كريتر نت – متابعات
سلط معهد أمريكي الضوء على الديناميكيات المتغيرة في اليمن التي تعيد تشكيل شبكة القوة في محافظة حضرموت الغنية بالنفط (شرق اليمن).
وقال “معهد الشرق الأوسط” في تقرير أعدته الباحثة “إليونورا أرديماغني” : إنه منذ العام 2015، جرى تقسيم حضرموت، كبرى المحافظات اليمنية، على نحو غير رسمي بين مركزين متميزين للسلطة بولاءات عسكرية مختلفة وبدعم خارجي.
وأضافت أن ميزان القوى لم يعد ثابتا داخل المحافظة، ومع ذلك، فإن المواقف الموحدة تتغير على نحو تدريجي.
وبحسب الباحثة فإن “هذا الأمر يخاطر باحتمالية نشوب اشتباكات عسكرية وإعاقة سعي الحضارم للحصول على حكم ذاتي إقليمي.
وقالت “لربما أدى ذلك أيضا إلى تهديد حدودي جديد للجارة السعودية، على الرغم من أن رعاية الرياض الأخيرة والحشد العسكري غير المباشر في المنطقة قد ساهم في تصعيد التوترات مع الانفصاليين الجنوبيين”.
وذكرت أن التغييرات في الديناميكيات العسكرية والسياسية والاقتصادية في حضرموت، تعمل على إعادة تشكيل شبكات القوة داخل المحافظة وخارجها، فضلا عن تداعيات على الأجندات المتضاربة للسعوديين، الإماراتيين، والحوثيين”.
مالذي يجري؟
وطبقا للتقرير فإنه بسبب اتساع رقعتها الجغرافية، والذي يشكل أكثر من ثلث إجمالي مساحة البلاد، تمثل محافظة حضرموت جزءا كبيرا من الاقتصاد اليمني. ويعد حوض المسيلة موطنا لـ 80٪ من احتياطيات النفط المعروفة في اليمن.
وبالإضافة إلى النفط، تحقق المقاطعة كذلك عائدات من التجارة والرسوم ذات الصلة، صيد الأسماك، وكذلك التحويلات المالية.
وقالت “قبل أن يهاجمها الحوثيون في نوفمبر 2022، كان ميناء الشحر (أو الضبة) النفطي في حضرموت يصدر ما يقل قليلا عن 35000 برميل يوميا. وتتمتع المنطقة كذلك بإحساس قوي بالهوية والتطلعات التاريخية للاستقلال.
ومع احتدام الحرب اليمنية، ظهر بجلاء “اثنتان من حضرموت”. الأولى هي حضرموت الوادي، شمال الجزء الأوسط والداخلي من المحافظة المتاخمة للسعودية، والتي يوجد بها حقول نفط كبيرة.
وتعد سيئون المدينة الرئيسية في المنطقة وتسيطر عليها المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش، وهي قريبة من الإصلاح (الحزب الذي يضم الإخوان المسلمين وجزء من السلفيين) والموالي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
والثانية هي المنطقة الجنوبية التي تطل على بحر العرب، وهي موطن الموانئ التجارية وموانئ تصدير النفط في المكلا والشحر، علاوة على البنية التحتية للطاقة الرئيسية.
وتسيطر قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات على حضرموت الساحل، والتي لديها طموحات بالحكم الذاتي الإقليمي.
وأردفت “عقب مكاسبهم العسكرية في شبوة المجاورة في أغسطس 2022، دعا الانفصاليون المدعومون من الإمارات في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى انسحاب الجيش من وادي حضرموت، بدعوى أن القوات الحضرمية المحلية هي وحدها المسؤولة عن الأمن.
ومنذ أواخر عام 2022، اشتدت الاحتجاجات ضد المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وشبام وتريم، المراكز الحضرية الرئيسية في المنطقة، خاصة بعد محاولة اغتيال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت.
ويجري دعم الاحتجاجات من قبل قادة محليين يقال إنهم قريبون من المجلس الانتقالي الجنوبي.
