كريتر نت – متابعات
يزداد التنافس بين الدول المتقدمة على السباق نحو الفضاء، فأطلقت الآلاف من الأقمار الاصطناعية للقيام بمهام مختلفة، ما خلف حطاما وجسيمات متفاوتة الأحجام، وتسعى المؤسسات الفضائية اليوم بتقنيات متطورة لمحاولة جمع هذه النفايات التي من المتوقع أن تزداد مع استعمال التكنولوجيات الحديثة.
وأسقطت وكالة الفضاء الأوروبية قمرا اصطناعيا بريطانيا، في مناورة غير مسبوقة لإجراء تحطم مُدار وإسقاط المركبة على الأرض، لأول مرة على الإطلاق. وجرى توجيه قمر اصطناعي تابع لوكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) إلى الغلاف الجوي للأرض بطريقة مُحكمة.
وأعلنت الوكالة السبت أن القمر الاصطناعي “أيولوس” الذي قدم البيانات إلى مراكز الطقس في جميع أنحاء أوروبا منذ عام 2018 في المحيط الأطلسي عاد إلى الغلاف الجوي فوق القارة القطبية الجنوبية مساء الجمعة واحترق. وبحسب البيانات، فإن جميع الأجزاء التي لم تحترق سقطت في المحيط الأطلسي كما هو مخطط له.
ويهدف ذلك إلى التقليل من مخاطر سقوط الحطام على الأرض، إلى جانب الحد من مخاطر الاصطدام بأجسام أخرى في مدار الأرض، وبالتالي تجنب خطر حدوث المزيد من الحطام الفضائي. لذلك استهدف فريق التحكم في تسيير القمر الاصطناعي في دارمشتات قطاعا من البحر بعيدا عن اليابسة قدر الإمكان.
ووفقا لخبراء، فإن مثل هذه المناورات ممكنة فقط للأقمار الاصطناعية ذات المدار القريب من الأرض على بعد بضع مئات من الكيلومترات. وبلغ ارتفاع “أيولوس” 320 كيلومترا، وكان يقترب بالفعل من الأرض عن طريق الجاذبية.
بعد ذلك يبدأ القمر الاصطناعي في الاحتراق على ارتفاع 80 كيلومترا. وقال رئيس قسم الحطام الفضائي في الوكالة تيم فلورر إن الأقمار الاصطناعية المصممة حديثا مجهزة لمثل هذه المناورة أو مبنية من مواد تحترق بالكامل في الغلاف الجوي، مضيفا “هذا هو المعيار لمهام اليوم”.
تحذيرات
حذرت وكالة “روسكوزموس” الفضائية الروسية من خطر تزايد النفايات في الفضاء، قائلة إنه يوجد حاليا أكثر من مليون جسم فضائي بحجم 1 سم وأكثر، ويتوقع أن يزداد عددها 1.5 مرة بحلول عام 2030. ويشير مصدر في المكتب الإعلامي للمؤسسة إلى أن هذا العدد الكبير يشكل تهديدا كبيرا لضمان الوصول الآمن إلى المدارات الفضائية.
ويقول ذات المصدر “يوجد حاليا بالفعل أكثر من مليون جسم فضائي أكبر من 1 سم في المدارات القريبة من الأرض، وسيزداد عددها بحلول عام 2030 بمقدار 1.5 مرة. وهذا يشكل تهديدا حقيقيا لضمان الوصول بسلامة إلى الفضاء، بما في ذلك إطلاق وتشغيل الأجهزة الفضائية في المدار بصورة اعتيادية”.
ويضيف “إن هذا الوضع يؤكد حيوية مسائل سلامة الأنشطة الفضائية، وضرورة وضع قواعد لتنظيم وإدارة ‘حركة الفضاء’ ومعلومات واسعة عن الوضع في الفضاء القريب من الأرض”. ويستطرد “يشهد الوضع في الفضاء القريب من الأرض في السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة. وذلك نتيجة الزيادة الكبيرة في حجم وتنوع الأنشطة في الفضاء القريب، والزيادة الكبيرة في عدد الأجسام الفضائية التي صنعها الإنسان في أكثر مناطق الفضاء استخداما”.
