رشا عمار
صحفية مصرية
في آخر تطورات قضية التبنّي الخاصة بالطفل المصري شنودة (5) أعوام، دخل الأزهر الشريف على خط الأزمة بأول تعليق فقهي حول القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر على مدار الأشهر الماضية، وربما يمثل هذا الرأي مدخلاً لحسم نهائي للقصة في القريب العاجل، ويفتح الطريق أمام إعادة الطفل إلى والديه بالتبنّي، بدلاً من استمرار تواجده في إحدى دور الرعاية الخاصة بالأيتام.
وكتب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر حسابه الرسمي على (فيسبوك) أمس الأربعاء: “ورد سؤال إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى للاستفسار عن ديانة الطفل الذي عثر عليه داخل إحدى الكنائس: هذه المسألة ذهب فيها العلماء إلى آراء متعددة، والذي يميل إليه الأزهر من بين هذه الآراء هو ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أنّ الطفل اللقيط إذا وجد في كنيسة، وكان الواجد غير مسلم، فهو على دين من وجده”.
وأضاف: “هذا ما نصّ عليه السادة الحنفية في كتبهم: “وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميّاً” وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميّاً رواية واحدة”.
ما قصة الطفل شنودة؟
القصة بدأت منذ عام 2018، عندما عُثر في إحدى الكنائس بمنطقة الزاوية الحمراء شرق العاصمة على طفل رضيع لم يتجاوز عمره يوماً واحداً، وتبنته أم مسيحية تدعى آمال فكري، لم ترزق بالإنجاب، وبالفعل عاش معها الطفل لمدة (4) أعوام تقريباً، بعد أن سمّته وزوجها شنودة فاروق فوزي بولس.
لكنّ الحياة لم تظل هادئة كما تمنت الأم المكلومة الآن، فقد تسببت وشاية إلى الشرطة من بعض أقارب زوجها الطامعين في ميراثه، خشية أن ينقله برمته إلى ابنه بالتبنّي، تسببت في فصل الطفل عن أسرته بعدما ادّعى أقارب الأب أنّ الطفل مسلم تم العثور عليه خارج الكنيسة، وتتم تنشئته على دين آخر.
الأمر الذي تسبب في تحرك عاجل من جانب السلطات المصرية بإيداع الطفل لدى إحدى دور الرعاية لحين استكمال التحقيقات للوقوف على حقيقة الأمر، ممّا تسبب في انهيار والدته، التي تعاني حزناً شديداً لفراق ابنها، وتظهر دائماً باكية في انتظار قرار يعيده إليها.
بات مسلماً
القضية شهدت تعقيداً كبيراً بعد أن أعلنت النيابة المصرية أنّه عقب إيداع الطفل لدى دار رعاية الأيتام، تم تغيير اسمه إلى يوسف عبد الله محمد، وبات مسلماً بحكم القانون الذي يعتبر فاقد الأهلية مسلماً بالفطرة.
*مركز الأزهر العالمي للفتوى: يميل الأزهر من بين العديد من الآراء إلى ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أنّ الطفل اللقيط إذا وجد في كنيسة وكان الواجد غير مسلم، فهو على دين من وجده*
وبحسب نظام الأسر البديلة المعتمد في مصر، يجب إيداع الأطفال مجهولي النسب ضمن أسر يجري اختيارها وفقاً لشروط ومعايير معينة، منها ضرورة أن تكون الأسرة صالحة ومقاصدها سليمة لرعاية الأطفال دون استغلالهم أو الاستفادة منهم لمصالح خاصة.
الأم: مستعدون للتنازل عن كل ما نملك مقابل عودة الابن
من جانبها، تقول والدة شنودة بالتبنّي: إنّها وزوجها قاما بتربية الصغير وحضانته، وقدّما له كل ما يحتاجه من رعاية واهتمام، لكن لخلافات على الميراث تم انتزاعه منهما وتدمير حياتهما.
