كريتر نت – متابعات
ازداد الحديث والوعي بشأن تجميد البويضات في الدول العربية، لكن بعض القوانين تخلفت عن التطور العلمي، وباتت عائقا أمام حق المرأة في الأمومة المؤجلة إضافة إلى العوائق الاجتماعية والاقتصادية.
والتعرض لأزمة صحية، أو عدم وجود الشريك المناسب، أو الرغبة في التركيز على الحياة المهنية، كلها أسباب تدفع بالمرأة نحو قرار تجميد البويضات، لكن هذا الحق غير متاح لكل النساء في العالم العربي.
لم يخطر في بال الشابة العراقية مريم أنها ستحتاج يوما إلى تجميد البويضات للحفاظ على حلم أن تكون أما في يوم من الأيام بعد إصابتها بمرض السرطان، لكن كونها مطلقة حرمت من هذا الحق وفق القانون العراقي.
وتلجأ العديد من النساء العازبات أو المتزوجات إلى خيار تجميد البويضات الذي أصبح شائعا في مختلف أنحاء العالم، ولكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك عوائق كثيرة كالعوائق المادية نظرا لارتفاع تكلفة العملية في بعض الدول، وعوائق قانونية، وأخرى دينية أحيانا.
واضطرت مريم للسفر خارج البلاد لتجميد البويضات، وتقول إنها بسبب تفهم عائلتها لها وقدرتها المالية الجيدة استطاعت أن تسافر إلى لبنان لتجميد البويضات، في حين لم تنل الكثير من العراقيات هذا الحق الإنساني بالدرجة الأولى.
تجميد البويضات إحدى الطرق المستخدمة لحفظ القدرة الإنجابية لدى النساء اللواتي لا يمكنهن الإنجاب في الوقت الحالي لأسباب صحية أو اجتماعية أو تتعلق بأولويات ومشاغل حياتية
وفي دراسة أجراها الباحث العراقي عثمان محمود الجبوري بعنوان “تجميد البويضات فقهاً وقانوناً”، ونشرت عام 2021، يذكر المادة الثالثة من قانون المعهد العالي لتشخيص العقم والتقنيات المساعدة على الإنجاب (رقم 19 لسنة 2011) الذي ينص على أن “تجميد النطف والبويضات المخصبة فقط للزوجين”، أي أن المشرّع تجاهل تجميد البويضات غير المخصبة.
والتعليمات الصحية حول تجميد البويضات مخالفة للدستور العراقي الذي “نص في المادة الرابعة عشر على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، بالتالي لماذا يمنع عن المرأة المطلقة أو الأرملة ما يُباح للرجل بالنسبة إلى تجميد السائل المنوي”.
وقد تم تداول مقترح بغرض إقراره قانونياً لينظم التعامل مع بنوك الحيوانات المنوية والبويضات وكذلك قضية استئجار الأرحام إلا أنه لم يبصر النور.
ويتم في عملية تجميد البويضات استخراج البويضات من مبيضي المرأة وحفظها غير مخصَّبة بواسطة التجميد، ليتم استعمالها في ما بعد ورفع قدرة النساء على الحمل في المستقبل. فإذا رغبت السيدة بالحمل يمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها، ثم زرعها في رحم المرأة عن طريق التلقيح الصناعي.
وتُعد هذه إحدى الطرق المستخدمة لحفظ القدرة الإنجابية لدى النساء اللواتي لا يمكنهن الحمل والإنجاب في الوقت الحالي، لأسباب صحية أو اجتماعية أو تتعلق بأولويات ومشاغل حياتية.
ويمكن لأي امرأة أن تختار الاحتفاظ ببويضاتها، لكن هناك نساء يصبح هذا الخيار لديهن ضرورة قصوى مثل من يعانين من أمراض وراثية أو أمراض في الدم من شأنها التأثير على عدد وجودة البويضات، أو تسبب العقم. والمصابات بالسرطان اللاتي يخضعن للعلاج الكيميائي، إذ يمكن لهذا النوع من العلاج التسبب في الإصابة بالعقم. وكبديل لعملية تجميد الأجنة (أي تجميد بويضات مخصبة بحيوان منوي) التي يرفضها البعض لأسباب عقائدية أو أخلاقية. والنساء اللاتي يخشين التقدم في السن وتراجع فرصهن في حدوث حمل طبيعي.