◙ جميع الأجزاء التي لم تحترق سقطت في المحيط الأطلسي كما هو مخطط له
وقال المصدر ذاته موضّحا “يرتبط هذا بنشر مجموعات تتألف من عدد كبير من الأقمار الاصطناعية، ما يؤدي إلى زيادة حجم وكمية النفايات الفضائية”. تسبب النفايات الفضائية قلقًا حقيقيًا للعديد من المؤسسات والدول التي تعمل على تبني مبادرات وتقنيات مختلفة لتنظيف الفضاء والحد من التلوث الفضائي.
وتتخذ الأمم المتحدة مبادرات وتعاونا دوليا للتصدي لمشكلة النفايات الفضائية، وتنظم أنشطة ومؤتمرات تعنى بتحسين الوعي وتشجيع التعاون الدولي لتطوير تقنيات أكثر فعالية لتنظيف الفضاء والحفاظ على بيئته الخارجية من التلوث والتأثيرات الضارة. وتُعد وكالة الفضاء الأوروبية جهة فاعلة في مجال الفضاء، وهي تُولِي اهتماما كبيرا لقضية النفايات الفضائية وتسعى جاهدة للحد منها وتنظيف الفضاء.
وتعمل على تطوير أنظمة متطورة لتتبع وتحديد مواقع الأجسام الفضائية المهجورة والتنبيه من أي احتمالية تصادم مع مركبات فضائية نشطة، كما تسعى لتطوير أساليب وتقنيات لتعقّب والتحكم في الأقمار الاصطناعية المتقادمة والمركبات الفضائية التالفة أو المهجورة. وتخطط الشركة السويسرية الناشئة “كلير سبيس” لإطلاق “مهمة إزالة الحطام النشطة”، وستنطلق المهمة المعروفة باسم “كلير سبيس 1” على متن صاروخ “أريان سبيس فيغا – سي”.
وتهدف المهمة إلى التقاط وإزالة قطعة من الحطام الفضائي، وإذا سارت الأمور وفق الخطة التي تُموّلها وكالة الفضاء الأوروبية، فإن المركبة الفضائية ستلتقي بقطعة تركها إطلاق صاروخ “فيغا” في عام 2013، وستلتقط القطعة باستخدام ذراع روبوتية تشبه المخلب ثم تخرجها من المدار وتعيدها إلى الغلاف الجوي الأرضي. وتولي وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) اهتمامًا كبيرًا لقضية النفايات الفضائية وتعمل على تبني السياسات والبرامج التي تهدف إلى تحديد وتتبع وإدارة هذه النفايات.
جسيمات صغيرة
وأطلقت وكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس” المشروع الفيدرالي “مجرة درب التبانة”، والذي سيعمل على التخلص من الحطام الفضائي في المنطقة، حسبما قال يوري بوريسوف المدير العام للوكالة الذي قال “لدينا خطة لمشكلة الحطام الفضائي، وأعتقد أنه سيصبح قريبًا مشروعًا فيدراليًا بعد أن وافق الرئيس فلاديمير بوتين على تطويره، والذي يتطلب في المقام الأول تتبع جميع الحطام الفضائي”.
وأشار بوريسوف إلى أن تعقب جسيمات الحطام الفضائي التي يزيد حجمها عن 10 سنتيمترات أمر مستحيل عمليًا. لذلك من الضروري تطوير أساليب وأدوات الرصد الراداري والأرضي والمدار وأدوات جمع البيانات ومعالجتها من أجل التنبؤ بالحوادث المحتملة المتعلقة بالحطام الفضائي والتحذير منها.
