كريتر نت – متابعات
عزا مراقبون الإعلان عن شراء إيران لمقاتلات سوخوي – 35 الروسية بعد يوم واحد من التوصل إلى اتفاق لإعادة العلاقات مع السعودية بأنه رسالة مفادها أن الاتفاق لا يخرج عن السياق المعهود إيرانيا، والذي ينظر إلى الاتفاقيات المختلفة على أنها غير ملزمة، ولا تحد من مسار التسلح الذي تسعى وراءه طهران.
يأتي هذا في وقت ينظر فيه كل بلد إلى الاتفاق من زاويته الخاصة، فإيران تسعى من خلال التطبيع مع محيطها الخليجي بشكل يمنع واشنطن من محاصرتها، فيما تتعامل معه السعودية على أنه ضرورة من أجل تهدئة تؤمّن لها مناخا ملائما للتركيز على مشاريعها الكبرى بدل تشتيت الانتباه بحرب اليمن أو بالمعارك الإعلامية والدبلوماسية.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية السبت إن طهران توصلت إلى اتفاق لشراء طائرات مقاتلة متطورة من طراز سوخوي – 35 من روسيا، في توسيع لعلاقة البلدين التي شهدت استخدام طائرات مسيّرة إيرانية الصنع في الحرب الروسية على أوكرانيا.
ونقلت وكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية عن بعثة طهران لدى الأمم المتحدة قولها في نيويورك إن “طائرات سوخوي – 35 المقاتلة مقبولة من الناحية الفنية لإيران وأبرمت إيران عقدا لشرائها”.
ولم يتضمن التقرير أيّ تأكيد روسي للاتفاق كما لم يكشف عن تفاصيله. وقالت البعثة إن إيران استفسرت أيضا عن شراء طائرات عسكرية من عدة دول أخرى لم تكشف النقاب عنها وذلك حسبما أفادت وكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية.
والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في طهران في يوليو الماضي وشدد على أهمية توثيق العلاقات في مواجهة الضغوط الغربية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
واعترفت إيران بإرسال طائرات مسيّرة إلى روسيا لكنها تقول إنها أُرسلت قبل غزو أوكرانيا العام الماضي. وتنفي موسكو استخدام قواتها لطائرات مسيّرة إيرانية الصنع في أوكرانيا، على الرغم من إسقاط العديد منها هناك والعثور على حطامها.
ويمتلك سلاح الجو الإيراني بضع عشرات فقط من الطائرات الهجومية، وهي طائرات روسية وأخرى أميركية متقادمة حصلت عليها قبل الثورة الإيرانية عام 1979.
وفي عام 2018، أعلنت طهران البدء في إنتاج المقاتلة “كوثر” المصممة في البلاد لتستخدمها قواتها الجوية. ويعتقد بعض الخبراء العسكريين أن هذه الطائرة نسخة من مقاتلة من طراز إف – 5 جرى إنتاجها لأول مرة في الولايات المتحدة في الستينات.
ويرى المراقبون أن اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران لم يكن اتفاقا إستراتيجيا يقدر على وقف السباق نحو التسلح بقدر ما كان صيغة للتهدئة بين البلدين، وأن الرياض تعرف مسبقا أن طهران لن تقدم تنازلات في ملفات مهمة مثل السباق نحو التسلح أو الاستمرار في دعم أذرعها والتمكين لها في المنطقة، وأن أكثر ما يمكن أن يفعله الاتفاق أنه يخلق مناخا إيجابيا يشجع على حل في اليمن تكون فيه التنازلات السعودية أكبر من خلال الحوار مع سلطة الحوثيين كأمر واقع والضغط على حلفائها من داخل “الشرعية” للاعتراف بشرعية “أنصارالله”.
ويشير هؤلاء إلى أن تحديد الأكثر ربحا من الاتفاق، بين السعودية وإيران موضوع قابل للنقاش، فإيران تستطيع أن تأمل بعلاقات تعاون اقتصادي مع السعودية ودول المنطقة توفر لها موارد تحتاجها بشدة في مواجهة ضائقة العقوبات، وفي مواجهة اقتصاد يقف على حافة الانهيار، بدلالة التضخم الصاروخي وانهيار العملة المحلية، كما بدلالة التصدعات الكارثية في البنية التحتية بالبلاد.
ولا تحتاج السعودية في هذه الاتفاق سوى أن تواصل نموها الاقتصادي، واستثماراتها الدولية المتزايدة، على خلفية أكثر رسوخا من الأمن والاستقرار. ومثلما أمكن تجاوز تعقيدات العلاقات مع تركيا لتتحول إلى ميدان نفوذ واستثمارات وتعاون وبالتالي رخاء متبادل، فإن إيران نفسها يمكن أن تتحول إلى ميدان مماثل بفضل حاجتها إلى الاستثمارات.
واعتبر الخبير تريتا بارسي من معهد كوينسي، وهو مركز أبحاث أميركي، أن “اتفاق تطبيع العلاقات هو نبأ سار للشرق الأوسط بما أن التوترات بين السعوديين والإيرانيين شكلت محرك انعدام الاستقرار في المنطقة”.
وانقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عام 2016، وهما على طرفَي نقيض في معظم الملفّات الإقليميّة. وكانت دول خليجيّة أخرى خفّضت علاقاتها مع إيران.
ويعتبر بارسي أنه قد تكون للاتفاق انعكاسات إيجابية على لبنان وسوريا والعراق و”ربما الأهمّ، على اليمن”. وتتمتع إيران بنفوذ كبير في اليمن والعراق ولبنان كما أنها تدعم النظام السوري عسكريًا وسياسيًا.
وترى الخبيرة بنفشه كي نوش في معهد الشرق الأوسط، ومقرّه واشنطن، أن هذا الاتفاق قد يساهم “في إعادة التوازن الأساسي للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو ما تمنّته كافة الدول بما في ذلك إسرائيل”.