احمد حافظ
حملت عودة البرلماني السابق والمعارض المصري أحمد الطنطاوي إلى البلاد رسالة مباشرة من السلطة بأنها عازمة على تفويت الفرصة على المتاجرة السياسية بقضيته، واستخدامها ذريعة للانسحاب من الحوار الوطني أو الإيحاء بأن الحكومة تسير عكس اتجاهه وتستخدمه وسيلة لتبييض صفحتها سياسيا.
وعاد الطنطاوي الخميس إلى القاهرة بعد غياب تسعة أشهر قضاها في بيروت، معلنا أنه سيقضي مع عائلته خمسة أيام قبل أن يبدأ مشاوراته ولقاءاته الخاصة والعامة، عقب أسابيع من تلميحه الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام المقبل، وكتب على تويتر “سأبقى دائما أحترم نفسي وأحترمكم.. الأمل أقوى من الخوف”.
وكانت المعارضة المصرية، ممثلة في الحركة المدنية الديمقراطية، استثمرت واقعة إلقاء أجهزة الأمن القبض على أقارب الطنطاوي وأنصاره لتلوّح بالانسحاب من الحوار الوطني، بحجة أن الموقف لا يبعث برسائل إيجابية، وقالت إنها ستدرس معوقات نجاح الحوار لتحدد جدوى استمرارها في المشاركة من عدمه.
◙ تصرفات أمنية فردية تمثل حرجا للنظام في التقارب مع الشارع، وتعوق فتح حوار جاد مع المعارضة
ويمنح استمرار توقيف أشخاص على صلة بشخصيات معارضة، كما حدث مع أقارب الطنطاوي، دعاية مجانية لتيارات مناوئة للسلطة، مثل الإخوان، وبات ضروريا وقف مثل هذه الممارسات، لأنها تمنح خصوم النظام ذخيرة مجانية يستهدفونه بها.
وفي لهجة عبّرت عن مساومة واضحة للحكومة، قالت الحركة المدنية إن قبولها المشاركة في الحوار جاء بعد أن تلقت تعهدات باستكمال الضمانات التي طالبت بها وتوافقت عليها مع الجهة الداعية للحوار.
وقالت مصادر أمنية لـ “العرب”، إن الطنطاوي عاد وخرج من مطار القاهرة إلى مقر إقامته في محافظة كفر الشيخ، شمال القاهرة، دون أن يتعرض له أحد أو يتم سؤاله، حيث وصل وسافر إلى بلدته كأيّ مواطن مصري كونه ليس متابعا في قضية أو هناك موانع أمنية تعوقه، وكان بإمكانه العودة في أيّ وقت سابق دون اعتراضه.
وكشف تجنب الحكومة التطرق إلى قضية الطنطاوي سلبا أو إيجابا عن أنها ليست ممتعضة من عودته، لكنها لا ترغب في توظيفه من جانب قوى مناوئة للمتاجرة به والإيحاء بأن الدولة ضعيفة وتخشى من إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة.
وأفرجت السلطات القضائية عن أقارب الطنطاوي قبيل ساعات من عودته إلى مصر، في توجه يعكس عدم ارتباط الواقعة بما أعلن من قبل عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، بل يعكس الأمر أنه تصرف أمني، ووجدت النيابة العامة أنه لا يستحق الاحتجاز، فجاء الإفراج عن الموقوفين.
محمد سامي: عودة الطنطاوي، كمرشح محتمل للرئاسة، ستكون كاشفة إلى أي درجة أن هناك نية لدى النظام في ممارسة المرشحين لحقهم الدستوري
ولا تزال بعض التصرفات الأمنية الفردية تمثل حرجا للنظام المصري في التقارب مع الشارع، وفتح حوار جاد مع المعارضة، لأن بعض الجهات تقوم بالضبط والتوقيف لأشخاص على خلاف مع السلطة لأسباب واهية أو للمزيد من فرض القبضة بما يوحي بصلابة الدولة، لكن ذلك يضعها في حرج، كلما حاولت تبييض سجلها الحقوقي.
ويستبعد مراقبون أن تكون المضايقات الأمنية التي تطال معارضين في الداخل معبّرة عن توجه سلطة ترغب في توحيد القوى الوطنية خلفها أكثر من أيّ وقت مضى، لمواجهة تحديات تحاصر الدولة على المستوى الاقتصادي والأمن القومي وصراعات على حدود البلاد، بحيث تحتاج لاصطفاف الجميع حاليا.
