كريتر نت – متابعات
طُرد من العراق، و”دُفن” في سوريا، فزحف إلى بقاع أخرى من المعمورة محاولا لملمة بقايا الأفول والنهايات، قبل أن ينبعث من وسط غابات آسيا.
إنه تنظيم “داعش” الإرهابي الذي اتخذ من غابات الفلبين الوعرة، عبر جماعات بايعته، معقلا جديدا له، بعد أن قُضي عليه في المناطق التي كان قد سيطر عليها في سوريا والعراق قبل سنوات، وإن كانت ذئابه التائهة تخرج من جحورها بين الفينة والأخرى.
الفلبين والإرهاب
في دراسة صادرة عن التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، طالعتها “العين الإخبارية” على موقعه الإلكتروني، تظهر الفلبين الدولة الوحيدة من دول جنوب شرقي آسيا التي ترد في قائمة الدول العشر الأكثر عرضة للإرهاب في العالم.
كما أنها تعتبر الدولة الوحيدة في جنوب شرق آسيا التي صُنفت ضمن الدول العشر الأكثر تضررا من هذه الآفة.
ووفق مؤشر الإرهاب لعام 2020 كان الجيش الشعبي الجديد أكثر المنظمات الإرهابية نشاطا في الفلبين، وكان مسؤولا عن أكثر من 35% من الوفيات، و38% من الحوادث المرتبطة بالإرهاب عام 2019.
أرقام جعلت من الفلبين قبلة للباحثين والمختصين لتتبع حالة الإرهاب في هذا البلد الآسيوي.
داعش وإخوانه
“داعش شرق آسيا” هو فرع من التنظيم الإرهابي يطمح إلى توسيع الخلافة المزعومة، في تلك المنطقة.
عام 2016، اعترف “داعش” رسميا بفرع الفلبين الذي يضم بين أعضائه بعض قدامى المنتمين للجماعات الإرهابية أو المتشددة في جنوب شرق آسيا، مثل جماعة أبوسياف والجماعة الإسلامية.
في تقرير له، رصد فيه تطور “داعش” في الفلبين بين عامي 2014 و2019، تحدث مركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية “ويست بوينت” العسكرية الأمريكية عن نشاط التنظيم وأبرز الجماعات المنضوية تحته.
أبرز تلك الحركات جماعة “أبوسياف” وهي شبكة من المجموعات الصغيرة التي التفّ عناصرها حول قائد يتسم بالتأثير يُدعى رادولون ساهيرون، وهي أكبر الجماعات المتمردة في الفلبين، بعد جبهة “مورو”.
من اللافت للانتباه، حسب التقرير نفسه، أن ساهيرون لم يكن يفضل العمل تحت لواء “داعش” بعكس الفصيل الذي يتزعمه إسنيلون هابيلون في منطقة باسلان، والفصيل الذي يقوده حطيب هجان، اللذان أعلنا ولاءهما للتنظيم الإرهابي.
ومن أسباب حماسة قادة هذه الفصائل للعمل تحت لواء “داعش” أو إعلان البيعة له هو الاستفادة من اسمه، فمجرد رفع راياته السوداء كان الأمر كفيلا بأن ترتفع مبالغ الفدى المطلوبة لتحرير الرهائن، في عمليات الاختطاف.
قناعةٌ تولدت من اسم “داعش” الذي ارتبط بإعدامات بشعة للرهائن المخطوفين على يديه، في المناطق التي كان سيطر عليها قبل سنوات في سوريا والعراق.
وفي العموم كان فصيل إسنيلون هابيلون هو الأهم من بين تلك الفصائل التي انضمت مبكرا لتنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا عام 2014، ولاحقا نصّب التنظيم هابيلون أميرا لعملياته هناك، وهو ما كان بمثابة إعلان ولاية في تلك المنطقة.
ويضم فصيل هابليون، حسب الدراسة نفسها، عناصر كبيرة من غير الفلبينيين وأيضا الماليزيين، حيث كان لهؤلاء الأثر الكبير في تقوية أنشطة التنظيم ودعم تمويله هناك.
