حسن المصطفى
غازي السماك، واعظٌ بحريني، أصبحَ له حضور فاقعٌ في وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الأخيرة، كونه أحد الأصوات الأكثر تشدداً في مواجهة خطاب “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية”، وأحد الأفراد الذين يكتبون عن “الجمعية” بشكل دائمٍ عبر منصة “تويتر”.
السماك – برأيي الشخصي – أحد الأسماء التي ستُنسى قريباً، وستبقى في الذاكرة أيضاً!
سيُنسى كأنه لم يكن، لأن خطابه لا يملك أي مقومات البقاء، فهو قائم على الضدِ من الآخر، ومناكفته، ويقتاتُ على الأزماتِ. لذا، ما أن تنتهي “الفتنة” المجتمعية التي يصطادُ في بحرها، سيضمحلُ أثره، وينسى المتابعون اسمه ورسمه.
من هنا، يجدُ المراقب إصراراً من السماكِ على مواصلة التحريض الفاقع ضد مخالفيه، لأنها وسيلته المُثلى للبقاء كـ”نجم” ساطع، وأيقونة لدى التيار الديني المتشدد، وهذا الأمر يجعلهُ يمعنُ في الذهاب أكثر صوبَ “العنف اللفظي” خوفاً على ذاته من أن يكون “عابراً في كلام عابر”.
في ذات الوقتِ، سيقى غازي السماك، في ذاكرة مدوني السيرة المجتمعية البحرينية، كأحد أشرس المحرضين على الآخر، وكنموذج للدعاة الذين لم يكترثوا للحرائق التي أشعلوها، بل استمروا يوماً بعد آخر في توسيع دوائرها.
السماكُ مثالٌ بارزٌ على سلوك التيار الراديكالي، وجماعات “الإسلام السياسي”، ومحاولتهم التلاعب بـ”المفاهيم” واستخدام بعض العبارات لإيهام الأتباع بأنهم منفتحون على الآخر، ويريدون الحوارَ معه.
خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، وعبر حسابه بمنصة “تويتر”، قدم الدبلوماسي البحريني السابق نزار رضي، مبادرة للحوار بين “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية” ونقادها، وكان وجه الدعوة إلى غازي السماك، إلا أن الأخير عملَ على وأد المبادرة في مهدها.
السماك الذي طالما ادعى أنه يقبل الحوار، ويريد المناظرة، وغرد كثيراً تحت وسم “لا لخطاب الكراهية”، لم يكن كل ذلك إلا تكتيكاً لذرِ الرماد في العيون.
زيارة سريعة لحساب الواعظ السماك في “تويتر” يظهر حجم “العنف الرمزي” الذي يعتبر مدماك سرديته، وأساسَ منهجه الاقصائي، ويبينُ تناقضه في دعواته المتكررة إلى الحوارِ وضدهِ.
نزار رضي، انطلق في مبادرته من خلفية عمله الدبلوماسي، ساعياً للتقريب بين المختلفين، وجمعهم على طاولة واحدة، وجعل النقاش العلمي البعيد عن التشنج، وسيلة لتخفيف التوترات التي سادت بين مكوناتٍ مختلفة من المجتمع.
لقد كان مقلقاً جداً أن تصل الفرقة في البيت البحريني إلى أبناء العائلة الواحدة، والقرية والمدينة الواحدة، وأن يُمنع أفرادٌ من حضور المناسبات الاجتماعية في الأفراح أو المآتم، بحجة أنهم غير مرحبٍ بهم في هذه الأماكن، لا لشيء إلا لأنهم يتبنون أفكاراً خاصة بهم.
التراشقُ الحاد والتحريض، سادَ لفتراتٍ في مجموعات “الواتس آب”، و”تويتر” و”إنستغرام”، فضلاً عن منابر المساجد ومواكب العزاء؛ وهو ما يهدد السلم المجتمعي، وقد تكون له آثار سلبية تتعدى البحرين، لما للخطابات الفتنوية من قدرة على التمدد واستثارة الغرائز.
استشعارُ هذا الخطر هو المحركُ لمبادرة نزار رضي الحوارية، رغم إنني شخصياً كنت مدركاً أن التيار المتشدد سيقفُ حائطاً أمام نجاحها، ولم تكن لدي أي آمالٍ وردية. إلا أن حسنتها، أنها أسقطت ورقة التوت عن غازي السماك ومن يمثلهُ، وأبانت أن الراديكاليين لا يهمهم الحوار، وإنما يبتغون الغلبة والسيطرة وقهرَ الآخر وهزيمته، لا التعايش معه.
المبادرات الساعية لترسيخ قيم المواطنة والتعددية واحترام الآخر وسيادة القانون، يجب أن تستمر، وأن تطرح بطريقة عملية وعبر صيغٍ تشاركية مع أطراف لديها القابلية للحوار والتفاعل فيما بينها، ويجب أن لا يُصابَ “الوطنيون” بأيِ إحباطٍ منشئه مواقف التيار المتشدد الممانعة، وهي جماعات لا يمكنها أن تعيش إلا في أجواء من التأزيم.
في ذات الوقت، من المهم نقد خطابات التطرف، وتفكيك أسسها المعرفية والفقهية، ونزع قداستها، وتبيان أن المجتمع ليس مُلكاً للوعاظ المتعصبين، وأن عليهم القبول بأنهم جزء من المجتمع وليسوا سادة له أو قادة يُسبحُ الآخرون بحمدهم!
البحرين دولة ومجتمع طالما عُرفَ بالتعدد وتجاور الثقافات، وأبناؤه سباقون نحو العلم والثقافة والسماحة، ولذا، كان النقد – في المقال – تجاه التيار المتشدد، مباشراً، وقد يعتبره البعض “قاسياً”، إلا أن ذلك منشأه ضرورة الحفاظ على التعددية التي تباهت بها البحرين لسنواتٍ، ويريد المتشددون على مختلف توجهاتهم طمسها!
نقلاً عن “النهار” العربي