف، مشددا على أنه يختلف معها جوهريا من حيث المبادئ والأهداف.
وتبرأ الاتحاد العام التونسي للشغل الثلاثاء من أي تحالف أو تقارب له مع جبهة الخلاص التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، قائلا إن بعض مكوناتها كان ومازال عدوّه. وتسبب حضور قيادات من حركة النهضة في المسيرة الاحتجاجية التي دعا إليها اتحاد الشغل السبت الماضي، وتوجيه أمينه العام نورالدين الطبوبي تحية “لمعتقلي المرناقية”، في إحراج كبيرة للمنظمة الشغيلة خصوصا أمام منظوريها، حيث بدا الأمر مقدمة لتحالف معلن مع الحزب الإسلامي وباقي الطيف السياسي المتحالف معه.
وترفض القاعدة الشعبية للاتحاد أيّ تقارب مع حركة النهضة التي يحملونها المسؤولية الرئيسية في حالة التدهور التي شهدتها البلاد أمنيا واقتصاديا منذ العام 2012. ويرى جزء كبير من منظوري الاتحاد أن الحركة تسعى إلى الاحتماء بالمنظمة الشغيلة من أجل التهرب من المحاسبة، وهي تريد أن يكون أبناء الاتحاد وقودا لمعركتها السياسية مع الرئيس قيس سعيد.
وأعرب الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي عن استغرابه من الهجمة الموجهة إلى الاتحاد إثر قوله في تجمع الرابع من مارس الجاري “تحية لكل المعتقلين السياسيين”، لافتا إلى أن الكلمة أخذت أكثر من حجمها وتغافل مستغلوها عن مضامينها الرامية إلى معنيين أساسيين “التضامن مع من يتقاطع معنا في مواقفنا، لا مع من يدعم أو يتورط في قضايا إرهابية، وثانيا نحن في الاتحاد نحترم قرينة البراءة ونرفض المحاكمات الشعبية”.
وشهدت تونس خلال الفترة الأخيرة حملة إيقافات طالت قيادات من حركة النهضة وقوى متحالفة معها، كانت شاركت في منظومة الحكم السابقة وتقلدت مناصب. وتتعلق الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين والذين جرى إيداع عدد منهم السجن، بالتآمر على أمن الدولة، وبالفساد والثراء غير المشروع، وقد أثارت تحية الطبوبي التي شملت هؤلاء الموقوفين إلى جانب نشطاء ونقابيين جدلا واسعا وسط اتهامات لقيادة المنظمة بدعم جهود الإفلات من المحاسبة.
وانتقد الطبوبي في افتتاح اجتماع المكتب التنفيذي الموسع المنعقد بمدينة الحمامات الساحلية تحضيرا للهيئة الإدارية الطارئة، ما أسماه بإعلام السلطة والمعارضة على حد سواء قائلا “الجميع يحاول رص الاتحاد في صفه وكل السلطات حاولت تقليم أظافر الاتحاد وحتى المعارضة هذه المرة تلوّح بالوعيد للاتحاد لاختلافه في تقييمه عما انتهجته”. وأضاف “نقول لهؤلاء سلطة ومعارضة حذار لا أحد يقلّم أظافر الاتحاد فللنقابيين مخالب لا تقلم!”.
ونفى الطبوبي ما ذهب إليه البعض من قوله تحية للمعتقلين وسحبها نحو معنى تبييض الإرهاب، معتبرا أنه فهم خاطئ ويرفضه الاتحاد، وأن المنظمة ليست في صف أحد وكل مواقفه تعبر عن مبادئه وقناعاته ولا تنبع من معسكر زيد أو عمرو. ومن بين الموقوفين متهمون بالتستر وتعطيل سير التحقيقات في قضية اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد والقيادي القومي محمد البراهمي في العام 2013.
ويرى متابعون أن خروج قيادة الاتحاد ونفيها التحالف أو التقارب مع حركة النهضة وباقي ممثلي جبهة الخلاص هو في جانب منه حرص على عدم قطع خط العودة مع الرئيس قيس سعيد، وأيضا لإدراكها بأن هذا التقارب قد يؤثر أيضا على موقف منظوريها الذين استفزتهم صور قيادات من النهضة في المسيرة الاحتجاجية.