غير أن مقتل هابليون على يد الجيش الفلبيني عام 2017 كان ضربة قوية لهذا الفصيل المسلح، قبل أن تنتقل القيادة لـ”فوروجي إنداما”، الذي أعلن أنه ماض على نهج سلفه، لكن ترددت أنباء عن مقتله في سبتمبر/أيلول 2020.
العائلة “ماوت”
ومن أبرز حلفاء “داعش” في الفلبين أيضا تظهر جماعة “ماوت” التي سميت بهذا الاسم نسبة لمؤسسيها من الأبوين وسبعة أبناء أبرزهم عمر الخيام وعبدالله، عام 2015.
أما كيامورا وفرحانة موت فهما والدا الأبناء السبعة الذين أطلقوا على جماعتهم اسم “فرع تنظيم داعش في لاناو”، ويقول الجيش الفلبيني إنهما لعبا دورا رئيسيا في تجنيد مقاتلين جدد وجمع الأموال للتنظيم الذي بايعوه عام 2016.
تقول دراسة التحالف الإسلامي إن مبايعة “ماوت” لـ”داعش” لم تكن بسبب التقارب الفكري، بقدر ما كان الدافع هو تلميع صورة الجماعة وإظهارها فصيلا أشد تطرفا.
وعلى غرار الكثير من الجماعات الإرهابية في الفلبين كان لمقاتلي “ماوت” صلات كبيرة بجبهة “تحرير مورو”، وتجسدت مظاهر التقارب بينهما أن قائد الأخيرة “برافو” فتح معسكراته لتدريب مقاتلي ماوت.
ويضاف إلى أسباب قوة “ماوت” وازدياد أعداد مقاتليها هو استهدافها للتجنيد في الجامعات، لا سيما جامعة مينداناو، حيث كان لها إسهام كبير في الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد، وكذلك غزو مدينة مراوي عام 2017، وإنشاء مخابئ في جبال المدينة جعلت منها كمينا لاستهداف القوات الحكومية.
بعد ذلك، تولت الجماعة التنسيق مع “داعش” لتشكيل تحالف من أجل فرض السيطرة على مدينة مراوي، التي تعد عاصمة للمسلمين في الفلبين ذات الغالبية الكاثوليكية، عام 2017.
وجمع التحالف كلا من “ماراناو” و”تاوسوج” و”ماجوينداناو”، وفصيل هابيلون من جماعة أبوسياف، وخلية تابعة لـ”داعش” في مدينة كوتاباتو، إلى جانب مجموعة “أنصار الخليفة الفلبينيين” ومركزها في سلطان قدرات.
وإضافة لهؤلاء هناك جماعات أخرى أقل تأثيرا وقوة في مشهد العنف بالفلبين، أبرزها “المناضلون الإسلاميون من أجل الحرية في باجنسامورو” التي تأسست عام 2010، بعد انشقاقها عن جبهة “تحرير مورو”.
ولاحقا انقسمت تلك الجماعة بعد وفاة قائدها “أميريل كاتو”، وتفككت إلى ثلاثة فصائل، بايع واحد منها فقط تنظيم داعش، وهو فصيل “إسماعيل عبدالملك” المكنى بـ”أبي طريف” الذي أعلن ولاءه للتنظيم في 2016.
لكن كيف ظهر في الفلبين؟
يعود تاريخ ظهور “داعش” في الفلبين إلى عام 2016، حيث نشر مقاطع فيديو تظهر مئات المقاتلين في صفوفه.
بعد تلك المقاطع بعام واحد، وتحديدا في مايو/أيار 2017 زحف مسلحون أعلنوا ولاءهم لـ”داعش” إلى مدينة مراوي.
حينها حولوا مراوي إلى مدينة أشباح، قبل أن يتدخل الجيش الفلبيني ومعه القوات الحكومية الأخرى بعملية عسكرية قادت إلى التحرير بعد خمسة أشهر من القتال.
وجاءت أحداث مراوي بعد أشهر فقط من هجوم قوات الأمن على عرين جبل إيسنيلون هابيلون، وهو زعيم قديم لأبو سياف.