ومثال على هذا الصراع المتصاعد حدث منتصف مايو 2023، عندما تم نشر وحدات من قوات دفاع شبوة المدعومة من الإمارات لتأمين الطريق الذي يربط عتق، مركز شبوة الرئيسي، بالعبر في حضرموت”.
واستدركت “في ذات الوقت، وسعت قوات درع الوطن المدعومة من السعودية، وسعت من وجودها العسكري في حضرموت، حيث تم تجنيدها محليا لتشكيل لواء عسكري.
فبعد وصول قائد قوات درع الوطن إلى حضرموت قادم من عدن مع مجموعة من الجنود في أوائل مايو، قاموا بالانتشار عند معبر الوديعة الحدودي، وهو الميناء البري الوحيد النشط مع السعودية، ليحل محل اللواء 141 مشاة.
وعلى الساحل، تم تسليم مطار الريان الدولي في المكلا، الذي أعيد افتتاحه في أوائل عام 2023، من قبل القوات المدعومة من الإمارات إلى السلطات الحضرمية في 8 مايو، وهي خطوة موالية للسعودية على الأرجح بالتنسيق مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، والتحالف العربي”.
الوجه العسكري والسياسي لـ “حضرموت” المنقسمة
تقول الباحثة إن التحركات العسكرية في حضرموت ومحيطها منذ أواخر عام 2022، توقعت تطورات سياسية، الأمر الذي يسلط الضوء على الانقسامات الداخلية المتزايدة في المنطقة.
ففي أوائل مايو 2023، نظم المجلس الانتقالي الجنوبي تجمعا كبيرا في عدن لمناقشة آفاق استقلال الجنوب، لكن بعض المجموعات الحضرمية فقط قامت بالانضمام.
وحث أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي على “استكمال سيطرته العسكرية والأمنية على جميع المناطق الجنوبية وإزالة فلول القوات اليمنية”.
وتم التوقيع على ميثاق قومي جنوبي يحدد المبادئ الحاكمة لدولة جنوبية مستقبلية في 8 مايو.
كما عين المجلس الانتقالي محافظ حضرموت السابق، الجنرال فرج البحسني، نائبا لرئيس المجلس.
وقالت “في مايو ويونيو 2023، سافر وفد متنوع من القيادات الحضرمية بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، بما في ذلك السياسيين والقادة العسكريين وشيوخ العشائر، سافروا إلى الرياض بدعوة من الحكومة السعودية لمناقشة مستقبل حضرموت.
وقد أسفرت المحادثات عن إنشاء المجلس الوطني في حضرموت المدعوم من السعودية في 20 يونيو، والذي يهدف إلى العمل نحو مزيد من الحكم الذاتي للمحافظة ولكن في إطار وطني، وصياغة مسار بديل للمجلس الانتقالي الجنوبي وتطلعاته الانفصالية”.
أربع طبقات من التنافس
وحددت الباحثة أرديماغني أربع طبقات من التنافس في النزاع الحالي على حضرموت: أولها التعارض بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي تصور المحافظة، على التوالي، كجزء من دولة اليمن الموحدة والفيدرالية المستقبلية بالإضافة إلى العمود الفقري لدولة جنوبية افتراضية لم يعلن عنها بعد.
ثانيا، تضيف -أرديماغني- لقد أدى التنافس إلى إعادة إشعال الشقاق التاريخي بين الشمال والجنوب، حيث غالبا ما يوصم الانفصاليون القوات والجماعات العسكرية في وادي حضرموت بأنهم شماليون، أو حتى متحالفون مع الحوثيين، مما يغذي مشاعر الشك وانعدام الثقة القديمة.
ووفقا للباحثة فإن الشرط الثالث تدعم السعودية والإمارات القوى المتعارضة في المنطقة (الجماعات المرتبطة بالإصلاح مقابل الانفصاليين). وحضرموت ليست سوى أحدث مثال على المنافسة المستمرة التي تميز المعسكر المناهض للحوثيين، والتي تخفف أحيانا من خلال صفقات مبهمة، مثل اتفاق محتمل مؤخرا على تغيير التوازن العسكري في مطار الريان.
