كريتر نت – متابعات
تدفع القوى الدولية والإقليمية نحو حل سياسي للأزمة اليمنية لكنها تصطدم بتعنت حوثي، خاصة في ما يتعلق بملف رواتب موظفي القطاع الحكومي، حيث لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق مرض، في حين تفرض جماعة الحوثي شروطا متغيرة وفق مصالحها.
وعلى الرغم من التقدم في عدة قضايا حيوية في المفاوضات غير المباشرة، بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، لا تزال تعقيدات في ملف الرواتب تعرقل مسار إحراز اتفاق شامل بين الجانبين.
الرواتب الحكومية يتمتع بها نحو 1.2 مليون موظف حكومي. ومنذ سنوات تعجز الدوائر الحكومية عن دفع رواتب الموظفين.
ودفع انقطاع الرواتب بهؤلاء وأسرهم نحو هاوية الفقر والجوع، ولم يجد أغلبهم حلا لمواجهة الانهيار الاقتصادي المتلاحق سواء في مناطق سيطرة الحوثي أو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، إلا بالبحث عن أعمال ووظائف لدى القطاع الخاص.
وتقود السعودية وسلطنة عمان وساطة منذ أشهر، بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، تمهيدا لاتفاق شامل ينهي أزمة البلاد المستمرة منذ نحو تسع سنوات.
وفي أبريل الماضي، أجرى وفدان أحدهما عُماني والآخر سعودي في العاصمة صنعاء، مفاوضات مع قيادة الحوثيين، تناولت ملفات عدة، أبرزها رواتب الموظفين.
تأتي التحركات السعودية والعمانية، مع استمرار الجهود التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الرامية إلى توفيق بين وجهتي نظر الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، لحل مختلف الملفات العالقة، خصوصا ملف رواتب الموظفين.
في أغسطس 2016، أصدر الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي قرارا قضى بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، إلى العاصمة المؤقتة عدن (جنوب).
وجاء القرار ضمن الضغوط التي تقوم بها الحكومة اليمنية ضد الحوثيين، الذين سيطروا على كافة مؤسسات الدولة بصنعاء، بما فيها البنك المركزي، أواخر سبتمبر 2014.
وبعد نقل البنك المركزي إلى عدن، توقف تسليم الرواتب إلى الموظفين المدنيين والعسكريين في المناطق الخاضعة للحوثيين، بينما تواصلت الرواتب في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة.
وتقول جماعة الحوثي إن عدد الموظفين الذين انقطعت رواتبهم في المناطق الخاضعة لها، يزيد عن مليون شخص.
قبيل بروز الوساطة السعودية والعمانية، قادت الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية تحركات دبلوماسية، من أجل حل أزمة الرواتب.
ومن أبرز دوافع الأمم المتحدة لحل هذه القضية، التدهور المعيشي الكبير لأسر الموظفين الذين باتوا يعيشون بلا دخل، ما أدى إلى اتساع رقعة الفقراء.
وفي تقرير سابق لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (يمني غير حكومي)، فإن أزمة انقطاع الرواتب “تسببت في دخول ما يزيد عن 6 ملايين فرد في دائرة الفقر الشديد”.
وعلى مدار هذه المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة، تمسكت الحكومة بضرورة تحويل جميع الإيرادات المالية في المناطق الخاضعة للحوثيين، إلى البنك المركزي في عدن، مقابل تسليم رواتب الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
1.2 مليون موظف حكومي يتمتعون بالرواتب الحكومية في حين منذ بداية الأزمة تعجز الدوائر الحكومية عن دفع الرواتب
وتقول الحكومة إن إيرادات ميناء الحديدة (غرب) تكفي لوحدها لسداد رواتب جميع الموظفين في المناطق الخاضعة للحوثيين، فيما تنفي الجماعة ذلك.
وأصرت جماعة الحوثي على أن “الرواتب يجب أن يتم تسليمها في جميع أنحاء اليمن، من إيرادات النفط والغاز التي تتحكم بها الحكومة”.
وخلال الأشهر الماضية، اشترطت جماعة الحوثي أكثر من مرة، تسليم رواتب الموظفين مقابل الموافقة على تمديد الهدنة التي انتهت مطلع أكتوبر 2022، بعد أن استمرت ستة أشهر، منذ أبريل من العام نفسه وتشترط الجماعة صرف رواتب لكل عناصرها وميليشياتها حسب كشوفات العام الحالي، فيما تطرح الحكومة الشرعية كشوفات 2014.
وفي أكتوبرالماضي، منع الحوثيون تصدير النفط من مناطق سيطرة الحكومة وسط وشرقي البلاد، وهددوا باستهداف السفن، ما لم يحصلوا على عائدات من شأنها دفع المرتبات.
وتقول المصادر الحكومية إن ملف الرواتب يشهد تعقيدات جديدة إثر رفع جماعة الحوثي سقف مطالبها بهذا الخصوص.
وأفاد مصدر حكومي مطلع على سير المفاوضات التي تتوسط فيها الرياض ومسقط، بأن “جماعة الحوثي وضعت تعقيدات جديدة، بشأن الاتفاق على آلية تسليم رواتب الموظفين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، والمتوقفة منذ سنوات”.
وأضاف المصدر، مفضلا عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن الحوثي “اشترط صرف مرتبات لكل عناصره وميليشياته (مدنيين وعسكريين) حسب كشوفات هذا العام، فيما الشرعية تطرح كشوفات 2014”.
وأشار إلى أن “الحوثي كان سابقا يوافق على صرف الرواتب، بناء على كشوفات 2014 (قبل اندلاع الحرب)، لكنه رفع السقف مؤخرا”.
ولفت المصدر إلى أن “الحوثي رفع سقف مطالبه نتيجة معرفته بالرغبة الصادقة للحكومة الشرعية والتحالف بقيادة السعودية، في إحلال السلام في اليمن”.
وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، في كلمته خلال القمة العربية بمدينة جدة السعودية الأخيرة، إن “بدلا من إبداء حسن النوايا تجاه المبادرات الحكومية، تواصل الميليشيات الحوثية للشهر الثامن منع وصول السفن والناقلات التجارية إلى موانئ تصدير النفط”.
وأضاف أن “هذه الإجراءات الحوثية تأتي سعيا منها لسحق المكاسب المحققة في المحافظات المحررة، بما في ذلك انتظام دفع رواتب الموظفين، وإعاقة فرص توسيعها لتشمل الموظفين في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرة الميليشيات (الحوثيين)”.
وفي المقابل، قال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط، في كلمة مصورة خلال اجتماع بمحافظة حجة (شمال غرب) في الخامس عشر من مايو الماضي، إن “الولايات المتحدة لا تريد الحل، ولا تريد أن يتم دفع المرتبات، رغم قناعة السعودية بضرورة دفعها”.
وحذر من عواقب “عدم الوصول إلى حلول سريعة للملف الإنساني المتمثل بدفع الرواتب، ورفع الحصار عن مطار صنعاء، وميناء الحديدة، بشكل كامل”.
ورغم التعقيدات الحاصلة، تتصاعد بين اليمنيين آمال بإحلال السلام منذ أن وقّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين مارس الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية، ما أنهى قطيعة استمرت 7 سنوات.
وتبدي السعودية تفاؤلا بإمكانية حل الأزمة اليمنية ودفع طرفي الصراع إلى العودة إلى طاولة الحوار، لكن الوضع يبدو أنه لا يزال ضبابيا.