كريتر نت – متابعات
اعتبر محللون أن عودة نمو النشاط الاقتصادي الصيني هذا العام، بوتيرة متسارعة فاجأت الملاحظين، تمنح باقي البلدان فرصة ثمينة لالتقاط الأنفاس لتخفيف البعض من ضغوط التضخم واستعادة الحركة التجارية لزخمها وانتعاش الاستثمارات وتعافي الإنفاق الاستهلاكي.
ونما الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من المتوقع في الربع الأول من 2023، مدفوعا بحوافز انتهاء القيود الصارمة التي أدت إلى انتشال الشركات والمستهلكين، رغم أن الرياح المعاكسة من التباطؤ العالمي تشير إلى ارتفاع طريق وعر إلى الأمام.
ويعتبر تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم محركا رئيسيا للأنشطة التجارية والصناعية في باقي دول العالم، التي تأثرت بالتضخم واضطراب الإمدادات منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل أكثر من عام.
وأدى تشديد السياسة النقدية العالمية لأكثر من عام كامل بهدف كبح جماح التضخم الحاد إلى إضعاف النمو الاقتصادي العالمي، مما جعل العديد من البلدان بما في ذلك الصين تعتمد على الطلب المحلي لتحفيز الزخم وزيادة التحدي أمام صانعي السياسات الذين يبحثون عن استقرار ما بعد كوفيد.
وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء الثلاثاء أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 4.5 في المئة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، أسرع من 2.9 في المئة في الربع السابق.
وهذه النتيجة تتفوق على توقّع المحللين توسعا بنسبة أربعة في المئة مع تسجيل الاقتصاد الصيني أقوى نمو في عام.
وكان المستثمرون يراقبون عن كثب بيانات الربع الأول لتقييم قوة الانتعاش بعد أن رفعت بكين فجأة القيود المفروضة بهدف تطويق وباء كورونا في ديسمبر الماضي وخففت حملة استمرت ثلاث سنوات على شركات التكنولوجيا والممتلكات.
وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى واحد من أسوأ مستوياته منذ ما يقرب من نصف قرن بسبب قيود الإغلاق التي استمرت ثلاث سنوات تقريبا.
ونقلت وكالة رويترز عن زهيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في شركة بينبوينت إسيت مانجمنت، قوله إن “التعافي الاقتصادي يسير على ما يرام. النقطة المضيئة هي الاستهلاك الذي يزداد قوة مع تحسن ثقة الأسر”.
وأوضح أن نمو الصادرات القوي خلال مارس الماضي أسهم على الأرجح في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول.
وتعهد صانعو السياسة الصينيون بتكثيف الدعم للاقتصاد البالغ 18 تريليون دولار للحد من البطالة، لكنهم يواجهون مجالًا محدودًا للمناورة حيث تكافح الشركات مع مخاطر الديون والمشاكل الهيكلية ومخاوف الركود العالمي.
وظل انتعاش الصين متفاوتًا حتى الآن حيث أن نموها الذي يغذي الاستثمار في الماضي إلى نمو يعتمد الآن على الاستهلاك يواجه تحديات.
وزاد الإنفاق على الاستهلاك والخدمات والبنية التحتية، لكن إنتاج المصانع تباطأ وسط ضعف النمو العالمي، بينما أدى تباطؤ الأسعار وارتفاع مدخرات البنوك إلى إثارة الشكوك بشأن الطلب.
وارتفعت صادرات الصين بشكل غير متوقع في مارس الماضي، لكن المحللين حذروا من أن التحسن يعكس جزئيًا اللحاق بالموردين للطلبات التي لم يتم الوفاء بها بعد اضطرابات الوباء.
وقال المتحدث باسم مكتب الإحصاء فو لينغوي إنه في حين أنها كانت بداية جيدة للاقتصاد “لا تزال البيئة الدولية معقدة ومتغيرة باستمرار، والقيود الناجمة عن عدم كفاية الطلب المحلي واضحة وأساس الانتعاش الاقتصادي ليس متينا”.
وأضاف أن “نمو الصين في الربع الثاني قد يرتفع بشكل حاد بسبب تأثير القاعدة المنخفض منذ عام مضى”.
وعلى أساس ربع سنوي نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2 في المئة في الفترة من يناير إلى مارس، بما يلبي توقعات المحللين وبزيادة من الارتفاع المعدل بنسبة 0.6 في المئة خلال الربع السابق.