وتؤكد، بحسب ما نقلته عنها (العربية) أنّها وزوجها مستعدان لمنح كافة ممتلكاتهما لمن يريد بشرط أن يترك الطفل لهما، مناشدة السلطات المصرية التدخل لإعادته لأحضانهما.
وقالت: إنّ شنودة أغلى شيء عندها في هذه الدنيا، مضيفة أنّها كانت تتوقع أن تعيده لها المحكمة، لكنّها صدمت بعد سماع الحكم.
والدة شنودة بالتبنّي: أنا وزوجي مستعدان لمنح كافة ممتلكاتنا لمن يريد بشرط أن يعود الطفل لنا، وأناشد السلطات المصرية التدخل لإعادته إلى أحضاننا
إلى ذلك، اعتبرت أنّ “الرحمة قبل القانون”، مشددة على أنّ “الطفل الذي وهبه الله لها أهم من أيّ أموال، ورغبتها في الشعور بالأمومة يعادل ملايين الجنيهات”.
وأضافت الأم الحزينة أنّها خضعت وزوجها لتحليل الحمض النووي، وثبت عدم نسب الطفل لهما، ولذلك تم انتزاعه منهما، ممّا سبب لهما انهياراً وصدمة كبيرة. إلا أنّها أكدت أنّ النيابة لم تتخذ أيّ إجراء ضدها وزوجها بعد ثبوت حسن نيتهما.
ساويرس على خط الأزمة
تحظى قضية شنودة باهتمام ملحوظ في مصر، مدفوع بتعاطف شديد مع الطفل وأسرته، ورغبة في إعادته ثانية إلى حضن الأسرة ومراعاة البعد الإنساني للأزمة، وكان آخر المعلقين على الأزمة، هو رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.
وقد عبّر ساويرس عن حزنه إثر حكم محكمة القضاء الإداري في مصر على عدم الاختصاص بنظر القضية مطلع هذا الأسبوع، وقال إنّه من المؤسف أن يخسر طفل والديه بسبب وشاية شريرة”.
كما ردّ ساويرس على إحدى التدوينات التي دعمت عدم إعادة الطفل لوالديه باعتباره ولد في بلاد أغلبيتها مسلمة، ويفترض أن يتبع الديانة الإسلامية، قائلاً: “كلامك غير منطقي لأنّي ولدت في دولة إسلامية حسب كلامك ولست مسلماً بل أنا مسيحي مؤمن ومعتز بديانته، والدول لا دين لها، مواطنوها هم الذين لهم دين، حسب مولدهم وأهلهم ومعتقداتهم، ويظل البلاغ الذي وراءه مصلحة شخصية وشاية أكيدة، والله أعلم”.
ماذا يمنع عودة الطفل إلى أسرته؟
تعتمد مصر نظام “الأسر البديلة” الذي ينصّ على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، خاصة مجهولي النسب، بأسر يجري اختيارها وفقاً لشروط ومعايير تؤكد صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية الأطفال دون استغلال لهم أو لمصالح ذاتية.
في الوقت نفسه تحظر مصر التبنّي بمفهومه الأوسع، وهو ما نصت عليه عند سنّ قانون الطفل رقم (12) في عام 1996، وأجرت عليه عدة تعديلات كان آخرها تعديلاً في لائحته التنفيذية في عام 2010، بحسب صحيفة (المصري اليوم).
كما ينصّ القانون المصري أنّ التبنّي يجب أن يرعى أبوان في بيتهما طفلاً ليس من صلبهما، ويعتبر الطفل ابناً شرعياً لهما، إذ يحق للعائلة إعطاء الطفل الاسم الكامل لها وتوريث الطفل من ممتلكاتهم.
فيما ينص القانون أنّ الكفالة أن ترعى أسرة طفلاً لا يقدر أهله على رعايته، أو أنّه محروم من الجو الأسري، ولا يأخذ الطفل، في هذه الحالة، الاسم الكامل للأب الكافل أو للأم الكافلة، ولا يكون له حق في الميراث.
المصدر حفريات