يمكن لأي امرأة أن تختار الاحتفاظ ببويضاتها، لكن هناك نساء يصبح هذا الخيار لديهن ضرورة قصوى بسبب بعض الأمراض
ويمكن اللجوء إلى هذه العملية في حال الإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي تتطلب استخدام أدوية تحوي مواد يمكن أن تسمم الغدد، أو معاناة بعض النساء من مشاكل خطيرة في بطانة الرحم، أو لغياب حيوانات منوية للقاح خلال عملية زراعة طفل الأنبوب، فيتم تجميد البويضات بانتظار حيوانات منوية كافية.
ويجب أن تتم العملية في بضع دقائق بهدف المحافظة على شكل البويضة، ثم تُحفظ في درجة حرارة منخفضة تصل إلى 196 درجة تحت الصفر، وتستخدم مضادات صقيع خلوية قبل أن توضع البويضة في سائل الآزوت.
وبدأ الحديث يزداد عن هذه العمليات في السنوات الأخيرة، مع ازدياد الوعي بشأنها في الدول العربية، فقد ظهرت العديد من نجمات مواقع التواصل الاجتماعي والناشطات أعلن أنهن قمن بها.
ومع اختلاف الدولة التي تنتمي إليها الناشطة يختلف الجدال بسبب طبيعة القوانين في كل بلد، ففي تونس تعتبر القوانين أقل حدة من العراق لكنها في نفس الوقت لا تمنح المرأة الحق بتجميد البويضات إلا ضمن شروط.
وتقول سونيا “أنا شابة عزباء اكتشفت مؤخرا خلال زيارة طبية قرب نفاد مخزون بويضاتي، وقد أعلمني طبيبي أنّه لديّ نقص كبير في البويضات، ووضعيّة خصوبتي أشبه بوضعيّة امرأة في سنّ الـ48 بعد أن انقطع عنها الطمث، وقد وجدت نفسي في وضع صعب وأمام حاجز قانوني يحرمني حقّي وحقّ العديد من النساء التونسيات من أمثالي في الأمومة”.
وتعتبر عملية تجميد البويضات غير متاحة لجميع النساء في تونس بل موجّهة فقط للمرأة التي تعاني من الأمراض السرطانية ومعرّضة سواء للعلاج الكيميائي أو الأشعة وذلك خوفًا على سلامة بويضاتها وأيضًا نقص مخزونها مع التقدم في السن، ويمنع على الطبيب إجراء هذا النوع من العمليات دون استكمال الشروط.
ويمر اختيار المرأة التي تريد الخضوع لهذه العملية، بلجنة متكوّنة من أطباء وشيوخ ومسؤولين من وزارة الصحة، تمضي إثرها المرأة على عقد بعد استظهارها بوثيقة الزواج.
والقانون التونسي محدّد في هذا السياق ويمنع العزباء من القيام بمثل هذه العمليات، على عكس عدد من دول العالم التي أنشأت بنوكًا للبويضات يقع فيها التجميد أو حتّى تبادل البويضات.
ونص القانون التونسي الصادر في 7 أغسطس 2001 والمتعلّق بالطبّ الإنجابي في فصله السادس على أنّه “يمكن استثنائيا للشخص غير المتزوج والذي يخضع لعلاج أو الذي يستعد للخضوع إلى عمل طبّي من شأنه أن يؤثر على قدرته على الإنجاب، اللجوء إلى تجميد أمشاجه قصد استعمالها لاحقا في إطار رابطة زواج شرعي وفي نطاق الطب الإنجابي وطبقا للقواعد والشروط الواردة بهذا القانون”.
وينظم الفصل الرابع مسألة التجميد بالنسبة إلى المتزوجين، حيث ينصّ على أنّه “لا يمكن اللجوء إلى الطب الإنجابي إلاّ بالنسبة إلى شخصين متزوجين وعلى قيد الحياة وبواسطة أمشاج متأتّية منهما فقط وأن يكونا في سنّ الإنجاب”. فيما يوضّح الفصل الخامس أنه “لا يمكن تلقيح الأمشاج ولا زرع الأجنة في إطار الطب الإنجابي إلا بالحضور الشخصي للزوجين المعنيين وبعد الحصول على موافقتهما الكتابية”.
