كريتر نت – متابعات
اتفاقيات تقاسم المياه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة وبينها وبين الأردن من جهة ثانية لم تكن عادلة ومنحت إسرائيل الأفضلية في التمتع بالنسبة الأهم، ومع ذلك فهي لم تكتف بذلك وعمدت إلى استغلال حقوق الفلسطينيين من الماء. كما أن انعدام التكافؤ في الفرص جعل الأردن تحت رحمة الحكومات الإسرائيلية ومزاج قادتها.
ومنحت معاهدات المياه غير المتكافئة إسرائيل استعمارا مريحا للضفة الغربية التي لا يمكن أن تحصل على ما يكفيها من دون رضا تل أبيب، وفي نفس الوقت حوّلت سلاح الماء إلى ورقة تخويف مستمر للأردن، الذي لا يجد أيّ حل لأزمة الماء من دون اللجوء إلى إسرائيل.
وشكّلت اتفاقيات أوسلو أساسا يحدد من يتحكم في المياه في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وكان من المفترض أن تكون هذه الاتفاقيات مؤقتة عند التوقيع عليها في 1993. لكن هذا الإطار استمر لمدة 30 عاما تقريبا. وانتهت الاتفاقات بمنح إسرائيل 80 في المئة من مياه الطبقة الجوفية في الضفة الغربية وترك الباقي للفلسطينيين.
وليس للاتفاق حدود على كمية المياه التي يمكن لإسرائيل أن تستولي عليها. لكنها في المقابل تضع قيودا على كمية المياه التي يمكن للفلسطينيين أخذها. ولم يتمكن الفلسطينيون بعد إبرام هذا الاتفاق من الوصول إلى حد المياه المتفق عليه لأسباب فنية. وهم لا يحصلون سوى على حوالي 14 في المئة من المياه في الخزان الجوفي، وفقا للمجموعة الإسرائيلية التي تبيع المياه الآن.
وتستحوذ شركة المياه الإسرائيلية على غالبية هذا المصدر المشترك للمياه، ثم تبيعه للفلسطينيين، وتوفّر لهم حوالي ضعف المياه المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو، وهو أمر غير كاف على أساس نصيب الفرد الذي يبقى أقل بكثير مما يحصل عليه الإسرائيليون.
◙ استهلاك الفرد للإسرائيلي من المياه كان حوالي 10 أضعاف استهلاك الفلسطيني خلال فترات الجفاف السابقة
يُذكر أن الاتفاقية أسست لجنة مياه مشتركة كان من المفترض أن تكون وسيلة لتنسيق توزيع المياه بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت العضوية فيها متساوية بين الجانبين. لكنها باتت غير متوازنة في هذه المرحلة، وكل قراراتها في خدمة إسرائيل.
ويتهم الفلسطينيون هذه اللجنة بأنها منحازة لإسرائيل، حيث يصعب عليهم تمرير أيّ طلب من خلالها في الوقت المناسب. وهم يشعرون بآثار ذلك على أساس يومي حيث لا تتوفر لهم كميات تكفي من المياه. كما يبقون في حاجة إلى تراخيص في الضفة الغربية (لم يحصلوا عليها) لحفر المزيد من الآبار لسد عجزهم المائي الكبير بينما تواصل القوات الإسرائيلية تدمير الآبار والصهاريج غير المصرح بها.
وعزت زوي روبن، وهي زميلة أبحاث في برنامج فولبرايت في عمّان وتتخصص في قضايا تغير المناخ والمياه، هذا الوضع إلى كون الفلسطينيين لم يتفاوضوا بشكل جيد، وفي نفس الوقت إسرائيل نجحت في تحويل انعدام التكافؤ إلى أمر واقع. وقالت روبن في مقابلة مع موقع عرب ديجيست إن نقطة البداية لم تكن عادلة وإن الفلسطينيين دخلوا هذه اللجنة على أساس غير متكافئ. وتساءلت ماذا يعني للفلسطينيين أن يسيطر الإسرائيليون على 85 في المئة من المياه في الضفة الغربية؟
واعتبرت أن هذا يؤثر على الاقتصاد وعلى صحة الناس. إنه يؤثر على طريقة عيشهم في الوقت الذي ينظر فيه الفلسطينيون في الضفة الغربية حولهم ويرون الإسرائيليين في المستوطنات المجاورة لهم يعتنون بحدائقهم المزدهرة ويسترخون في أحواض سباحتهم. إنهم يرون هذا التناقض الهائل مع حياتهم، ولا يقدرون على تغييره. يُذكر أن استهلاك الفرد للإسرائيلي من المياه كان حوالي 10 أضعاف استهلاك الفلسطيني خلال فترات الجفاف السابقة. وانخفض استهلاك الفرد الفلسطيني فعليا إلى أقل من الحد الذي توصي به منظمة الصحة العالمية في بعض القرى الفلسطينية.
وفي سؤال إن كان الفلسطينيون مهمشين إلى حد كبير في محادثات تغير المناخ رغم حضورهم مؤتمر كوب 27 بمصر، قالت روبن “أعتقد أن الفلسطينيين يتساءلون عما إذا كانت مشاركتهم قد أضفت شرعية فعلية على نظام شامل يشعرون أنه غير عادل”، لافتة إلى أن غياب الفلسطينيين عن هذه الاتفاقيات يهددهم أكثر.