وأكد محمد سامي الرئيس الشرفي لحزب الكرامة، وهو من تولى رئاسة الحزب قبل الطنطاوي، لـ”العرب” إن الجهاز الأمني صاحب التأثير داخل النظام أدرك أن توقيف الطنطاوي أو مضايقة أقاربه تصرف غير مسؤول وسط انعقاد الحوار الوطني، وما حدث معه يعكس وجود نوايا لدى السلطة لتصحيح الأخطاء، وأن الدولة جادة في الحوار، لكن المعضلة في وجود بعض الأشخاص الذين لا يتجاوبون بما يكفي مع توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن دعم الحوار.
ولا تزال مشكلة بعض الدوائر الأمنية في مصر، مع الطنطاوي، أنه يعارض السلطة بلهجة حادة، ويتحدث عن التغيير بطريقة بعيدة عن أدبيات الحوار، وسبق وأعلن رفضه استمرار الرئيس السيسي وبدا خطابه قريبا من خطاب الإخوان، أو على الأقل يتناغم معه.
ويشير معارضون قريبون من الطنطاوي إلى أنه ومهما كان رفضه للرئيس السيسي فهذا لا يعطي لأحد الحق في ترهيبه أو مطاردة أقاربه، إذ يبعث ذلك برسائل سياسية قاتمة تعبر عن ضجر النظام برمته من شخص، فما بالنا لو التف حوله الكثيرون.
ويظل الطنطاوي أحد الوجوه التي ارتبطت بثورة 25 يناير 2011، ويتحدث بلسانها، في حين تراها قوى نافذة في السلطة سببا في أزمات لا تزال تعيشها مصر، ومن هنا تتحرك جهات أمنية لمنع أيّ مخطط يعيد البلاد إلى فترة مكلفة عبر الطنطاوي أو غيره.
◙ السلطات القضائية أفرجت عن أقارب الطنطاوي قبيل ساعات من عودته إلى مصر، في توجه يعكس عدم ارتباط الواقعة بما أعلن من قبل عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية
ويرى البعض من جيل الشباب في الطنطاوي نموذجا لمرشح رئاسي محتمل حرّ، يستطيع المنافسة في الانتخابات المقبلة، كونه خاض تجربة برلمانية مارس فيها دوره التشريعي والرقابي بشكل جيد، وترأس حزبا معارضا (الكرامة)، ثم استقال منه، ولا يزال قادرا على مناكفة السلطة، لكن شريحة كبيرة من أبناء جيله تراه “متهورا وغير محنك، ويتاجر بكونه جريئا”.
ومن غير المتوقع أن تتسبب عودة الطنطاوي في إزعاج للسلطة كون الشارع نفسه لا يلتف حول المعارضة ويشعر بأنها تبحث عن مصالح ذاتية، كما أن الحركة المدنية ليست لها أرضية شعبية تمكنها في مناكفة الحكومة، وتبدو منقسمة على نفسها وتمارس المعارضة بطريقة غير محنكة أو مزعجة، ما يفسر موافقة السيسي على أيّ مطالب يتفق عليها المشاركون في الحوار الوطني مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية.
وأبدى الرئيس السيسي موافقته على عودة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، في موقف أشادت به القوى المدنية، لكنها باتت تتعامل مع عودة الطنطاوي للبلاد على أنها كاشفة للكثير من الحقائق السياسية، وعلى رأسها كيفية تعامل النظام مع مرشح محتمل للرئاسة ومساحة الحركة المسموحة أمامه للترويج لنفسه وإلى أيّ درجة قد يتعرض لمضايقات، وهو الأمر الذي تدركه دوائر السلطة بعناية.
ودعّم محمد سامي، هذا الرأي، بتأكيده أن عودة الطنطاوي، كمرشح محتمل للرئاسة، ستكون كاشفة إلى أي درجة أن هناك نية لدى النظام في ممارسة المرشحين لحقهم الدستوري بشكل طبيعي، وستظهر النوايا بالإتاحة أم عكسها، وكل ذلك سيكون اختبارا للحوار وقدرته على صناعة حالة جديدة في المشهد العام، وإجمالا هل ثمة جدية سياسية من الدولة.
المصدر العرب اللندنية