وأوضحت أن السيطرة على وادي حضرموت تتعلق أيضا بالسيطرة على الشبكات الاقتصادية، سواء من حيث الأصول- بشكل أساسي حقول النفط- وطرق التهريب.
وأفادت أنه منذ صراع عام 2015، زاد هذا الجزء من المحافظة من أهميته الاستراتيجية. فبالنسبة للحكومة المعترف بها، تعتبر منطقة الوادي وسيئون بوابة عسكرية واقتصادية من مأرب وإليها، والتي تمثل آخر إقطاعيتها والممر المؤدي إلى السعودية.
وهذا يفسر سبب تركيز السعوديين على معبر الوديعة الحدودي، حيث لعب سوق العبر المجاور دورا مهما بسبب الحرب.
وكما يستفيد الحوثيون من طرق التهريب التي تربط، عبر وادي حضرموت، محافظة المهرة الشرقية، مع الأراضي التي يسيطرون عليها في شمال غرب البلاد.
إعادة تشكيل شبكات القوة
وأشارت إلى أن الانقسامات الداخلية في حضرموت تميل بشكل غير مباشر إلى الحوثيين، مما يزيد من انقسام المعسكر المناهض للحوثيين.
واستطردت “تحتاج المؤسسات المعترف بها إلى حضرموت مستقرة لحماية معقل مأرب المجاور. وتعتبر موارد الطاقة وعائداتها حاسمة كذلك في إعادة بناء قدرة الدولة المركزية، على الرغم من أن 20٪ من عائدات تصدير النفط الحضرمي لا تزال في أيدي محلية بسبب صفقة عام 2017 مع الحكومة المعترف بها (وفي عام 2022 طلب محافظ حضرموت السابق رفع هذه النسبة إلى 30٪).
ثانيا، فإن دور رئيس المجلس الرئاسي العليمي- الذي تعتمد عليه قوات درع الوطن رسميا- ينطوي على مخاطر التعرض للنقد: العديد من قادة المجلس الانتقالي الجنوبي هم أيضا أعضاء في المجلس الرئاسي، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة إضعاف احتمالات وقف إطلاق النار في اليمن.
بالنسبة للسعودية، تؤكد أرديماغني أن عدم الاستقرار في حضرموت هو قضية أمن قومي.
هذه هي الحدود الجنوبية الشرقية للمملكة، ويتعين على الرياض بالفعل التعامل مع وجود الحوثيين ونزاعهم على طول الحدود اليمنية الشمالية الغربية.
فمنذ عام 2023، أخذ السعوديون دورا استباقيا في اليمن، لغرض السيطرة على المناطق والممرات الاستراتيجية بدعم من التشكيلات العسكرية الجديدة، مثل قوات درع الوطن، وبالتالي استبدال اعتمادهم جزئيا على الإصلاح.
وقالت “ونتيجة لذلك، بدأ السعوديون مرة أخرى في الاستثمار في الرعاية المالية والعسكرية في اليمن بعد سنوات من تقليص النفقات وفشل مشاركتهم العسكرية المباشرة”.
وذكرت أن هذا الأمر صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالمنطقة الحدودية.
وقالت “فمنذ عام 2022، قدم السعوديون الرعاية لقبائل المهرة على طول الحدود الشمالية، وكذلك قبائل منطقة الوديعة.
ويمكن أن يؤثر تعزيز النفوذ السعودي سلبا على ممرات التهريب الحوثية عبر وادي حضرموت، مما يجبرهم على إعادة تنظيم خطوط الإمداد غير الرسمية الخاصة بهم. وبالنسبة للإمارات، لا يزال المشهد الاستراتيجي مواتيا، حيث عزز حلفاؤها اليمنيون مواقعهم على طول الساحل الحضرمي وحول البنية التحتية الرئيسية.
ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كان الانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات سيحاولون التقدم نحو حقول النفط، أم أنهم سيقتصرون على السيطرة على الساحل. وستعتمد الإجابة إلى حد كبير على المدى الذي يقبل به الحضرميون الانجرار إلى المنافسة السعودية الإماراتية في اليمن، مما يضعف احتمالات الحكم الذاتي في حضرموت”.