محمد ناصر
أكد البنك الدولي أن آفاق التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار أو حتى اتفاق سلام في اليمن بات أكثر ملاءمة من أي وقت مضى، منذ بدء الصراع أواخر عام 2014. وشدد على أهمية الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لا سيما تنسيق السياسات النقدية، باعتباره من الأولويات القصوى؛ لأن ذلك سيلعب دوراً مهماً في معالجة انعدام الأمن الغذائي.
وأشار البنك في دراسة جديدة عن الوضع في اليمن، إلى أن عدة سنوات من العنف والصراع هوت بالبلاد الفقيرة بالفعل، وأغرقتها في حالة طوارئ غذائية مستمرة، حتى أنها باتت على شفا المجاعة؛ لكنه عاد وبيَّن أن حياة اليمنيين لم تتأثر بحالة الحرب المفتوحة فحسب؛ بل أيضاً بالحرب الاقتصادية.
وقالت الدراسة إن التقريرين الأخيرين للبنك يقدمان تحليلاً للتداعيات الاقتصادية للحرب، وإبراز الصلات القوية بين صدمات الاقتصاد الكلي التي تعانيها البلاد منذ عام 2014، وانتكاسات الاقتصاد الجزئي التي أصابت الأسر التي تسعى جاهدة لتوفير لقمة العيش لأبنائها.
آثار الصراع
وفق ما جاء في الدراسة، فإنه من بين جميع التحديات الاقتصادية التي يفرضها الصراع، كان تباين السياسات النقدية بين الفريقين المتصارعين، وتدفقات النقد الأجنبي، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود، من أهم الآثار التبعية الناتجة عن الصراع.
ووصفت الدراسة قرار الحكومة المُعتَرف بها دولياً بنقل مقر البنك المركزي إلى عدن في عام 2016، بأنه «يُمثِّل في الواقع قيام مؤسسة جديدة»، وقالت إنه رغم أن البنك المركزي اليمني احتفظ بإمكانية النفاذ إلى الأسواق واستخدام الأدوات النقدية، فإنه كان يفتقر إلى سيولة كافية من النقد الأجنبي.
وحسب الدراسة، ظلت صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون المركز المصرفي والتجاري لليمن، مستفيدة من زيادة التدفقات الوافدة من تحويلات المغتربين والمعونات الخارجية التي تُنفَّذ من خلال النظام المصرفي الرسمي.
وأكدت الدراسة أن الريال اليمني استقر فترة وجيزة في أوائل عام 2019، في أعقاب وديعة كبيرة للمملكة العربية السعودية من العملات الأجنبية في البنك المركزي في عدن؛ لكنه مع استنفاد هذه الوديعة تدريجياً، أعلن الحوثيون أن صنعاء لم تعد تقبل أوراق النقد الجديدة التي تصدرها الحكومة المعترف بها دولياً، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى انفصال السياسة النقدية بين المنطقتين.
تدهور الاقتصاد الكلي
في مواجهة الضغوط المالية المتزايدة التي تفاقمت جراء انهيار إنتاج النفط وصادراته في عام 2015، (وما ترتب عليه من فقدان عائدات النقد الأجنبي)، لجأت الحكومة المعترف بها دولياً إلى تمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود.
وسرعان ما أفضى هذا –حسب الدراسة- إلى استنزاف الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وهو ما جعل البنك المركزي اليمني يتخلَّى عن الدولار بوصفه عملة مرجعية بحكم الواقع، وأدَّى ذلك إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي، في خضم ارتفاعٍ سريع للتضخم وانخفاضٍ في قيمة العملة.
ومع استمرار الصراع، أوضحت الدراسة أن اقتصاد اليمن تحول أكثر فأكثر إلى اقتصاد مزدوج بحكم الواقع؛ حيث انقسم بين المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، والمنطقة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى قيام نظامين منفصلين، كما يتضح ذلك في الاختلافات في أسعار الصرف بين المنطقتين. وقالت إنه في أعقاب انقسام العملة، واصلت قيمة الريال التراجع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً.
الدراسة نبهت إلى أن هذه الظروف كانت لها تداعيات كارثية على صعيد الاقتصاد الكلي، وعلى صعيد الاقتصاد الجزئي، وأوضحت أنه مع أن متوسط تكلفة المواد الغذائية الأساسية زاد بصورة كبيرة في كل مديرية منذ عام 2015، أوجد تباين السياسات النقدية اختلافات اقتصادية، مثل تباين الأسعار بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، وتلك التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
ورأى معدو الدراسة أنه مع تقدُّم الجهود الرامية إلى إحلال السلام في اليمن، يجب أن يكون الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لا سيما تنسيق السياسات النقدية، من الأولويات القصوى.
وقالوا إن ذلك سيلعب دوراً مهماً في معالجة انعدام الأمن الغذائي لأبناء الشعب اليمني من الفئات الأكثر احتياجاً. وأكدوا أن تقريرَي البنك الدولي الأخيرين يقدمان فهماً لظروف معيشة الناس العاديين في أنحاء اليمن، وأنهما مهمان للحفاظ على متابعة ديناميات الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والصلات بينهما، من أجل مساندة إصلاحات على مستوى السياسات لتحقيق نمو شامل للجميع وخفض معدلات الفقر.
المصدر الشرق الأوسط