من جهته أكد الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري الثلاثاء أن المنظمة الشغيلة لا يمكن أن تصطف مع جبهة الخلاص التي يختلف معها في المبادئ وفي الأهداف. وأوضح الطاهري في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية أن رسائل المساندة التي وجهها الطبوبي تستهدف “المساجين الأبرياء والنقابيين والمدونين والشباب الذين خرجوا واحتجوا وهي لا تشكل اصطفافا مع أيّ كان خاصة وأن من بين الموقوفين من اعتدى في السابق على الاتحاد ومن دعا إلى سحل قياداته”.
وشدد بالقول “نحن لا نتفق مع جبهة الخلاص والعودة إلى ما قبل 25 جويلية (يوليو) ولن نكون أبدا في التقاء معها لأننا لا نتقاطع معهم لا في المبادئ ولا في الأهداف خاصة وأن بعض مكوناتها كان وما يزال عدوا للاتحاد، لكننا في الآن ذاته لسنا مع مسار متعرج للخامس والعشرين من جويلية (يوليو)”.
ويقول مراقبون إن المواقف الصادرة عن الاتحاد الثلاثاء تشي بأن الأخير يتجه إلى التهدئة مع السلطة السياسية وهو الذي استنزف طاقته في الضغط على الرئيس سعيد الذي أثبت أنه لن يقبل بأيّ عملية ابتزاز. ويشير المراقبون إلى أن الخطوة التصعيدية الوحيدة التي بقيت أمام الاتحاد ولا يريد المضي فيها هي الإضراب الشامل، حيث أن هذه الخطوة ستكون لها في النهاية كلفتها الكبيرة، وبالتالي الأفضل التهدئة حاليا.
وقال الطبوبي إن المنظمة ستستمر في الاشتغال على “مبادرة الإنقاذ” التي يعكف على إعدادها مع باقي المنظمات الوطنية بهدف إخراج البلاد من مناخ التوتر. وأوضح أنه سيقدم المبادرة إلى رئيس الجمهورية قائلا في هذا السياق “نحترم المقامات والمؤسسات وسنتقدم بالمبادرة إلى رئاسة الجمهورية لإخراج البلاد من المناخات المتوترة”.
من جهة أخرى أعلن الاتحاد عن رفضه للحملة التي تتعرض لها تونس في علاقة بالمهاجرين غير القانونيين، والتي من تمظهراتها تعليق البنك الدولي لمناقشاته مع تونس. واعتبر الطاهري، أن قرار البنك الدولي فيه إساءة لتونس وإضرار بمصالحها، مؤكدا رفض اتحاد الشغل لسياسة الابتزاز التي تنتهجها الدول العظمى والجهات المانحة.
وقال الطاهري “هذا ما جنته علينا سياساتنا.. ويجب أن نعلم أن الدول العظمى الرأسمالية تستغل الأزمات، وهي تستغل اليوم وضع تونس كما استغلت وضع البرازيل واليونان لتبتز هذه الدول ونحن ضد سياساتها والقرارات التي تتخذها ولن نصفق ولن نهلل لتعليق البنك الدولي لمناقشاته مع تونس ونعتبره إساءة للبلاد وإضرارا بمصالحها”. وأشار الأمين العام المساعد للاتحاد إلى أن دعوة المنظمة للحوار هدفها الأساسي إخراج البلاد من أزمتها لتنكبّ على العمل ولا تبقى تحت وطأة ابتزاز الدول الغربية والصناديق المانحة.
وكان رئيس مجموعة البنك الدولي قد أعلن الاثنين في بلاغ له أن “البنك قام في الوقت الراهن بتعليق المناقشات بشكل مؤقت حول إطار الشراكة القُطْريّة للبنك الدولي مع تونس، والذي يحدد التوجهات الإستراتيجية لأنشطة العمليات في المدى المتوسط 2023 – 2027″، مشيرا إلى أن الحوار مستمر ومتواصل مع السلطات التونسية وذلك على خلفية ما اعتبره الأحداث الأخيرة في التعاطي مع أزمة الأفارقة جنوب الصحراء.
وأفاد الطاهري أن “معالجة الوضع يتطلب مواصلة توجيه الرسائل الإيجابية والواضحة ومتابعة المبادرات”، مشددا على أن “حل وضعية الهجرة غير النظامية مسألة عاجلة وتونس متضررة منها ولا يجب أن تتحول تونس إلى حديقة خلفية أو حراس حدود لأوروبا”.