كريتر نت – متابعات
كان يُنظر إلى قائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية يفغيني بريغوجين على أنه حليف وثيق للرئيس بوتين، لكن مستقبله الآن لا يزال غير واضح، لذلك من الصعب معرفة ما سيحدث لمقاتلي فاغنر المنتشرين حول العالم وخاصة في أفريقيا.
وفي الوقت الذي يستكشف فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كيفية التعامل مع قائد مجموعة فاغنر المسلحة والطاهي السابق له يفغيني بريغوجين وجماعته المتمردة، يسعى وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف لطمأنة الدول التي تستعين بخدمات مرتزقة فاغنر بأن الأمور ستسير كالمعتاد.
وفي مقابلة تلفزيونية استهدفت الجمهور الأجنبي قال سيرجي لافروف إن أحداث مطلع الأسبوع، في إشارة إلى تمرد مجموعة فاغنر على السلطات الروسية، “لن تؤثر على العلاقات مع الشركاء والأصدقاء”.
ويرى المحلل السياسي الأميركي بوبي جوش أن رسالة لافروف استهدفت بشكل أساسي قادة دولتي مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، الذين يعتمدون على مقاتلي فاغنر لحماية أنظمة حكمهم. لكن حكام الدولتين سيحتاجون إلى ما هو أكثر من الكلمات المهدئة لكي يشعروا بالاطمئنان. فهؤلاء القادة يدركون أن بوتين سيقوم بعملية تطهير لجيش بريغوجين الخاص بعد التمرد الأخير.
وفي الوقت نفسه فإن التطورات الأخيرة تقدم للدول الغربية فرصة ذهبية لاقتلاع مجموعة فاغنر وعناصرها من الدول الأفريقية التي تنشط فيها وبخاصة مالي وأفريقيا الوسطى.
ويواجه الكولونيل أسيمي جويتا رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي وفاوستين أرشينج تواديرا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى حالة من الغموض في مرحلة إعادة ضبط العلاقة بين الكرملين ومجموعة فاغنر.
وسيكون جويتا الأشد قلقا. فمنذ استيلائه على السلطة في انقلابين متتاليين الأول في أغسطس 2020 والثاني في مايو 2021، تزايد اعتماد المجلس العسكري المالي على مسلحي فاغنر.
وفي وقت سابق من العام الحالي، طالب جويتا القوات الفرنسية المنتشرة في مالي بمغادرة البلاد، وهو الطلب الذي رحب به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان حريصا على إخراج نفسه من عملية مكافحة الإرهاب الدائرة في منطقة الساحل والشمال ويشارك فيها حوالي 5000 جندي فرنسي. وفي الشهر الماضي طلب المجلس العسكري سحب قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوامها 13 ألف جندي.
وتنشر فاغنر في مالي حوالي 1000 مسلح بقيادة إيفان ماسلوف المدرج على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية بتهمة محاولة تهريب الأسلحة من مالي لاستخدامها في حرب روسيا بأوكرانيا. وتصف وزارة الخزانة الأميركية عمليات فاغنر في أفريقيا بأنها “مزيج من العمليات شبه العسكرية لروسيا ودعم لأنظمة الحكم المستبدة واستغلال الموارد الطبيعية” للدول الأفريقية.
ورغم أن المجلس العسكري المالي يقول إن الروس الموجودين في مالي “مدربون عسكريون”، هناك أدلة واضحة على أن مقاتلي فاغنر يشاركون في العمليات العسكرية إلى جانب قوات مالي.
وتتهم الأمم المتحدة عناصر فاغنر في مالي بالتورط في عمليات تعذيب واغتصاب.
وأشار تقرير صادر عن منظمة سنتري الأميركية غير الهادفة إلى الربح، إلى تورط عناصر فاغنر في جرائم مماثلة في أفريقيا الوسطى، استنادا إلى إدعاءات جمعتها المنظمة من خلال نشطاء محليين ومنظمات حقوقية دولية وحكومات غربية على مدى سنوات.
