كريتر نت – متابعات
يبدو أن الوقت المناسب قد حان لتغادر المملكة العربية السعودية الحرب الطاحنة في اليمن وتوقع اتفاقات مع ميليشيا الحوثي من شأنها حماية أمن المملكة ورؤيتها الاستثمارية التي ستكون أكبر متضرر في حال استمر استهداف الجماعة لمناطق ومنشآت سعودية.
وبعد ثماني سنوات على أولى ضربات حملتها العسكرية في اليمن، بدأت السعودية تسعى لإيجاد مخرج من حرب اليمن، والتركيز على مشاريعها الطموحة في الداخل، رغم الآمال الضئيلة في تحقيق سلام دائم في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
الهدف المعلن للتدخل السعودي هو حماية المدنيين من هجمات الحوثيين، واستعادة الحكومة لسلطتها، ومنع اليمن من أن يصبح ملاذًا للقوات المدعومة من إيران
وقد تجد السعودية في اتفاق استئناف العلاقات مع إيران التي تدعم الحوثيين في اليمن وتتّهمها الرياض بتهريب السلاح لهم، زخما لمسعاها لإنهاء ما كان يبدو على مدار السنوات الماضية حربا بالوكالة بين القوتين الإقليميتين.
ويقول الخبير في معهد مجموعة الأزمات الدولية أحمد ناجي إنّه في وقت تحرص السعودية على إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة في المملكة، تسعى أيضا “لتحويل نهجها في اليمن من إستراتيجية عسكرية إلى إستراتيجية أمنية وسياسية ناعمة”.
ويرى ناجي أنّ “العمليات العسكرية مثل الضربات الجوية” قد تتوقّف الآن على الأرجح، موضحًا أن الأولوية هي “للحل الدبلوماسي”.
وبدأ التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري في 26 مارس 2015 بعد سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على العاصمة صنعاء وزحفهم نحو مناطق أخرى في البلد الفقير.
وقُتل مئات الآلاف من الأشخاص لأسباب مباشرة وغير مباشرة، فيما نزح 4.5 مليون شخص داخليًا، وأصبح أكثر من ثلثي السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
وأدّى وقف لإطلاق النار توسّطت فيه الأمم المتحدة بين أبريل وأكتوبر الماضيين إلى انخفاض كبير في الأعمال القتالية.
وقبل انتهاء الهدنة كانت المملكة بدأت بالتفاوض مع الحوثيين عبر قنوات خلفية، بينها محادثات جرت بين الطرفين في سلطنة عمان المجاورة.
ويقول محللون إن أولوية الرياض حاليا تأمين المناطق الحدودية ووقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة المفخخة التي استهدفت منشآتها النفطية المهمة.
ويقول ناجي “تتفاوض السعودية حاليا مع الحوثيين للتوصل إلى تفاهمات تمكّنها من تأمين أراضيها الحدودية مع الحفاظ على نفوذها” في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
ويتابع “هذا النهج الجديد قد يمكّن السعودية من الحفاظ على موقعها كلاعب رئيسي في السياسة الداخلية اليمنية، لضمان عدم تأثّر المملكة بالتهديدات الأمنية في حالة استمرار الصراع على المستوى المحلي”.
وكان الهدف المعلن للتدخل السعودي هو حماية المدنيين من هجمات الحوثيين، واستعادة الحكومة لسلطتها، ومنع اليمن من أن يصبح ملاذًا للقوات المدعومة من إيران.
لكن بعد ثماني سنوات، لا يزال الحوثيون يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد ويمتلكون ترسانة كبيرة من الأسلحة التي استخدموها أيضا في هجمات صاروخية على السعودية والإمارات العضو الآخر المهم في التحالف.
الوقت مناسب لمغادرة الحرب الطاحنة في اليمن
ويهدّد استئناف هذه الهجمات مسعى السعودية للتحوّل إلى مركز للأعمال والسياحة والترفيه والرياضة، في إطار خطة تنويع الاقتصاد لوقف الاعتماد كليا على النفط التي تنفذها.
وتقوم السعودية التي ظلت منغلقة لعقود ببناء مدينة نيوم المستقبلية بقيمة 500 مليار دولار، والكثير من المنتجعات والمعالم السياحية.
ويقول خبير سياسي منخرط في المفاوضات بين الرياض والحوثيين مشترطا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل التحدث للإعلام “هناك تركيز كبير في السعودية الآن على التنمية والسياحة والمشاريع الضخمة”. وبالنسبة إلى الرياض، هناك مخاوف من أن “أي شيء ينطوي على صراع” سيضرّ بالاستثمار والاستقرار.
ويذكر الخبير أنّ المحادثات غير الرسمية مع الحوثيين تنضج الآن لتتحوّل إلى “تفاهم” محتمل يمكن أن يمهّد الطريق لدور عسكري سعودي أقلّ حجما قبل الحوار اليمني بين أطراف النزاع الداخلية برعاية الأمم المتحدة.
ويقول “هم يريدون الانتقال من شكل من أشكال التفاهم السعودي – الحوثي إلى القدرة على تسليم هذا التفاهم لعملية أوسع للأمم المتحدة (…) يسعون لغسل أيديهم وتجنّب تداعيات أي تصعيد مستقبلي في الصراع”.
أولوية الرياض حاليا تأمين المناطق الحدودية ووقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي استهدفت منشآتها
ويرى “أنهم عالقون في مستنقع مكلِف للغاية على جميع المستويات”.
وأكدّ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذا الشهر خلال زيارة إلى موسكو وجود “جهود للوصول أولا إلى وقف دائم لإطلاق النار ومن ثم إطلاق عملية سياسية بين الأطراف اليمنية تنهي هذه الأزمة”.
وقال الوزير السعودي “سوف نستمر في هذا الحوار وهناك حوارات عبر مسارات متعددة”.
في المقابل، تخشى جهات يمنية أن يأتي أي اتفاق إيراني – سعودي على حساب السلطة، كأن تنسحب المملكة من النزاع وسط ضمانات بعدم استهدافها وتترك الحكومة وحدها في مواجهة الحوثيين الذين كادوا أن يسيطروا على كامل البلاد لولا التدخل السعودي في مارس 2015.
وقال مسؤول سعودي طلب عدم ذكر اسمه إن المملكة “تشترك في حدود طويلة مع اليمن وبالتأكيد لن نتسامح مع أي تهديد لأمننا”.
وجراء آخر هجمات شنها الحوثيون السبت سقط قتلى وجرحى من جنود الشرطة العسكرية، إثر هجوم بطائرة مسيرة استهدفت موكب وزير الدفاع اليمني محسن الداعري ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء صغير بن عزيز، ومحافظ تعز نبيل شمسان أثناء عودتهم من مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز.
إثر ذلك، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي إن هناك “حاجة ملحة إلى بقاء التحالف العربي”، واعتبر أنه “صمام أمان لاستقرار المنطقة”.