كريتر نت – متابعات
رغم الوقت الضيق لصياغة قضايا كبيرة تمت مناقشتها في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي انعقد في عدن من 4 -8 مايو الجاري، فقد تضمنت مخرجات المؤتمر قرارات هامة بشأن القضية الجنوبية وتحديد مصير الجنوب. ساعد في ذلك بشكل واضح الانخراط الطويل للمكونات الجنوبية في صلب القضية والذي يعود إلى ما يقارب العقدين من الزمن.
خرجت القوى المشاركة في هذا المؤتمر بخمس وثائق، وسوف تتطرق هذه القراءة إلى مضمون “الميثاق الوطني الجنوبي” باعتباره الوثيقة التي تتضمن الخطوط العريضة لنهج القوى والمكونات الجنوبية الخاص بمصير الجنوب بعد 33 سنة من الوحدة مع الشمال وما رافق الوحدة من اختلالات في الشراكة الوطنية لليمن الموحد أدت في نهاية المطاف إلى رفع شعار “فك الارتباط” ثم “استعادة الدولة الجنوبية”.
تضمن الميثاق الوطني الجنوبي محورين رئيسيين: الأول تحت عنوان “أسس ومبادئ عامة حاكمة” والثاني “قضية شعب الجنوب”. في المحور الأول تم التركيز على عنصرين أساسيين من عناصر تكوين الدولة: “الأرض والإنسان” وتنويعاً عليهما تناولت البنود التفصيلية للميثاق تحديد الجغرافيا بحدود ما قبل 22 مايو 1990، والإنسان: كل مواطن يعيش على هذه الجغرافيا ضمن النسيج الاجتماعي للجنوب. واعتبر الميثاق هذين العنصرين “مرجعين حاكمين” لمضامين “مشروع التحرر والنهوض الوطني” لدولة الجنوب المنشودة.
تحت عنوان المحور الأول ورد تعريفان أحدهما لـ”مرجعية الوطن والهوية الجامعة” والآخر لـ”مرجعية الإنسان/ الشعب”، وخُصص للأول عشرة بنود شملت بناء الدولة وتنميتها وحقوق المواطنة المتساوية واحترام الهويات والخصوصيات الثقافية والتاريخية والجغرافية لكل المناطق الجنوبية وصيانتها في إطار هوية جنوبية جامعة في ظل هوية عربية إسلامية وتحت نظام حكم فيدرالي أساسه المدنية والديمقراطية والسيادة الوطنية غير المنقوصة.
على أن يقوم بناء الدولة الجنوبية المنشودة على “الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية واحترام القانون وضمان حق الأقاليم في الإدارة المحلية كاملة الصلاحيات” بدون أي هيمنة مركزية بشرط الحفاظ “على الوحدة الوطنية في نطاق الدولة الاتحادية ودستورها”.
وفي ما يتعلق بالنظام السياسي للدولة، نص الميثاق على أن يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات، واللافت في هذا البند هو “تحريم وتجريم تكوين الأحزاب السياسية على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو عرقي أو سلالي أو جهوي أو مناطقي”.
تطرق هذا المحور أيضاً إلى ضمان استقلالية القضاء ونزاهته، وإعطاء حق اتخاذ القرار النهائي حول اسم الدولة إلى الشعب عبر استفتاء شعبي، وهو ما يتكرر في بعض بنود الميثاق التي تحيل القرار النهائي في القضايا الكبيرة إلى الشعب وعبر عملية ديمقراطية تتمثل بالاستفتاء والانتخاب.
تطرق هذا المحور أيضاً إلى تعريف الجنوب كـ”جزء من الأمة والهوية العربية الإسلامية والإنسانية” وإلى احترام الشعوب والبلدان الأخرى والتعايش السلمي، معطياً الأولوية للشعب في شمال اليمن ودول الخليج العربي، كما نص على التكامل والتعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف وإنشاء برامج تعليمية وتوعوية خاصة لهذا الغرض.
وفي تعريف “مرجعية الإنسان”، تطرق الميثاق إلى ضمان احترام حق ممارسة الشعائر الدينية ونبذ ثقافة التطرف والإرهاب والعصبية والعنصرية، ونبذ العنف بكافة أشكاله واعتماد الحوار كوسيلة وحيدة لحل كل الخلافات في جميع القضايا الوطنية والسياسية، وهي قيم لا يغفل عن أهميتها عاقل للحفاظ على استقرار المجتمع والدولة.
