كشف الرئيس السابق لفريق المراقبين الدوليين لاتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت عن تعرض فريقه لست اصابات بالرصاص الحي، وإنه «كل مساء كنا نسمع القصف، وأحيانا كان الفندق يهتز».
و جاء ذلك في حديث العسكري الذي يبلغ من العمر 68 عاماً، لصحيفة De Volkskrant الهولندية، بعد عودته إلى بلاده يوم الجمعة الماضي، مفيداً بأنه كان يتعرض لتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من تنظيمي الدولة الاسلامية «داعش»، والقاعدة.
وذكر إنه كان يتوجب عليه مع فريقه أن يبقوا يقظين في الحديدة بشأن الألغام والقنابل على جانب الطريق. مضيفاً «أنا حقا هادئ جداً ولكن يأتي وقت عندما لا تحس بالراحة. يكفي أن يكون هناك مطلق نار واحد مع القات، كان الوضع أشبه بدمى الروليت الروسية».
ودمى الروليت هي عبارة عن دمية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة، بحيث أن الأكبر تحوي الأصغر منها وهكذا.
ويقول إن المخاطر لم تكن السبب في إنه ترك مهمته إلى الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد الأسبوع الماضي، «لقد قلت منذ البداية في الأمم المتحدة، أنا أقبل المهمة فقط لبضعة أسابيع، لقد قمنا بذلك لكنها امتدت في نهاية المطاف لتصبح شهرين تقريباً».
وأوضح كاميرت إن اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف اليمنية في السويد في ديسمبر غامضاً، ولكنه (الاتفاق) قلل من الريبة العميقة المتبادلة والكراهية بعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب في اليمن.
وذكر كاميرت إن مهمته كانت ضمان سحب جميع الأسلحة الثقيلة من الحديدة، وتمهيد الطريق للإغاثة حرفياً على مراحل، والتي ثبت إنها (مهمته) سخيفة وغير واقعية تماماً.
وأوضح «لم يرفض الطرفان أن يجلسا معا فحسب، بل وضعا مجموعة كاملة من الشروط. وكان عليّ أن أتحدث معهم بشكل منفصل، وبالتالي قمت برحلات عبر الخطوط الأمامية في سيارة تويوتا لاند كروزر مدرعة-ترافقها القوات الحكومية مرة، ثم يرافقها الحوثيون في مرة أخرى».
وزاد بأنه تحدث مع كلا الطرفين على الأرض مرتين ومرة واحدة على متن السفينة، ومرة واحدة في فندق «مقيت» في الحديدة.
وقال العسكري الخبير الذي سبق أن تولى مهمات عدة في إطار الأمم المتحدة، إنه في إحدى المرات قُصفت مناطق تحت سيطرة القوات الحكومية، وكان يتعين على الأمم المتحدة إعادة ممثلي الحكومة في لجنة الانتشار إلى مناطقهم، وأرادوا التنقل في سيارات الأمم المتحدة، لكن ذلك حال دون عودتهم.
وأضاف «عند بقائهم في الفندق أصروا على البقاء في نفس الطابق الذي أقيم فيه كانوا يخافون من الهجمات».
وبحسب كاميرت فإن وقف إطلاق النار مازال قيد التنفيذ، وإن محاولات التقدم لأي طرف على خطوط التماس يعتبر انتهاكاً وخط أحمر.
وقال «الحوثيون لم يكونوا حريصين جداً على دخول الوفد الحكومي للمدينة، كانوا يخشون من خدعة بمثابة حصان طروادة. ولم يجرؤوا على دخول مناطق سيطرة الحكومة، فهناك ملايين من الدولارات مرصودة لقتلهم، من قِبل السعودية والإمارات».
وأردف بأن الطرفين لم يعودا يقبلان بالاجتماعات، ولذلك اخترعت حيلة، بعد أن رأيت سفينة للإنقاذ تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، كانت راسية في الميناء، فأردت ان أستعيرها، ولكن جاء الاعتراض من الأمم المتحدة بأنها غير مخصصة للمناقشات السياسية، لكن في نهاية المطاف، سمح البرنامج بذلك.
ويمضي كاميرت قائلاً «ثم كان السؤال، كيف يمكنني الحصول على ممثلي الجانبين على السفينة؟ الحوثيون صعدوا على متن السفينة من رصيف الميناء، بينما ممثلي الحكومة وصلوا عبر زورقين بعد ان أبحروا لثلاثين كيلومتراً، كان لونهم قد تغير من دوار البحر».
وقال إن السفينة كانت فرصة ذهبية، فالطرفين بقيا فيها وكانت النقاشات مستمرة، ولا يمكن الابتعاد عنها.
وأضاف «رأيت الأطراف معا يمضغون القات على سطح السفينة، لكن لم يسفر ذلك عن نتائج ملموسة. ولم نتمكن من التوصل إلى اتفاق، واتفقنا على الحفاظ على الوضع الراهن، مؤقتاً».
وكان الجنرال الهولندي قد بعث برسالة إلى البابا الذي زار الإمارات، كتب فيها ما شاهده في أحد المستشفيات الرئيسية العامة، «رأيت الدول المهينة للإنسان، كان المئات من المرضى مستلقين على الأرض، مريض ميت، وآخر يعاني من سوء التغذية والجفاف، نظرت في العيون اليائسة للأطفال وأمهاتهم المحجبات».
وأشار إلى إن تلك الفكرة جاءت من الضابط الإيطالي الساندرو الذي يعمل في فريقه، «وفي الرسالة، أشرت إلى الحاجة إلى الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر، وصوامع الحبوب العملاقة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، ولسوء الحظ 20% من المخزون تدمر بنيران مدافع الحوثيين».
وقال كاميرت «ما تزال الصوامع غير قابلة للوصول اليها بفعل الألغام والمعارك».
وفي أخر حديث أعرب عن أمله في أن تستخلص الأطراف المتحاربة في اليمن دروساً من القول البوذي، «إذا كنت لا تترك الماضي وراءك فإنك تدمر المستقبل، عش لما يقدمه لك اليوم، وليس ما فقدته بالأمس».