وتراجعت الأسهم الآسيوية حيث طغى رفع قصير بعد المؤشرات على أن الانتعاش الكامل في الصين لا يزال بعيد المنال، لكن مؤشر سي.أس.آي 300 الصيني ارتفع بنسبة 0.3 في المئة فقط.
وتوقع محللون استطلعت رويترز آراءهم أن نمو الصين في العام الحالي سيرتفع إلى 5.4 في المئة من ثلاثة في المئة العام الماضي.
وحددت الحكومة هدفا متواضعا لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو خمسة في المئة لهذا العام، بعد أن أخطأت بشدة في تحقيق هدف 2022.
أهم المؤشرات في الربع الأول
10.6 في المئة نسبة زيادة مبيعات التجزئة
8.8 في المئة نسبة ارتفاع الاستثمار في البنية التحتية
5.8 في المئة نسبة انخفاض الاستثمار العقاري
5.3 في المئة نسبة البطالة
5.1 في المئة نسبة ارتفاع الاستثمار في الأصول الثابتة
4.5 في المئة نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي
3.9 في المئة نسبة ارتفاع إنتاج المصانع
وأظهرت بيانات منفصلة عن نشاط مارس الثلاثاء أن نمو مبيعات التجزئة قد تسارع إلى 10.6 في المئة، متجاوزا التوقعات واقترب من أعلى مستوياته في عامين. لكن هذا كان بسبب تأثير القاعدة المنخفضة وهناك دلائل على الحذر بين المستهلكين.
كما تسارع نمو إنتاج المصانع لكنه كان أقل بقليل من التوقعات، حيث ارتفع بواقع 3.6 في المئة على أساس سنوي.
وقال تاو تشوان كبير محللي الماكرو في سوشو سيكوريتيز ومقرها بكين إنه “من خلال هذا الاتجاه نتوقع أن يصل إجمالي الناتج المحلي في الربع الثاني إلى حوالي 8 في المئة، ولن يكون تحقيق الصين هدف النمو لهذا العام مشكلة كبيرة”.
وأضاف “ومع ذلك، نرى بعض المشكلات الهيكلية لا تزال قائمة في معدل البطالة والاستثمار العقاري والثقة في القطاع الخاص. هذه المشاكل بحاجة إلى حل لدعم الانتعاش المستدام”.
وانخفض معدل البطالة القائم على الاستطلاع في الصين إلى 5.3 في المئة خلال مارس من 5.6 في المئة في فبراير، لكن معدل البطالة لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما انتعش إلى 19.6 في المئة الشهر الماضي من 18.1 في المئة في فبراير.
وارتفع الاستثمار في البنية التحتية في الصين بنسبة 8.8 في المئة خلال الفترة من يناير إلى مارس على أساس سنوي متجاوزا ارتفاعا بنسبة 5.1 في إجمالي الاستثمار في الأصول الثابتة، في حين انخفض الاستثمار العقاري بنسبة 5.8 في المئة.
وقال البنك المركزي، الذي خفض نسبة متطلبات الاحتياطي للمقرضين في مارس، الأسبوع الماضي إنه “سيحافظ على السيولة الوفيرة، ويحقق الاستقرار في النمو والوظائف”.
والاثنين الماضي ضخ المركزي سيولة جديدة في البنوك من خلال تسهيلات الإقراض متوسط الأجل، لكنه أبقى على سعر هذه القروض دون تغيير، وهو مؤشر على أن بكين ليست قلقة للغاية بشأن توقعات النمو الفوري.
ولا تزال الحكومة، التي امتنعت عن اتخاذ خطوات كبيرة لتحفيز الاستهلاك، تعتمد بشكل كبير على الإنفاق على البنية التحتية لتحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي.
وقالت إيريس بانغ كبيرة الاقتصاديين في الصين الكبرى بشركة آي.أن.جي في مذكرة “باختصار، مع تقرير الناتج المحلي الإجمالي هذا، نعتقد أن الحكومة ليست في حاجة ماسة إلى وضع تحفيز هائل في الاقتصاد”.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي ستصبح الصين أكبر دولة تساهم في نمو الاقتصاد العالمي على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، إذ يُنتظر أن ترتفع حصتها إلى ضعف مساهمة الولايات المتحدة.
واستنادا إلى تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الذي أصدره الصندوق الأسبوع الماضي ستبلغ مساهمة الصين في نمو إجمالي الاقتصاد العالمي 22.6 في المئة حتى نهاية عام 2028، تليها الهند بنسبة 12.9 في المئة، بينما تساهم الولايات المتحدة بنسبة 11.3 في المئة.