تناول الميثاق أيضاً حرية الفكر والإبداع والتعبير وانتهاج خطاب سياسي وإعلامي يجمع ولا يفرق، ونص في هذا الشأن على ضرورة صياغة ميثاق شرف إعلامي يتضمن تفاصيل الخطاب الإعلامي المنشود.
ولم يفوت كذلك البنود الخاصة بالمرأة والشباب وبالتعليم العام والديني وضمان احترام التباين والاختلاف بين المدارس الفقهية وانتظام كل مراكز التعليم في إطار المؤسسات التعليمية للدولة، وهذه نقطة مهمة للغاية، حيث لا يمكن أن تُحل مثل هذه الاختلافات أو التباينات سوى في إطار الدولة وهي المرجع النهائي والضامن لحرية وضوابط الاختلاف على أساس التنوع وليس على أساس التعدد المفضي إلى صراعات تخل بسكينة واستقرار المجتمع والدولة.
على أن أحد البنود نص على “حماية الديموغرافيا الجنوبية وحفظ وتوثيق السجل المدني قبل العام 1990م، ومراجعته عقب ذلك”، قد يفتح باب التساؤلات عن مصير آلاف الأسر الشمالية التي استقرت في الجنوب بعد الوحدة، سواء عبر علاقات المصاهرة أو العلاقات التجارية وغيرها من ضروب العلاقات الإنسانية، وهو ما يجعل هذا البند بحاجة إلى مراجعة أو صياغته بطريقة أكثر دقة ووضوحاً بحيث لا يساء تفسيره مستقبلاً، ويتضرر منه مواطنون لا علاقة لهم بالاختلالات السياسية لمسار الوحدة.
كما تناول الميثاق الجانب الاقتصادي وفق رؤية تأسيس وتطوير الاقتصاد الوطني بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص وإعادة الاعتبار لرأس المال الجنوبي الذي تضرر من عمليات الإقصاء والتهميش التي مورست عليه ضمن استحواذ النافذين في دولة الوحدة على مقدرات الاقتصاد الوطني واحتكار الوكالات التجارية وغير ذلك من الممارسات التي أضرت ببنية الاقتصاد الوطني لدولة الوحدة جنوباً وشمالاً وجعلت الثروة تتركز في أيدي قلة من النافذين.
وفي محور القضية الجنوبية، صاغ المشاركون في المؤتمر تعريفا مدروسا للقضية في ضوء الإقرار بفشل مشروع وحدة 1990م، ومحاولة فرضها بعد ذلك بالقوة من قبل النظام السياسي في صنعاء عبر حرب صيف 1994م، ثم محاولة الاجتياح الثاني للجنوب من قبل مليشيا الحوثي بعد انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد.
وبالرغم من الإصرار الذي انعكس في الميثاق على استعادة الدولة الجنوبية بحدود ما قبل 22 مايو 1990، فقد تضمن المحور المخصص للقضية الجنوبية بنوداً أقل تشدداً أعطت فيها القوى الموقعة على الميثاق الكلمة الفصل بشأن القبول بأي حلول للقضية دون استعادة الدولة الجنوبية، إلى الشعب، وهو ما يعني ترتيب استفتاء شعبي على أية حلول مقترحة للقضية الجنوبية وفق المعطيات الراهنة.
يعتبر هذا البند انفتاحاً سياسياً من قبل القوى والمكونات السياسية الجنوبية على آخر ما تبقى من رمق للوحدة اليمنية وجهود رأب الصدع، لكن في حال عدم التقاطه من قبل القوى السياسية في الشمال والدولة الفاعلة في الملف اليمني إقليميا ودولياً، فسيغلق هذا الباب الموارب بأسباب إضافية لتمسك القوى الجنوبية بمشروع استعادة الدولة نظراً لغياب روح المبادرة من قبل قوى الشمال للحرص على الوحدة بموجب شروط جديدة مبنية على المعطيات الراهنة وليس على الصلف المعتاد منها منذ تسعينيات القرن العشرين.
أخيراً، لا تخطئ رؤية عاقل إلى المشهد السياسي في الجنوب وإلى مجريات اللقاء التشاوري الوطني الجنوبي، أن ترى أن المشهد ممتلئ بالأسباب والحجج المنطقية لاستعادة الجنوبيين لدولتهم، خاصة في ظل غياب المبادرة من قبل القوى السياسية الشمالية لانتهاج أدوات جديدة قائمة على الاعتدال والإنصاف وجبر الضرر في كل جوانب الوحدة التي اختلت طيلة 33 عاماً.
المصدر نيوز يمن