وقال الجيش الفلبيني إن هابيلون أصيب على الأرجح في الغارات لكنه تمكن من الفرار إلى مراوي، حيث انضم إلى جماعة ماوت قبل التخطيط للحصار.
في معارك تحرير مراوي قُتل المئات في القتال بين القوات الفلبينية وجماعة ماوت المرتبطة بتنظيم “داعش”، منهم 900 مسلح بينهم أمير التنظيم بشرق آسيا ايسنيلون هابيلون، فضلا عن نزوح 400 ألف شخص من محيط المدينة، حسب أرقام رسمية صدرت في ذلك الوقت عن مسؤولين فلبينيين.
كان الاستيلاء على مراوي أكبر تحد يواجهه الرئيس الفلبيني السابق رودريجو دوتيرتي منذ توليه السلطة في يونيو/حزيران 2016.
التكتيكات والأهداف
قبل عملية مراوي، وبعدها شن الإرهابيون عمليات استهدفت القوات الحكومية الفلبينية والمدنيين، مستخدمين العبوات الناسفة والعناصر الانتحارية والسيارات المفخخة والأسلحة الصغيرة.
ففي 17 أبريل/نيسان 2020، وقع هجوم لجماعة أبوسيّاف المرتبطة بـ”داعش”، أسفر عن مقتل 11 عسكريا فلبينيا وإصابة 14 آخرين، في مقاطعة سولو، وفق ما أعلن الجيش الفلبيني.
وبعده بأشهر، وبالتحديد في 24 أغسطس/آب 2020، هاجم انتحاريان عسكريين وشرطة فلبينيين في منطقة تسوق بجزيرة جولو الواقعة في مقاطعة سولو، مما أسفر عن مقتل 15 على الأقل وإصابة 77 آخرين.
قائمة بالمطلوبين
حين وضعت المعركة في مراوي أوزارها، كان لدى الجيش الفلبيني قائمة تحوي صور بطاقات وصورا لأكثر من 100 مطلوب مشتبه بهم من جماعة ماوت وآخرين يقاتلون كجزء من المجموعة في أي ولاية بشرق آسيا.
المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب “حكومي”، في تقرير له تحت عنوان” المنظمات الإرهابية الأجنبية”، قدّر عدد أعضاء تنظيم داعش في الفلبين بحوالي 300 إلى 500 عضو.
وفيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب فالأرقام تتفاوت في تقدير أعدادهم، لكن في المجمل تتراوح ما بين 10 و40 عنصرا، أغلبهم من إندونيسيا وماليزيا، إضافة إلى مقاتلين من آسيا الوسطى، وشمالي آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، بحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في دراسة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
ويعود اختيار المقاتلين الأجانب للفلبين خاصة مينداناو، كونها المكان الوحيد في المنطقة الذي يتيح لهم مساحة من الأرض لإقامة ولاية متطرفة، لا سيما بعد مقتل زعيم تنظيم “داعش”، أبوبكر البغدادي، ودحر التنظيم من سوريا والعراق، وانهيار ما سُميت بـ”دولة الخلافة”.
وفي تقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية عام 2019، أشادت فيه بالتعاون مع الحكومة الفلبينية في مكافحة الإرهاب، وقالت إن الفلبين قامت بتكييف جهودها العسكرية وإنفاذ القانون ومكافحة التطرف لمعالجة التهديدات المتغيرة من الجماعات الإرهابية التي استمرت في العمل بشكل أساسي في جنوب البلاد.
ولفتت إلى أن الفلبين واصلت تعاونها مع الولايات المتحدة، ولا سيما تعزيز إنفاذ القانون والجهود الأخرى للتصدي لمجموعة كاملة من التهديدات الإرهابية.
ووفق الخارجية الأمريكية، شكّلت الفلبين وجهة للمقاتلين الإرهابيين الأجانب من إندونيسيا وماليزيا ودول في الشرق الأوسط وأوروبا.
وفي فبراير/شباط عام 2018، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية “داعش” في الفلبين كمنظمة إرهابية أجنبية.