ويعني ذلك أنّ القانون لم يسمح بتجميد البويضات إلاّ في حالات محدّدة وهي لامرأة متزوجة يكون زوجها على قيد الحياة وبموافقته ولم يسمح المشرّع للمرأة العزباء بذلك إلاّ في حالة خضوعها لعلاج مثل العلاج الكيميائي في حالة الإصابة بالسرطان وما قد ينجرّ عن ذلك من إضعاف للخصوبة الأمر الذي يحتّم تجميد بعض البويضات لحماية حقّ الإنجاب في ما بعد لكنه لم يصرّح بذلك بالنسبة إلى باقي الحالات المشابهة لحالة “سونيا”.
وقال الدكتور فتحي زهيوة وهو رئيس قسم أمراض النساء ووحدة طفل الأنبوب بالمستشفى الحكومي عزيزة عثمانة في تونس العاصمة والمتخصص في تجميد البويضات “هناك طلب متزايد من النساء العازبات بشكل شبه يومي”.
وأوضح أن الطلب “تزايد خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب تطور المجتمع التونسي حيث يبلغ معدل سنّ الزواج لدى النساء 33 عاما”.
وتابع الطبيب أن “عملية التجميد مطروحة لأسباب مجتمعية، هي مشكلة حقيقية (…) لأنّ هناك فارقاً بين العمر البيولوجي الذي يتحكم في سنّ الإنجاب وبين العمر المجتمعي الذي يتحكم في تطور الحياة المهنية”.
وكشف الطبيب أن تجميد البويضات يمثل “15 في المئة من إجمالي نشاطنا، ولا يمكن تجاهل ذلك. ومنذ العام 2014 حوالي ألف امرأة جمّدن بويضاتهن وزهاء 80 في المئة منهن عازبات”.
ويعتبر أن مراجعة القانون الذي يؤطر المسألة “سهلة ويجب فقط أن تكون هناك رغبة سياسية خاصة وأنه لا مانع في ذلك من قبل رجال الدين”.
وشارك الطبيب في إعداد القانون في العام 2001 وقال إن النص وقع “للأسف ضحية صدوره المبكر”، إذ كان آنذاك متقدما بأشواط مقارنة بدول مجاورة.
ولا يوجد في الجزائر قانون يؤطر هذه الممارسة الطبية التي يُسمح بها للمتزوجات ويتم ذلك في مراكز الإنجاب عبر توقيع عقود مع النساء اللاتي يرغبن في ذلك.
أمّا في المغرب، فقد صدر قانون عام 2019 يحصر هذا المسار الطبي بالنساء المتزوجات.
ولا يوجد لهذا الإجراء الطبي أثر في ليبيا.
من جهتها، حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل بجواز عملية تجميد البويضات، إذا ما أجريت بضوابط معينة، أولها أن تكون عملية التخصيب بين زوجين، وأن يكون استخراج البويضة وإعادتها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي، ولا يجوز ذلك بعد انفصالهما أو وفاة الزوج. أما الضابط الثاني هو أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن وتحت رقابة مشددة، لمنع اختلاطها بغيرها من اللقائح المحفوظة.
وتمثل الضابط الثالث في ألا توضع البويضة الملقحة في غير رحم صاحبتها، والضابط الرابع هو ألا يكون لعملية تجميد البويضة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخلقية، أو التأخر العقلي في ما بعد.
بينما استعانت الفتوى بقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1990، وفيه يجب السحب من البويضات عند الحاجة لتلقيحها، وتجنب وجود فائض بعد ذلك، وإذا حدث، تترك البويضات دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي، كما لم تتطرق الفتوى إلى وضع المرأة غير المتزوجة، بل كان التشريع أكثر لحالات التلقيح الاصطناعي، أو ما يعرف بطفل الأنابيب.
أما سوريا فقد شهدت أول عملية تجميد بويضات عام 2009، وبعد 10 سنوات تقريباً ارتفعت وتيرة هذه العمليات مع هجرة الشباب بشكل كبير وارتفاع تكاليف المعيشة خلال سنوات الحرب.
واليوم أصبحت عملية تجميد البويضات أمراً شائعاً لدى الفتيات السوريات، بعد أن كان الأمر غير مألوفاً ويحكى عنه بالهمس.
وأرجعت الأخصائية الاجتماعية سهى عكاوي هذا الإقبال المتزايد على عملية تجميد بويضات إلى ازدياد ثقافة المجتمع وخاصة الفتيات إثر الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي تتناول هذه المواضيع وتناقشها، وتقول “كان الأمر غير مقبول في السابق أما الآن فقد تغير الوضع، مع تأخر سن الزواج مما ساهم في ارتفاع أعداد الفتيات اللواتي يقمن بهذه العملية”.