كريتر نت – متابعات
كان الهجوم بطائرة مسيرة على قاعدة أميركية في شمال شرق سوريا الأسبوع الماضي بمثابة تذكير أخير بأن الولايات المتحدة لا تزال في حالة حرب في سوريا وأن الأفراد الأميركيين في خطر.
وأدى هجوم الطائرة دون طيار، التي خلصت المخابرات الأميركية بسرعة إلى أنها من أصل إيراني، إلى مقتل متعاقد أميركي وإصابة ستة آخرين، من بينهم خمسة من أفراد الخدمة الأميركية.
وردا على ذلك، أمر الرئيس جو بايدن الجيش الأميركي بتنفيذ ضربات جوية دقيقة ضد منشآت تابعة لجماعات الحرس الثوري الإيراني، مما أسفر عن مقتل 19 مقاتلا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف أفراد أميركيين في سوريا، ومن غير المرجح أن تكون الأخيرة.
ولا يعاني الجنود الأميركيون من نقص في الأعداء في البلاد، وقد واجهوا هجمات منتظمة منذ وصولهم قبل أكثر من سبع سنوات.
على واشنطن أن تعيد تقييم المكان الذي يمكن لجهودها أن تحدث فيه تغييرا والمكان الذي تكمن فيه مصالحها الحيوية
وما بدأ كجهد لتغيير النظام الأميركي ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، تحول منذ ذلك الحين إلى مواجهة مفتوحة، حيث أدت المهمة الرسمية لقمع تنظيم الدولة الإسلامية إلى حجب الجهود الأميركية لمواجهة روسيا وإيران. وضمنت هذه الأهداف الغامضة أن الولايات المتحدة ليست أقرب إلى مغادرة سوريا مما كانت عليه عندما وضعت جنودها على الأرض لأول مرة.
ووفقا للمعهد اليهودي للأمن القومي التابع لمتتبع المقذوفات الإيرانية التابع للولايات المتحدة، استهدفت الميليشيات المدعومة من إيران أفراد الخدمة الأميركية بما لا يقل عن 72 ذخيرة منذ عام 2017 (لا تشمل هجمات الأسبوع الماضي)، مع وقوع أكثر من 90 في المئة من تلك الذخيرة خلال العامين الماضيين.
وتعهدت إدارة بايدن بمواصلة الدفاع عن 900 جندي أميركي في سوريا طالما بقوا في البلاد وهو إطار زمني غير محدد على ما يبدو.
وعلى الرغم من تحرك بايدن لإنهاء أو تقليص “الحروب التي لا نهاية لها” للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، إلا أن هذه السياسة لم تمتد إلى سوريا. وبدلا من ذلك، فإن واشنطن ملتزمة ظاهريا بمحاربة داعش والضغط على نظام الأسد، الذي لا يزال يتعرض للضغط من قبل نظام عقوبات قوي موجه من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تدرك واشنطن بالتأكيد أن دمشق ليست معزولة كما كانت في السابق، فالتقارب الإقليمي مع سوريا على قدم وساق.
الجنود الأميركيون لا يعانون من نقص في الأعداء في البلاد، وقد واجهوا هجمات منتظمة منذ وصولهم قبل أكثر من سبع سنوات
ولم تفتح الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان فحسب أبوابها للحكومة السورية، بل حتى تركيا والمملكة العربية السعودية، اللتان كانتا في يوم من الأيام ألد أعداء الأسد، تتطلعان إلى المصالحة.
وفي أعقاب الاتفاق الذي توسطت فيه الصين والذي أدى إلى انفراج المملكة العربية السعودية مع إيران، من المتوقع أن يؤدي اتفاق السلام السعودي – السوري الناشئ إلى المزيد من التحول في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
وإذا نجحت، فإن مساعدة موسكو في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق بعد عقد من الحرب، ستكون انتصارا رائعا لخصم أميركي آخر، وكذلك للمنطقة بأكملها. وفي هذا الصدد، فإنه سيؤثر بشكل أكبر على النخب الإقليمية بأن لديهم خيارات خارج الولايات المتحدة للنهوض بأهدافهم السياسية والأمنية.
وفي الواقع، فإن الصين وروسيا – ما يسمى بـ”المنافسين من القوى العظمى” – هما اللتان تساعد سياساتهما الإقليمية الآن على استقرار الشرق الأوسط ودعم المصالح الأميركية.
وتصور الصين نفسها على أنها صديقة للجميع وعدو لأي أحد، مما يسمح لبكين بوضع نفسها كوسيط نزيه يمكنه معالجة مشاكل المنطقة بطرق لا تستطيع واشنطن القيام بها.
ويُنظر إلى روسيا أيضا على أنها شريك يمكن الاعتماد عليه – شريك وقف إلى جانب حليفه السوري في السراء والضراء – ومحاور أثبت حساسيته لاحتياجات عواصم مختلفة مثل دمشق وتل أبيب والرياض وطهران.
واشنطن تدرك أن دمشق ليست معزولة كما كانت في السابق، فالتقارب الإقليمي مع سوريا على قدم وساق
وفي المقابل، فإن سجل الولايات المتحدة أكثر اضطرابا. وكانت الولايات المتحدة هي التي غزت العراق قبل عشرين عاما، وأطلقت العنان للفوضى والعنف في جميع أنحاء المنطقة. وكانت واشنطن أيضا هي التي فجرت بشكل أحادي الاتفاق النووي الدولي مع إيران، بعد أن جرّت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما حلفاءها الإقليميين لدعم الاتفاق، مما وضع طهران على طريق الانحدار نحو امتلاك أسلحة نووية وزيادة التوترات في الخليج العربي.
ورفضت الولايات المتحدة لاحقا الدفاع عن المملكة العربية السعودية وشركائها العرب من التصعيد الإيراني في عام 2019 (مما دفع الرياض إلى المصالحة لاحقا مع طهران)، ناهيك عن حقيقة أن واشنطن قد تأرجحت بين الانسحاب من المنطقة والانحياز إليها عبر الشرق الأوسط.
ومع ذلك، على الرغم من هذه الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة، ومخاوف واشنطن بشأن التحديات المتصورة من روسيا والصين، يجب على الولايات المتحدة أن تتحقق من ميلها التلقائي لتفسير جميع الإجراءات الروسية والصينية على أنها تأتي على حسابها.
ولدى بكين مصلحة كبيرة في الاستقرار الإقليمي حتى تتمكن من الاستمرار في استيراد موارد الطاقة في المنطقة.
ولذلك، يتعين على واشنطن أن تدرك أنه لا ينبغي لها ولا تستطيع أن تحاول القيام بكل شيء في الشرق الأوسط. وبدلا من ذلك، يجب أن تعيد تقييم المكان الذي يمكن لجهودها أن تحدث فيه الفرق الأكثر إيجابية، وأين تكمن مصالحها الوطنية الأكثر حيوية.