◙ تكدس النفايات في الفضاء يؤكد حيوية مسائل سلامة الأنشطة الفضائية وضرورة وضع قواعد لتنظيم وإدارة “حركة الفضاء”
نجحت طريقة جديدة لتتبع القطع الصغيرة من الحطام الفضائي في اجتياز أول اختبار لها في المدار، وفقا لصانعي “أودين سبيس” في لندن. وعلى مدار العامين الماضيين، طورت أودين تقنية لاكتشاف وتتبع الحطام الفضائي الصغير جدًا بحيث لا يمكن التقاطه بالطرق الحالية، وأدمج أول مستشعر في عرض توضيحي للشركة في القمر الصناعي “دي – أوربيت إيون”، والذي وصل إلى المدار كجزء من مهمة “ترانسبورتر 8” الخاصة بشركة “سبيس إكس” والتي تم إطلاقها في 12 يونيو الماضي.
وأكدت أودين أن المستشعر يتلقى اهتزازات صوتية باهتة من القمر الاصطناعي المضيف، وفي هذه الرحلة التجريبية تم ضبط مستشعر الحطام في أودين على حساسية فائقة. وتم تعيينه لضمان حتى أصغر القراءات التي يمكن اكتشافها بواسطة القمر الاصطناعي إيون.
وتأمل شركة أودين أن تساعد تقنيتها في تعقب الحطام الذي يقل حجمه عن سنتيمتر واحد، والذي ينتقل بشكل غير مرئي تقريبًا بسرعة الرصاص ويشكل تهديدًا للأقمار الاصطناعية والمحطات الفضائية والبنية التحتية الأخرى في المدار.
وقال جيمس نيو الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لأودين “سنركز الآن على تزويد عملائنا بالجيل التالي من بيانات الفضاء وإرسال العديد من أجهزة الاستشعار إلى كل مدار”، مضيفًا “من خلال فهم مدى خطورة الحطام دون سنتيمترات، يمكننا حماية الأصول الفضائية، وتحقيق أقصى قدر من النمو ودفع الاستدامة في الفضاء”.
نفايات متطايرة
أرسل البشر أكثر من 12 ألف قمر اصطناعيّ إلى الفضاء منذ عام 1957، وفقاً لوكالة الفضاء الأوروبية، في حين أن معظمها نشط أو عاد بشكل طبيعي إلى الغلاف الجوي للأرض. وتقدّر وكالة الفضاء الأوروبية أن هناك 3000 مركبة فضائية غير عاملة لا تزال في المدار.
ويتم إطلاق المئات من الأقمار كل عام، أبرزها أقمار “ستارلينك” الخاصة بـ”سبيس إكس”، والتي تهدف إلى أن يكون هناك 40 ألف قمر في المدار، أي عشرة أضعاف أقمارها النشطة حاليا.
◙ النفايات الفضائية تسبب قلقا حقيقيا للعديد من المؤسسات والدول التي تعمل على تبني مبادرات مختلفة لتنظيف الفضاء والحد من التلوث الفضائي
بالإضافة إلى ذلك، هناك القطع التي خلفتها مهمات الفضاء، إذ تقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن المدار الأرضي يحتوي على حوالي 36500 جسم يزيد عرضه عن 10 سم، ومليون قطعة يتراوح حجمها بين 1 و10 سم، و330 مليون قطعة أصغر من 1 سم.
وتدور كل قطعة من هذه القطع حول الأرض بسرعة كبيرة، على سبيل المثال، تقع محطة الفضاء الدولية (التي كان عليها تفادي الحطام المداري عشرات المرات) في مدار حيث تطير الأجسام بسرعة 27500 كيلومتر في الساعة.
ومع وجود المزيد من المركبات الفضائية والقطع، تزداد مخاطر اصطدام الحطام ببعضه البعض، أو حتى الاصطدام بمركبة فضائية نشطة، وهو ما يحدث أحياناً على الرغم من بذل العلماء قصارى جهدهم لتجنبها.
ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير في الثلاثينات من هذا القرن وما بعدها مع استمرار نمو اقتصاد الفضاء. وباستخدام التكنولوجيا الحالية، يمكن فقط تتبع قطع الحطام التي يزيد حجمها عن حوالي 4 بوصات (10 سم).