وبرزت في كوب 27 مجموعة إيكوبيس التي أطلقت المبادرات بين إسرائيل والأردن،. وصوّرت هذه المبادرات في البداية على أنها صفقة تشمل الفلسطينيين. وكان من المفترض أن تكون هذه طريقة لمساعدتهم في الحصول على حقوقهم المائية، لكنها في الواقع استمرار للوضع الراهن وربما إضفاء للشرعية عليه.
وبخصوص وضع الأردن، أشارت روبن إلى أن “المعاهدة بينه وبين إسرائيل لا تزال سارية رغم التوترات السياسية بين البلدين”، وخاصة خلال فترات حكم بنيامين نتنياهو، وهو ما قد يرفع التوتر إلى أقصاه في المرحلة القادمة مع سيطرة اليمين على الحكومة الجديدة. ونصّت هذه المعاهدة على إنشاء لجنة مياه مشتركة كانت قادرة على العمل بشكل سليم وحققت بعض النجاحات بين إسرائيل والأردن في حالات الجفاف السابقة.
وتضيف “من المهم النظر إلى المعاهدة في سياق هذه العلاقة الشاملة. لكن لإسرائيل اليد العليا فيما يتعلق بالمياه منذ أن دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ. وعملت (إسرائيل) بالفعل على تطوير تكنولوجيا المياه، وهي تحصل على المياه من منطقة تتجمّع فيها المياه التي تغذي نهر الأردن”، لافتة إلى أن الأردنيين “قلقون بشأن كمية المياه المتبقية بعد أن تأخذ إسرائيل حصتها الإجمالية”.
◙ المملكة الأردنية ستصبح في خطر كبير ، فهي لا تتمتع بما يكفي من المياه ومن غير المرجح أن تصل إلى متطلباتها المائية
وتبقى الاتفاقية الإسرائيلية – الأردنية بعيدة عن متطلبات المياه اليوم خاصة مع الأعباء التي فرضها وجود اللاجئين على المملكة الأردنية. وانفجر عدد سكان الأردن مع دخول اللاجئين إلى البلاد التي أصبحت أكثر اعتمادا على حوض نهر الأردن لإطعام سكانها، بينما تعتمد إسرائيل على تحلية المياه بشكل متزايد لتغطية احتياجاتها.
والنتيجة، كما تقول روبن، هي أن الأردن يدفع الآن لإسرائيل مقابل المزيد من المياه لأنه في وضع حرج. وتستطيع إسرائيل فعلا توفير بعض المياه بفضل قدرتها على التحلية. ويشعر الناس في الأردن بسبب الاضطرار إلى إنفاق المزيد من الأموال لواجهة آثار شحّ المياه مع زيادة عددهم. ولجأت الحكومة إلى نظام لتقنين الحصول على المياه، خاصة في بعض التجمعات السكانية التي تشمل عددا كبيرا من اللاجئين وأفرادا أردنيين من ذوي الدخل المنخفض.
وعلى غرار الوضع في الضفة الغربية، يتجه هؤلاء إلى مناطق أخرى للحصول على المياه. وكانت مؤسسة إيكوبيس المتخصصة في حماية البيئة هي التي رعت الصفقة بين الأردن وإسرائيل. وكانت الفكرة أن تنتج إسرائيل والفلسطينيون المياه المحلاة ويتم بيعها للأردن، بينما تبيع الأردن للفلسطينيين وإسرائيل الطاقة المتجددة. والأساس المنطقي وراء ذلك هو أن كل شريك سيكون قادرا على اعتماد ميزته التنافسية.
ويتمتع الأردن بهذه الميزة التنافسية لقدرته على إنتاج الطاقة الشمسية بسعر أرخص من إسرائيل. وفي نفس الوقت، كانت إيكوبيس تجادل بأن هذا يمكن أن يساعد السلطة الفلسطينية فعليا على أن تصبح أكثر استقلالا عن إسرائيل من خلال تحلية المياه.
ورسمت هذه الرؤية سلاما مستداما وطويل الأمد. لكن المشكلة تكمن في أن هذه الفكرة تختلف عند تنفيذها عما صاغته شركة إيكوبيس. ومع نهاية 2021، وقّع الأردن وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة اتفاقية تنص على أن هذه الأطراف ستعمل على تبادل المياه والطاقة، حيث كانت إسرائيل ستوفر المياه المحلاة وكان الأردن سيوفر الطاقة الشمسية، وكانت شركة إماراتية ستوفر تكنولوجيا الطاقة الشمسية.
لكن الاختلاف الرئيسي هنا هو أن الفلسطينيين لم يعودوا مذكورين بعد أن كانوا لاعبا رئيسيا في النسخة الأولية. ثم شهدنا التأكيد على هذا الترتيب في مؤتمر كوب 27 دون مشاركة فلسطينية. ويمنح نموذج الصفقة الحالي إسرائيل نفوذا أكبر بكثير من الأردن. وسيزوّد الأردن حوالي 2 في المئة من إجمالي الطاقة الإسرائيلية، بينما ستزود إسرائيل حوالي 20 في المئة من المياه المستخدمة في الأردن.
وتوضح روبن بأن المملكة الأردنية ستصبح في خطر كبير دون الصفقة، فهي لا تتمتع بما يكفي من المياه. ومن غير المرجح أن تصل إلى متطلباتها المائية بأيّ طريقة مستدامة وفعالة من حيث التكلفة دون الحصول على جزء كبير من موارد المياه من إسرائيل حتى أثناء محاولتها بناء قدرتها على تحلية المياه. لذلك، يمكن القول إن الأردن يفتقر إلى البدائل.