كريتر نت – متابعات
يجمع محللو قطاع الطاقة على أن إستراتيجية السعودية نحو جعل أسعار النفط ترتفع من خلال خفض الإنتاج تبدو بعيدة عن تحقيق الأهداف وسط تأكيدات بأن تحركات أوبك+ ستقضي في النهاية على الفائض الذي تراكم بالأسواق العالمية في الشهرين الماضيين.
لندن – مددت السعودية، أكبر منتج في منظمة أوبك، خفض إنتاجها الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا حتى أغسطس المقبل، ما يؤدي إلى ترك إنتاج البلاد عند حوالي 9 ملايين برميل يوميا، وهو المستوى الأدنى منذ سنوات.
وكان البلد الخليجي النفطي يضحي بمفرده بحجم المبيعات الهائلة رغم وجود خطوات مماثلة من أعضاء في أوبك+ وأولهم روسيا في محاولة للتغلب على أسعار النفط الضعيفة، لكنها لم تحصد حتى الآن سوى القليل من المكافآت.
وتندرج الخطوة في إطار مساعٍ تبذلها كبرى الدول المنتجة للنفط لإرساء الاستقرار في الأسواق التي ترزح تحت وطأة عوامل عدة من بينها التداعيات المستمرة للحرب في شرق أوروبا وتعثّر تعافي الاقتصاد الصيني.
وعقب التحرك السعودي استجابت أسعار النفط الفورية بشكل إيجابي، حيث زاد سعر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 2.1 في المئة ليصبح تداوله عند 71.25 دولارا للبرميل بينما ارتفع خام برنت بنسبة اثنين في المئة ليصبح تداوله عند 76.15 دولارا للبرميل.
لكن تجار النفط ما زالوا غير مقتنعين. وقال مروان يونس وهو كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق التحوط مسار كابيتال مانجمنت، إن “المكاسب من المرجح أن تكون قصيرة الأجل”.
أما أولي هانسن رئيس إستراتيجية السلع في ساكسو بنك، فأكد في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن المشكلة تكمن في أن التأثير يكون محدودا عند خفض الإنتاج في بيئة تشهد تراجعا بالفعل. ولا يتوقع أن يختلف الوضع خلال الفترة المقبلة.
وفي الشهر الماضي، بقيت معنويات وول ستريت منخفضة بعد أن أعلنت السعودية عن تمديدها الخفض لأول مرة رغم المخاوف من تقلص المعروض بعدما ازداد النهم الصيني على الوقود الأحفوري بعد ثلاث سنوات من الإغلاق.
وخفض المحلل في غولدمان ساكس جيف كوري مرة أخرى توقعاته لخام برنت لشهر ديسمبر من 95 و100 دولار للبرميل إلى 86 دولارا.
وأشار كوري إلى زيادة المعروض من روسيا وإيران وفنزويلا، وأيضا ألمح إلى مخاوف الركود المتزايدة والرياح المعاكسة المستمرة لزيادة الأسعار مع ارتفاع أسعار الفائدة لتفسير توقعاته.
واستبعد بنك جي.بي مورغان أن تتجاوز أسعار خام برنت حاجز المئة دولار للبرميل هذا العام ولكنه ربط ذلك بحدوث تطورات جيوسياسية كبيرة، وسط احتمالات بأن تزيد مجموعة أوبك+ الإمدادات وأن تتعافى التدفقات الروسية بحلول منتصف 2023.
ويتوقع المحللون في مؤسسة سيتي تراجعا، قائلين إن “التخفيضات السعودية لن تحافظ على مكاسب في حدود 80 وحتى 90 دولارا بسبب ضعف الطلب وتوفر إمدادات أقوى من خارج أوبك بحلول نهاية العام”.
كما تحولت أسواق العقود الآجلة للنفط إلى اتجاه هبوطي عميق مع سيطرة البيع المكشوف على الأسواق.
