القاهرة – أحمد جمال
استخدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سلطاته الدستورية وأصدر الأربعاء قرارا يقضي بالعفو عن مجموعة صدرت بحقها أحكام قضائية، أبرزها باتريك زكي ومحمد الباقر، استجابة لدعوة مجلس أمناء الحوار الوطني وقوى سياسية.
ونزع السيسي بهذا القرار فتيل أزمة كان يمكن أن تتصاعد داخليا وخارجيا وتؤدي إلى إحراج نظامه بعد أن أبدى استعدادا للإصلاح السياسي والانفتاح على المعارضة.
وأصدر مجلس الأمناء بيانا الثلاثاء ناشد فيه السيسي استخدام صلاحياته القانونية والدستورية للإفراج الفوري عن زكي وعدم تنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها، ودعاه إلى استخدام حقه كرئيس للدولة في العفو، معتبرا أن مثل هذا القرار سيوفر مناخا إيجابيا يحتاجه الحوار الوطني.
والأربعاء دعت الولايات المتحدة القاهرة إلى الإفراج عن الباحث المصري باتريك زكي الذي حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة “نشر معلومات كاذبة”.
وجاء القرار المصري والموقف الأميركي عقب إعلان ثلاثة من النشطاء المشاركين في الحوار الوطني انسحابهم منه، والذي يناقش قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية.
وأدى الحكم الصادر عن محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، الثلاثاء، إلى تصعيد سياسي ضد الحكومة التي وجدت نفسها أمام ضغوط من معارضين شاركوا في الحوار معها، وصدرت بيانات إدانة عن عدة منظمات حقوقية.
وتم إلقاء القبض على الناشط الحقوقي، الإيطالي الجنسية أيضا، بتهمة نشر أخبار كاذبة، على خلفية مقال نشره في فيسبوك وتحدث فيه عن انتهاكات طالت الأقباط في مصر، ثم تم إطلاق سراحه في نهاية عام 2021.
وحاز الحكم الصادر بحق زكي اهتماما داخليا، لأن المعارضة قبلت المشاركة في الحوار الوطني ولم تنفذ مطالبها الخاصة بالإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي.
ودخل الناشط المصري، الذي درس في إيطاليا وصوت مجلس الشيوخ في روما على منحه الجنسية الإيطالية، حيّز الشد والجذب بين البلدين، وأضيف إلى ملف مقتل الناشط الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016 في القاهرة.
وقال عضو مجلس النواب المصري إيهاب منصور في تصريح لـ”العرب” إن “مواقف المعارضين التي تقضي بالانسحاب من الحوار كانت منطقية وفي إطار الدستور والقانون، واستخدام أساليب مختلفة من الاحتجاج ظاهرة صحية تجلب مردودا إيجابيا لحوار يواجه تحديات وبحاجة إلى دفعة معنوية ربما تحققها الأزمة الراهنة حال التعامل معها بحنكة”.
وتدرك دوائر حكومية خطورة تعطيل الحوار الوطني قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية في مصر. كما تدرك أهمية التعويل على الخروج بتوصيات وقرارات من شأنها إحداث انفراجة سياسية في الداخل تدعم تهيئة الأجواء لانتخابات نزيهة يتعامل معها الرأي العام بجدية، لأن انسحاب المعارضة يهدد بانفراط عقد الحوار.
وأعلن الحقوقي المصري نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، اعتذاره عن عدم الاستمرار، وكتب على فيسبوك “الحكم جعل وجودي في مجلس أمناء الحوار الوطني بلا جدوى، فهو لا يخدم فكرة الحوار ولا حركة حقوق الإنسان”.
واتخذ المقرر المساعد للجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في الحوار الوطني أحمد راغب الموقف نفسه، في إشارة إلى أن قضية حبس النشطاء لن تهدأ.
وأكد الصحافي والمتحدث باسم الحركة المدنية خالد داود، الذي يشغل منصب المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني، تضامنه مع موقف كل من البرعي وراغب، وأعلن أيضا تجميد مشاركته في الحوار.
وذكّر بيان لداود بالوعود التي قطعتها الحكومة للمعارضة بشأن الإفراج عن بعض الأسماء من معتقلي الرأي، من بينهم علاء عبدالفتاح وأحمد دومة ومحمد الباقر، ملمحا إلى أن المعارضة ستوظف حالة الشحن الحالية للعودة إلى فتح ملف المحبوسين، وقد يتصاعد ذلك في الأيام المقبلة تماشيًا مع المواقف الداخلية والخارجية الداعمة للناشط زكي.
وأوضح رئيس كتلة الحوار باسل عادل أن اتخاذ مواقف سياسية اعتراضًا على حكم قضائي أمر ليس في محله، وزكي لم يخضع للحبس الاحتياطي، ولا يعبر حبسه عن رغبة الدولة في ذلك لأنها دشنت حواراً وطنيًا مع المعارضة وتحاول الخروج بنتائج إيجابية تدعم تحسين المناخ العام.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “رئيس الدولة أوقف أزمة باتخاذه قرارا يقضي بالعفو وعزز الثقة بين الحكومة والمعارضة وأغلق الباب أمام محاولات خارجية للتصعيد”، مؤكدا أن الوضع العام بحاجة إلى اتخاذ مواقف من شأنها حلحلة الأزمات الداخلية وليس تعقيدها، وهناك قوى معارضة تبحث بجدية عن التهدئة حاليا.
ويُفضل قطاع من المعارضة الذهاب باتجاه الحصول على مكاسب سياسية من الحوار الوطني دون الدخول في صدام مع الحكومة وأجهزتها.
ويدرك أنصار المعارضة أنهم لن يكونوا طرفًا منتصراً في هذه الحالة، لكن لا يجب أن يجد هؤلاء أنفسهم أمام مشكلات بسبب البطء الذي يهيمن على خطوات الحوار الوطني، المتوقف منذ حوالي أسبوعين، ومن المقرر استئناف جلساته الأسبوع المقبل.
ويعتقد معارضون أن الإرادة السياسية للدولة المصرية لتحسين الأجواء موجودة ولا حاجة إلى الاعتماد على قوى خارجية، غير أن موجات المعارضة المرتفعة من منظمات وجهات دولية قد تدفع البعض إلى التمسك بأي وسيلة تساعده على الصمود، وربما لا تتداخل مع أجنداته بشكل مباشر، لكنها سوف تصب في صالحه.
وندّدت أكثر من 40 منظمة غير حكومية مصرية ودولية بإجراءات محاكمة باتريك زكي، ودعت رئيس الدولة إلى عدم التصديق على الحكم الصادر ضده وإطلاق سراحه وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه، وإغلاق القضايا المثارة بحقه.
المصدر العرب اللندنية