ويرى جوش أن تمرد فاغنر قصير الأجل في روسيا، جاء في أسوأ وقت بالنسبة للكولونيل جويتا، حيث تكثف الجماعات الإسلامية المتطرفة عملياتها في مالي متشجعة بانسحاب القوات الفرنسية، فقتلت المئات وشردت الآلاف. كما أن انسحاب بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة سيؤجج الفوضى في شمال مالي التي ينشط فيها المسلحون المرتبطون بتنظيم القاعدة الإرهابي والانفصاليين الطوارق.
ويدرك قادة المجلس العسكري المالي أن اعتمادهم على فاغنر لا يحقق لهم ميزة عسكرية في أرض المعركة، كما لن يدركوا هزائم مرتزقة فاغنر أمام المتطرفين الإسلاميين في موزمبيق وكذلك في أفريقيا الوسطى.
لكن تركيز جويتا ورفاقه في المجلس العسكري في مكان آخر وهو الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يضمن لأعضاء المجلس الحماية من أي ملاحقة قضائية بتهم الانقلاب العسكري، ويسمح لجويتا بخوض الانتخابات الرئاسية بصلاحيات أوسع. وتم إجراء الاستفتاء يوم التاسع عشر من يونيو الماضي بنسبة مشاركة بلغت 39 في المئة فقط من إجمالي الناخبين.
وتعهد المجلس العسكري المالي بإجراء انتخابات وفقا للدستور الجديد في العام المقبل، لكن تزايد خطر المتطرفين الإسلاميين يمنح جويتا مبررا لتأجيل أي انتخابات.
وفي الوقت نفسه فإنه في أمس الحاجة إلى المساعدة العسكرية لكي يظل في الحكم. ولكن على جويتا انتظار ما سيحدث في روسيا بعد انتهاء تمرد فاغنر وما إذا كان ماسلوف ورفاقه من قادة المجموعة سينجون من عمليات التطهير التي ستعقب التمرد. فحتى لو لم يكن لهم أي دور في التمرد، فإن مجرد اختيار بريغوجين لهم كقادة في مجموعته يجعلهم موضع شك بالنسبة لموسكو.
وإذا تم استنزاف قدرات فاغنر في مالي بسبب عمليات التطهير المنتظرة لصفوفها، سيزداد قلق جويتا، ويصبح نظامه العسكري أكثر عرضة لهجمات الإسلاميين.
وهذه التطورات تعطي الغرب فرصة للضغط من أجل تغيير قواعد اللعبة في باماكو. وعلى فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغط على المجلس العسكري للتراجع عن طلبه سحب بعثة السلام التابعة للأمم المتحدة، وإلزامه بطلب توسيع نطاق تفويضها.
وعلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفائها الأوروبيين تقديم ما هو أكثر مما تحصل عليه القوات المالية من فاغنر في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي الوقت نفسه على واشنطن وحلفائها فرض المزيد من العقوبات على مجموعة فاغنر وعناصرها، والشركات التي تعمل معها، مع فرض غرامات باهظة على الأنظمة التي تواصل الاستعانة بالمرتزقة.
وحسنا فعلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلانها مؤخرا فرض عقوبات على أربع شركات متورطة في عمليات فاغنر لاستخراج الذهب وتوزيعه. كما عاقبت موظفا آخر لفاغنر في مالي بتهمة العمل لصالح بريغوجين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويقول مصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة إن المجموعة إذا اختلفت مع الحكومة الروسية وتم حلها، فلن تتم إعادة تزويد وحداتها في أفريقيا من قبل السلطات الروسية.
ويضيف المصدر أن المقاتلين قد يتركون دون أجر بالمقابل، دون دعم سياسي أو عسكري، وتحديدا في دول أفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان ومالي.
وهذا يعني أن مقاتلي فاغنر المنتشرين حاليا في تلك البلدان يمكن أن يكونوا عاطلين عن العمل ومؤهلين للتأجير، ما يشكل خطرا كبيرا في البلدان التي تتصارع مع عدم الاستقرار والحروب الأهلية وحركات التمرد.