وأدى انهيار بنك سيليكون فالي في مارس الماضي إلى هروب هائل لرؤوس الأموال من النفط إلى المعادن النفيسة، وانتشر الذعر من أن هذا قد يكون بداية لأزمة مصرفية ومالية أخرى.
ووفقا لمحللي السلع الأساسية في شركة ستاندرد تشارترد للخدمات المصرفية والمالية، فقد سبب انهيار بنك وادي السيليكون التحرك الأسرع على الإطلاق إلى الجانب القصير في أسواق النفط.
وأشاروا إلى أن المضاربة القصيرة كانت أكبر بست مرات من تلك التي سُجّلت بعد انهيار بنك ليمان براذرز وبير شتيرنز في 2008.
وشهدت توظيفات متصرفي الصناديق عبر العقود الآجلة الأربعة الرئيسية لخام برنت وغرب تكساس الوسيط إبرام عقود أقصر بمقدار 228.9 مليون برميل في غضون أسبوعين فقط.
وكما هو متوقع، تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال سنوات في غضون أيام قبل أن ترتفع قليلا بفضل قرار اتخذه بعض أعضاء أوبك+ في مطلع أبريل الماضي بإجراء تخفيضات طوعية للإنتاج.
ويرى أليكس كيماني الكاتب المالي المخضرم في منصة “أويل برايس” الأميركية أن الهيئات المعنية بقطاع الطاقة عالميا تبدو أكثر تفاؤلا، ويبرز ذلك من خلال نشرها لتقييمات إيجابية حول السوق خلال الفترة المقبلة من العام 2023 أو حتى العامين المقبلين.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فإن الاستهلاك العالمي للنفط لا يزال في طريقه إلى الارتفاع بمقدار مليوني برميل يوميا هذا العام نحو أعلى مستوى له ليبلغ 101.9 مليون برميل يوميا.
وتتقلص المخزونات تدريجيا مع تنفيذ أوبك+ لتخفيضات إنتاج جديدة. وقد تراجعت مخزونات الخام إلى ما دون المتوسط المسجل خلال السنوات الخمس الأخيرة للمرة الأولى هذا العام.
وارتفع الطلب الضمني على البنزين في الأسبوع الماضي بمقدار 992 ألف برميل يوميا إلى أعلى مستوى في 15 شهرا عند 9.511 مليون برميل يوميا.
وتتوقع شركة ستانشارت أن تخفيضات أوبك+ ستقضي في النهاية على الفائض الذي تراكم في أسواق النفط العالمية خلال الشهرين الماضيين.
ووفقا للمحللين، فقد انطلق تسجيل فائض نفطي كبير خلال أواخر العام الماضي وامتد إلى الربع الأول من العام الحالي.
ويقدر المحللون أن مخزونات النفط الحالية أصبحت أعلى بمقدار 200 مليون برميل مما كانت عليه في بداية العام الماضي وهي أكثر بواقع 268 مليون برميل من الحد الأدنى في يونيو 2022.
لكنهم الآن متفائلون بأن الاتجاه المُسجّل خلال الربعين الماضيين سوف ينتهي بحلول نوفمبر المقبل إذا تقرر الإبقاء على التخفيضات طوال العام.
وفي سيناريو صعودي أقل بقليل، سيتحقق نفس الشيء بحلول نهاية العام الجاري في حال تقرر عكس التخفيضات الحالية في شهر أكتوبر تقريبا، حيث سيدعم تحرك كهذا الأسعار.
وقال المحلل من بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش فرانسيسكو بلانش إن “أسعار النفط عالقة في صراع بين قوتين متصادمتين”.
وأضاف أنها “عالقة بين أصحاب النظرة الهبوطية الذين يشيرون إلى الانكماش النقدي والمضاربين الصاعدين على النفط الخام الذين يتوقعون انخفاض المخزونات في النصف الثاني من العام الحالي”.
وأكد بلانش أن أصحاب النظرة الهبوطية سيحتفظون بالسيطرة في الوقت الحالي، حيث تكافح أسعار النفط للارتفاع في انتظار تخفيف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) للمعروض النقدي.